أزمة المياه العالمية القادمة والعراق نموذجا للتوترات المائية

أزمة المياه العالمية القادمة والعراق نموذجا للتوترات المائية

الباحثة شذى خليل*

يشير مفهوم “أزمة المياه” إلى احتمال نشوب صراعات ونزاعات حول الوصول إلى الموارد المائية والسيطرة عليها، لا سيما في المناطق التي تشكل فيها ندرة المياه كـ قضية ملحة، وفي حين أنه من الصعب التنبؤ بالمستقبل بيقين مطلق، فمن الممكن تحديد بعض التوقعات والاتجاهات المتعلقة بندرة المياه والصراعات المحتملة على المستوى العالمي والعراق نموذجا .
المنظور العالمي:
تزايد الإجهاد المائي: تواجه العديد من المناطق حول العالم إجهادًا مائيًا متزايدًا بسبب عوامل مثل النمو السكاني، والتحضر، وتغير المناخ، وإدارة المياه غير الفعالة. ومن المتوقع أن يتفاقم هذا الضغط في السنوات المقبلة.
نزاعات المياه العابرة للحدود: قد تواجه البلدان التي تتقاسم أحواض الأنهار أو طبقات المياه الجوفية صراعات حول استخدام المياه وتوزيعها. ومن الأمثلة على ذلك النزاع على نهر النيل بين مصر والسودان وإثيوبيا، والنزاع على نهر السند بين الهند وباكستان. وقد تتصاعد مثل هذه النزاعات إذا لم تتم إدارتها بشكل فعال.
المنافسة على الموارد المائية: مع تزايد ندرة المياه، من المرجح أن تشتد المنافسة بين مختلف القطاعات مثل الزراعة والصناعة والاستخدام المنزلي.
آثار تغير المناخ: يؤدي تغير المناخ إلى تغيير أنماط هطول الأمطار، مما يؤدي إلى تفاقم حالات الجفاف، والتسبب في المزيد من الظواهر الجوية المتطرفة. ويمكن لهذه التغييرات أن تزيد من الضغط على موارد المياه وتزيد من احتمال نشوب الصراعات.
المياه كأداة للضغط السياسي: قد تستخدم بعض الدول السيطرة على الموارد المائية كأداة جيوسياسية، مما قد يؤدي إلى نزاعات وصراعات.
جهود التعاون: على الجانب الإيجابي، هناك اتفاقيات ومنظمات دولية متخصصة لحل النزاعات المتعلقة بالمياه سلمياً. وتشمل اتفاقية الأمم المتحدة للمجاري المائية وعمل المجلس العالمي للمياه*
(المجلس العالمي للمياه هو منظمة دولية لأصحاب المصلحة المتعددين تتمثل مهمتها في تعبئة العمل بشأن قضايا المياه الهامة على جميع المستويات، بما في ذلك أعلى مستوى لصنع القرار، من خلال إشراك الناس في النقاش وتحدي التفكير التقليدي. ويركز المجلس على الأبعاد السياسية للأمن المائي والتكيف والاستدامة).

و تعاني الدول العربية من نقص مزمن في المياه بسبب المناخات القاحلة وشبه القاحلة، والنمو السكاني السريع، وممارسات إدارة المياه غير الفعالة ومن الأمثلة:
النزاع على نهر النيل: كان مشروع سد النهضة الإثيوبي الكبير مصدراً للتوتر بين مصر والسودان وإثيوبيا. يعد تخصيص المياه من نهر النيل قضية حاسمة في هذه المنطقة.
الصراع في اليمن: تفاقم الصراع المستمر بسبب ندرة المياه، حيث تحاول القوى المتنافسة السيطرة على موارد المياه المحدودة وتأمين الوصول إليها.
الصراع السوري: شهدت الحرب الأهلية السورية اشتباكات حول السيطرة على البنية التحتية للمياه، مثل سد الطبقة وكانت ندرة المياه أيضاً سبباً للنزوح في المنطقة.
التوترات في الخليج: تواجه دول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، ضغوطا متزايدة على مواردها المحدودة من المياه العذبة بسبب التنمية الاقتصادية السريعة.
من المهم أن نلاحظ أنه على الرغم من أن ندرة المياه يمكن أن تساهم في الصراعات، إلا أن التعاون والابتكار والممارسات السليمة لإدارة المياه يمكن أن تخفف من هذه المخاطر.
تستثمر العديد من الدول في حلول المياه المستدامة، مثل تحلية المياه، وإعادة تدويرها، وتحسين تقنيات الري، لمواجهة تحديات المياه لديها. وتظل الدبلوماسية والتعاون بين الدول من الأمور الحاسمة في معالجة الصراعات المتعلقة بالمياه وضمان الوصول إلى هذا المورد الأساس في السنوات المقبلة.

فما يخص العراق: فإن التوترات والنزاعات بينه وبين تركيا حول موارد المياه أيضا مصدر قلق كبير، فيما يتعلق بنهري دجلة والفرات، اذ يتمثل الخلاف حول
الأنهار المشتركة، يشترك العراق وتركيا في عدة أنهار، أهمها نهرا دجلة والفرات. وتعد هذه الأنهار مصادر حيوية للمياه للبلدين، حيث تدعم الزراعة والصناعة والاستخدام المنزلي.
ديناميكيات المنبع والمصب، تركيا دولة مشاطئة عند المنبع، مما يعني أنها تسيطر على منابع نهري دجلة والفرات. ومن ناحية أخرى، فإن العراق دولة تقع على ضفاف مجرى النهر، وتعتمد على تدفق المياه من تركيا إلى مجرى النهر. وتشكل هذه الديناميكية من المنبع إلى المصب مصدراً للتوتر.
إدارة المياه والبنية التحتية: قامت تركيا ببناء السدود ومشاريع البنية التحتية على نهري دجلة والفرات لتوليد الطاقة الكهرومائية، وإدارة موارد المياه، والسيطرة على الفيضانات. وفي حين أن هذه المشاريع ضرورية لتنمية تركيا، إلا أنها يمكن أن تقلل بشكل كبير من تدفق المياه إلى العراق.
نقص المياه في العراق تفاقم بسبب انخفاض تدفق المياه من تركيا. ويؤثر عدم كفاية إمدادات المياه على الزراعة، التي تعتبر قطاعاً حاسماً لاقتصاد العراق وأمنه الغذائي. كما يمكن أن يؤدي انخفاض تدفق المياه إلى ملوحة المياه الجوفية، مما يجعل مصادر المياه المتبقية أقل قابلية للاستخدام.

الجهود الدبلوماسية: سعى العراق إلى إيجاد حلول دبلوماسية لمعالجة مخاوفه المتعلقة بالمياه. وكانت هناك مناقشات ومفاوضات بين البلدين، وغالباً ما تتم بوساطة المنظمات الدولية وأطراف ثالثة. وقد ركزت هذه المحادثات على اتفاقيات تقاسم المياه، وإدارة السدود، وضمان التدفق المستمر للمياه في اتجاه مجرى النهر.
السياق الإقليمي والجيوسياسي: غالبًا ما تتشابك قضايا المياه في المنطقة مع ديناميات وصراعات جيوسياسية أوسع. ومن الممكن أن يتأثر الوضع بعوامل مثل علاقات تركيا مع الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى وسياساتها الداخلية.
المخاوف البيئية: إلى جانب الآثار السياسية والاقتصادية المباشرة، يمكن أن يكون لانخفاض تدفق المياه في اتجاه مجرى النهر عواقب بيئية خطيرة، مما يؤثر على الأراضي الرطبة والنظم البيئية في العراق.
إن النزاعات المستمرة المتعلقة بالمياه تؤكد أهمية الجهود الدبلوماسية والتعاون وممارسات الإدارة المستدامة للمياه لتلبية احتياجات واهتمامات كلا البلدين مع ضمان الأمن المائي في المنطقة.

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية