الخرطوم ـ بعد أكثر من شهرين من انفجار القتال وطرح العديد من المبادرات لوقف الحرب الدائرة في السودان، يرى مراقبون أن تجاذب المبادرات لحل الأزمة السودانية، ورفض الخرطوم رئاسة كينيا للآلية الرباعية للهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا “إيغاد” (IGAD) المعنية بملف السودان، سيعقدان من الأوضاع في البلاد، معتقدين أن المخرج في تكامل المبادرات لا تجاذبها.
ورفضت الحكومة السودانية مخرجات اجتماع وزراء خارجية دول الآلية الرباعية التي كلفتها قمة زعماء إيغاد بحل الأزمة السودانية، واعتبرته تحديًّا واضحا للسودان وانتهاكا لسيادته، وقالت إن استضافة كينيا العملية السياسية تعني سيطرة مجموعات من خارج أفريقيا على جهود تسوية الأزمة السودانية.
وكان رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان هاتف رئيس جيبوتي إسماعيل عمر غيلي، الذي ترأس بلاده الدورة الحالية لإيغاد، وأخبره برفضه رئاسة كينيا للآلية الرباعية، واتهمها بعدم الحياد، وطالب برئاسة جنوب السودان للآلية.
واعتمد وزراء خارجية دول الآلية، التي تضم كينيا وإثيوبيا وجنوب السودان وجيبوتي، مبدأ النهج المتدرج “خطوة خطوة” لحل المشكلة في السودان، و”عقد لقاء مباشر بين قائدي النزاع”، واعتبرت مقررات الاجتماع أن ذلك يعد مفتاحا أساسيا لوقف الانتهاكات وتوصيل المساعدات الإنسانية.
كما أقر الاجتماع بدء عملية سياسية متكاملة تهدف لإحلال سلام مستدام وانتقال سلمي ديمقراطي وحكم مدني، تستضيفها كينيا في النصف الأول من شهر يوليو/تموز المقبل أو الأسبوع الأول من أغسطس/آب القادم.
وطرح الاتحاد الأفريقي في وقت سابق خريطة طريق لحل النزاع في السودان، تشمل 6 بنود، وتنسيق جميع الجهود الإقليمية والدولية لحل الأزمة السودانية.
وتضمنت خريطة الطريق الاعتراف بالدور المحوري الذي تلعبه الدول المجاورة المتأثرة بالنزاع، واستكمال العملية السياسية الانتقالية الشاملة بمشاركة جميع الأطراف السودانية، وتشكيل حكومة مدنية ديمقراطية في البلاد.
موقف الخرطوم
وقال أحد مستشاري القائد العام للجيش إن الاتحاد الأفريقي جمّد عضوية السودان منذ أكتوبر/تشرين الأول 2012، ولم يشاور قيادته في خطواته عندما أقر خريطة طريق حل الأزمة السودانية، كما شاركت في مشاورات الاتحاد لمناقشة الخطة جهاتٌ من خارج القارة وشخصيات غير معنية وأخرى مقربة من قوات الدعم السريع.
وفي حديث للجزيرة نت، يرى المستشار، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي شخصية متناقضة، فبعد بداية حرب إقليم تيغراي الإثيوبي في العام 2021 اعتبرها فكي مشكلة تمرد بين حكومة فدرالية و”جبهة تحرير شعب تيغراي”، تحل داخل الدولة، بالمقابل اعتبر تمرد قوات الدعم السريع نزاعا بين طرفين، ولم يتدخل الاتحاد الأفريقي في حرب التيغراي، رغم وجود مقر المفوضية في العاصمة الإثيوبية.
ورأى المستشار أن كينيا غير محايدة وتؤوي قيادات من قوات الدعم السريع، ولرئيسها علاقات ومصالح مع قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الذي دعّم حملة الرئيس الكيني وليم روتو في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
وأضاف أن السودان لم يرفض مبادرة دول إيغاد وإنما رئاسة كينيا للآلية الرباعية، ولن يتعاون مع كينيا ولن يقبل بأي مقترحات منها لحل الأزمة، وإذا تمسكت الدول الأخرى برئاسة كينيا أو اتحذت أي خطوة من دون مشاورته، فإنه يمكن أن يعلق عضويته في المنظمة الأفريقية كما فعلت إريتريا التي علقت عضويتها في المنظمة سنوات ولم تعد لممارسة نشاطها إلا مؤخرا، واعتبر عدم تجاوب الخرطوم مع المبادرة “موتا سريريا” لها.
الدعم السريع مع الدمج
وفي المقابل، يرى يوسف عزت المستشار السياسي لقائد قوات الدعم السريع أن البرهان يرفض مبادرة إيغاد لأنها بدأت لقاءها الأول مباشرة مع حميدتي، فضلا عن اقتراح المبادرة لقاء بين الرجلين و”يريد البرهان اشتراط السماح له بالتحرك من مخبئه”.
وقال عزت للجزيرة نت إن إيغاد قدمت مبادرة حقيقية وبها خطوات، غير أن بعض المقترحات تحتاج للنقاش مثل إرسال قوات أفريقية ونشرها على الأرض للمراقبة، وتابع “نحن لا نزال ندرس المبادرة”.
وعن الاتهام لكينيا بالانحياز إلى الدعم السريع، يرد عزت بأن نيروبي لا علاقة خاصة تربطها بالدعم السريع، و”الحقيقة أن كينيا تدعم التحول الديمقراطي في السودان وهي من النماذج الأفريقية الناجحة في الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وهو نموذج قابل للتطبيق في دول القارة”.
ويضيف المستشار أن الرئيس الكيني لن يوافق على استمرار البرهان رئيسا حتى إجراء الانتخابات في السودان كما يخطط، وهو أمر لن تقبله دول إيغاد أو الاتحاد الأفريقي أو الولايات المتحدة والسعودية عبر منبر جدة للمفاوضات.
ويعتقد عزت أن الدور الأفريقي في قضية السودان لن يتراجع، ولا ينبغي تصنيف المبادرات على أساس أنها عربية أو أفريقية أو غيره، والأفضل أن تتوحد كل المبادرات وتتكامل الجهود الأفريقية مع منبر جدة.
نسف المبادرة الأفريقية
وفي السياق ذاته، يرى المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة “التيار” الخاصة عثمان ميرغني أن استمرار رفض السودان رئاسة كينيا للمبادرة الأفريقية سيؤدي إلى نسف مبادرة إيغاد، لأن نجاح المبادرة يعتمد على ثقة الطرفين المتحاربين.
وحسب حديث ميرغني للجزيرة نت، فإن الرئيس الكيني تربطه علاقة قوية مع حميدتي مستندة على تبادل مصالح اقتصادية، مما يجعل الرئيس روتو في موضع غير محايد.
ويرى المحلل السياسي أن الدور الأفريقي في الأزمة السودانية ضعيف حتى الآن ومهزوز، والأفضل أن يتكامل مع المبادرة السعودية الأميركية لأن تعدد المبادرات يفسدها.
وترعى الولايات المتحدة والسعودية منذ السادس من مايو/أيار الماضي مفاوضات غير مباشرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أسفرت في الـ11 من الشهر ذاته عن أول اتفاق في جدة بين الجانبين للالتزام بحماية المدنيين، وتم التوصل إلى عدة هدن وقعت خلالها خروق واتهامات متبادلة من الطرفين، آخرها انتهت صباح اليوم الأربعاء وتستمر مشاورات لتمديدها لتشمل أيام عيد الأضحى.
المصدر : الجزيرة