بينما يبدأ رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف زيارة إلى سوريا، فإن معلومات استخباراتية وسياسية متطابقة أكدت أن الهجمات العسكرية التي نفذتها الطائرات الإسرائيلية على منطقة جنوب العاصمة دمشق، إنما استهدفت مراكز الإدارة والسيطرة الإيرانية، التي تتحكم بكامل الانتشار العسكري الإيراني في سوريا، مما يخلق أسئلة حول مستقبل هذا الوجود والنفوذ الإيراني في هذا البلد.
المعلومات التي سربتها قاعدة “حميميم” العسكرية الروسية في سوريا، أكدت أن الأسبوع الجاري كان استثنائيا في الهجمات الإسرائيلية على المراكز العسكرية الإيرانية الرئيسية في محافظات حمص وحلب، وتوجتها بقصف مركز على مركز السيطرة المركزي في منطقة السيدة زينب جنوب العاصمة دمشق ليلة يوم الاثنين الفائت.
وتمت عملية القصف الأخيرة عبر طائرتين إسرائيليتين من طراز F16 قصفتا المواقع الإيرانية من الأجواء اللبنانية، واستمرت لمدة 14 دقيقة، تمكنت خلالها منظومة (بوك إم 2 أيه) الروسية للدفاع الجوي المحاطة بالموقع الإيراني من إسقاط صاروخين من الصواريخ التي استهدفت الموقع الإيراني، والتي قدرت بالعشرات.
وأكد سكان العاصمة السورية دمشق، استمرار دوي الانفجارات لقرابة ربع ساعة كاملة، وأن حظرا فرض على المناطق الجنوبية من العاصمة، مع ظهور سحابة من الدخان من المنطقة الفاصلة بين مطار دمشق الدولي ومنطقة السيدة زينب التي تبعد عنها قرابة عشرة كيلومترات شمال غربها.
ولتجنب الخلط بين مراكز السيطرة الإيرانية ومواقع الجيش السوري، سرب ضباط من الجيش الروسي معلومات لوكالات الأنباء الروسية الرسمية، أكدوا فيها بأن جميع عمليات القصف الإسرائيلية طوال الأسبوع الجاري إنما استهدفت مواقع إيرانية، بما في ذلك القصف العنيف جنوب العاصمة دمشق، وهو ما أكدته وسائل إعلام سورية.
معلومات سابقة قالت إن الهجمات الجوية التي شنتها إسرائيل على جنوب مدينة حلب أوائل الأسبوع الجاري، بالقرب من مطار السفيرة، كانت تستهدف مخازن الأسلحة ومقرات فصائل الحرس الثوري الإيراني، التي تتحكم بالمثلث الأكثر صعوبة بالنسبة لها، إدلب والمناطق الصحراوية ومناطق شرق الفرات.
وبعد يومين فقط من تلك الهجمات، هاجمت الطائرات الإسرائيلية مطارات الضبعة والقصير في المحور الغربي لمدينة حمص وسط سوريا، التي قالت المصادر الإسرائيلية بأنها كانت تستهدف أكبر مستودعات وذخائر لحزب الله، حيث أعقبه إعلان للحزب أكد فيه بأن القيادي البارز عماد الأمين “السيد غريب”، قد مات داخل الأراضي السورية، وهو أمر نفته مصادر أخرى، مؤكدة أن الهجمات الإسرائيلية أودت بحياة القيادي في الحزب، إلى جانب قيادات من “لواء فاطميون” الإيراني، ومعهم القيادي في الحرس الثوري الإيراني سيد أجمد قريشي، الذي كان يعقد اجتماعا عسكريا في مطار الضبعة العسكري.
التكثيف الإسرائيلي لضرباتها العسكرية التي تستهدف الوجود الإيراني المسلح في سوريا، ترافق مع تحولين رئيسيين: الأول عسكري، يتمثل في قرار روسي باحتكار العمليات العسكرية المتقطعة الجارية في محافظة إدلب بينها وبين الجيش السوري.
أما التحول الثاني فهو اقتصادي، ويتمثل في المشروع الاقتصادي الاستراتيجي الصيني نحو سوريا، الذي توجته الزيارة الاستثنائية لوزير الخارجية الصيني إلى دمشق، الأمر الذي رآه المراقبون تهديدا لشبكة المصالح والنفوذ الاقتصادي الإيراني ضمن سوريا.
زيارة رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف إلى العاصمة السورية دمشق، والتي علقت عليها مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان قائلة: “نوجه الشكر لإيران بشأن مساعدتها حيال مكافحة المجموعات الإرهابية، وبأن الشعب السوري لم ولن ينسى دعم الإيرانيين وتضحياتهم تجاه بلادنا”، تأتي ضمن قلق إيراني متنام بشأن وجودها العسكري ومصالحها الاقتصادية في سوريا.
الباحث المختص في الشؤون الإيرانية رشاد فرحان العباوي، شرح في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية” آليات الاستراتيجية الإسرائيلية في مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا، قائلا: “كان ثمة شبه توافق روسي أميركي إسرائيلي، قائم على السماح لإيران بالوجود في سوريا، شريطة عدم التمدد العسكري بالقرب من الحدود الإسرائيلية. لكن وتعويضا لذلك، فإن إيران اختارت خلق بيئات أهلية وسكنية مأهولة بالسكان موالية لها، وذلك لتهيئة ديمومة لوجودها العسكري في سوريا”.
وأضاف العباوي: “منطقة السيدة زينب، وما يجاورها من بلدات، مثل سبينة وداريا والجديدة، مرورا بكامل الحزام الجنوبي لمدينة دمشق، هي جزء من مشروع إيراني كبير لتحويلها إلى ما يشبه الضاحية الجنوبية لبيروت، عبر تغيير ديموغرافي وصنع أساس لوجود عسكري ضمن البنية السكانية في تلك المنطقة، وهو الأمر الذي ينطبق على محافظتي حلب وحمص السوريتين، الأمر الذي يقلق إسرائيل، ويجعلها تسعى لتصفيته بأسرع وقت، أو تعكيره وتحويله إلى مكان للمواجهة الدائمة على الأقل”.
الشرق الاوسط / سكاي نيوز