رياح القومية تهب من جديد على أمهرة الإثيوبية

رياح القومية تهب من جديد على أمهرة الإثيوبية

تحول أسامينو تسيغي رمز التيار القومي في أمهرة إلى أيقونة لحركة متنامية في الإقليم الإثيوبي، وسط حملة تعبئة واسعة للدفاع عن مناطق الأمهرة ضد جبهة تحرير إقليم تيغراي المجاور والتي تخوض قتالا منذ أشهر مع الحكومة المركزية في أديس أبابا، وتسببت في إدخال البلد الواقع في منطقة القرن الأفريقي في دوامة الصراعات العرقية والمناطقية والقومية.

بحر دار (إثيوبيا) – يشكل أسامينو تسيغي أيقونة قومية لحركة حديثة بدت شعبيتها تتنامى في إقليم أمهرة الإثيوبي الذي يشهد تعبئة واسعة النطاق من أجل القتال لاستعادة منطقة متنازع عليها مع جبهة تحرير تيغراي الانفصالية.

ويعد تسيغي رمزا للتيار القومي في أمهرة، وهي حركة حديثة لكنها تحظى بشعبية متنامية على خلفية الصراعات الإثنية والحرب المتواصلة في تيغراي.

وفي أمهرة المحاذية لإقليم تيغراي يحفظ الجميع عن ظهر قلب وجه تسيغي قائد أمن المنطقة الذي سلّحها قبل أن يقتل على يد ضابط من الشرطة عام 2019 بعد اتهامه بمحاولة انقلاب على السلطات المحلية.

ويقول الشاب الإثيوبي من أمهرة ويدعى تسفاهون سيساي إنه يحب الرجل لقيامه بعمل جيد من أجل منطقتهم، حيث ارتدى قميصا فيه صورته وهو يحمل سلاح الكلاشنيكوف.

ويرمز الكلاشنيكوف، السلاح الذي يعلّقه العديد من الرجال على أكتافهم في المناطق الريفية، إلى إرادة الأمهرة، ثاني أكبر مجموعة عرقية في البلاد، وتمسكهم بالدفاع عن أنفسهم.

وفي السنوات الأخيرة استهدفت مذابح عدّة هذه الإثنية وآخرها في أبريل في بلدة أتاي التي تسكنها غالبية من الأمهرة وتحيط بها قرى سكانها من الأورومو، المجموعة العرقية الأكبر في البلاد. وأسفرت أعمال العنف حينها عن مقتل المئات منهم. وغالباً ما تقع توترات ذات طابع إثني بين المجموعتين. وأشعلت أعمال العنف تلك موجة تظاهرات في بحر دار وفي مدن أخرى.

وفي قرية يوهانس الواقعة على تلّة يأسف أسناكو ملكي (46 عاماً)، بينما يلفّ نفسه ببطانية، للعنف والتهجير القسري الذي وقع الأمهرة ضحيته.

ويقول الفلاح بينما يلوّح بسوط في يده “أتعاطف مع شعبي جراء المضايقات التي يتعرض لها (…) يقلقني الأمر، لا أشعر براحة بال”.

وأمهرة هي واحدة من المناطق الأكثر نفوذاً في إثيوبيا الدولة الفيدرالية التي تضمّ أكثر من 110 ملايين نسمة والمقسّمة على أساس إثني وقبلي. ورغم نقص الإحصاءات، إلا أنّ التقديرات تشير إلى أن غالبية قاطني المنطقة البالغ عددهم نحو ثلاثين مليون نسمة ينتمون إلى الأمهرة. كما يتوزع الملايين منهم في أنحاء البلاد.

أمهرة هي واحدة من المناطق الأكثر نفوذاً في إثيوبيا ويسكنها نحو ثلاثين مليون نسمة ينتمون إلى الأمهرة

ويُعد سكان أمهرة منطقتهم المهد التاريخي لإثيوبيا التي ساعد إمبراطور الأمهرة تيودروس الثاني على توحيدها وإقامة حكم مركزي فيها في القرن التاسع عشر. واحتفظ الأمهرة بسيطرتهم سياسياً عليها خلال فترة طويلة من القرن العشرين. وما زالت الأمهرية حتى اليوم اللغة الوطنية.

ويقول بيليت مولا رئيس حركة أمهرة الوطنية “ناما”، وهي الحزب المعارض الأبرز الذي تأسس عام 2018، إن “إثيوبيا هي منطقتنا. ما يُسمى اليوم بمنطقة الأمهرة نحن لا نقبل به”.

وعلى النقيض من الخطاب الانفصالي يدعو الحزب إلى وحدة إثيوبيا، ويقول إنه قد تشكّل كرد فعل على القوميات الأخرى، على غرار تلك الموجودة في أورومو. ومن بين العناوين الرئيسية التي يقوم عليها التنديد بما يطال “شعبه” كما يقول من “إبادة جماعية”، كما يدعو إلى إعادة دمج غرب وجنوب منطقة تيغراي الواقعة شمال أمهرة.

ويطالب الأمهرة منذ ثلاثين عاماً بتلك المناطق الخصبة التي أُلحقت في التسعينات بتيغراي. وقد أرسلوا قواتهم للقتال هناك إلى جانب الجيش الفيدرالي منذ بداية النزاع في نوفمبر الماضي.

ويُتّهم الأمهرة المتورطون بهجمات في مناطق أخرى في إثيوبيا، باللجوء إلى أفعال ترقى إلى “التطهير العرقي” في تيغراي.

وباتت الأراضي التي يسيطرون عليها محوراً أساسياً في النزاع، وأطلق مقاتلو تيغراي هجوماً في منتصف يوليو الجاري لاستعادتها. ومنذ ذلك الحين انتشر الآلاف من مقاتلي الأمهرة المنتمين إلى القوات الإقليمية أو إلى ميليشيات على الحدود بين المنطقتين.

ولا تحتكر حركة أمهرة الوطنية المطالب القومية، فحزب الازدهار الحاكم الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء آبي أحمد لديه فرع كبير في المنطقة. ويُعد رئيس الفرع أجينيهو تيشاغر من الأصوات الأكثر نفوذاً فيها.

وحضّ تيشاغر في 25 من يوليو الجاري سكان منطقة أمهرة ممن لديهم أسلحة على مواجهة المتمرّدين في تيغراي. وقال إن قوات تيغراي أعلنت “حربًا سافرة” ضد شعب أمهرة و”نبدأ معركة من أجل الحفاظ على وجودنا”.

ويقول الباحث الفرنسي مهدي لبزاي المقيم في إثيوبيا، إنه لم يكن أمام حزب الازدهار خيار آخر سوى تبني شعارات حركة “ناما” ليضمن له مكانة على الساحة السياسية المحلية.

وبعد انتخابات 21 يونيو الماضي لم تحظ حركة أمهرة الوطنيّة التي طعنت بنزاهة الاقتراع إلا بعدد قليل من المقاعد مقارنة مع حزب الازدهار في البرلمان الفيدرالي. كما مُنيت بهزيمة في البرلمان الإقليمي.

ويخلص لبزاي إلى أنه في المستقبل “سيكون من المثير للاهتمام أن نرى إلى أي مدى ستقترب نخب حركة أمهرة الوطنية من نخب حزب الازدهار، باعتبار أنهم يقولون الشيء نفسه”.

ومنذ نوفمبر تخوض القوات الحكومية وقوات حزب الجبهة الشعبية الذي يحكم المنطقة الواقعة بأقصى شمال البلاد معارك ضارية، حيث أعلنت حكومة آبي أحمد بعد ثلاثة أسابيع النصر عقب سيطرتها على ميكيلي عاصمة إقليم تيغراي، لكن الجبهة واصلت القتال وتمكنت من استعادة السيطرة على ميكيلي ومعظم مناطق الإقليم في نهاية يونيو الماضي.

ونقل مقاتلو تيغراي هجومهم إلى إقليم عفر المجاور ذي الأهمية الاستراتيجية إذ يمر عبره الطريق الرئيسي وخط السكك الحديدية اللذان يربطان العاصمة أديس أبابا بميناء جيبوتي البحري.

كما توجه مقاتلو تيغراي أيضا صوب الجنوب، وقالوا إنهم سيزحفون غربا في مسعى لاسترداد حدود الإقليم قبل الحرب. وتسيطر قوات إقليم أمهرة على غرب تيغراي حاليا قائلة إن الأرض تتبع لهم. وأودى القتال بحياة الآلاف وأدى إلى نزوح زهاء مليوني شخص في حين يعتمد أكثر من خمسة ملايين فرد على مساعدات غذائية طارئة.

العرب