طهران – أدى النقص الحاد في المياه في إيران خلال الأسابيع الأخيرة إلى انقطاع التيار الكهربائي مما أثار احتجاجات دامية في محافظة خوزستان قبل أن تتوسع إلى محافظات أخرى لتصل إلى العاصمة طهران. ولم تكن الأزمة حديثة بل إن هذا الإفلاس المائي كان نتيجة لأخطاء السياسة الإروائية والخدمية في البلاد.
ورغم التحذيرات التي صدرت عن خبراء ومسؤولين إيرانيين في قطاع المياه، إلا أن السلطات ظلت تتعامل مع تحذيرات الجفاف وكأنها بلا قيمة قبل أن تكشف الاحتجاجات الأخيرة حجم الأزمة التي تهدد البلاد.
ويقول محللون إن أسباب هذا الإفلاس تعود إلى عقود من الزمن وسوف تزعج البلاد لفترة أطول بكثير مع جفاف يتجاوز هذا الصيف. وقال صادق زيايان مدير المركز الوطني للتحذير من الجفاف ومراقبته في إيران إن البلاد تواجه واحدا من أصعب مواسم هطول الأمطار منذ 50 عاما.
وأشار في تصريحات لوكالة إرنا الرسمية والتي نقلتها صحيفة طهران تايمز إلى أن هطول الأمطار انخفض بنسبة 50 في المئة تقريبا في مقاطعة خراسان الجنوبية هذا العام مقارنة بالمتوسط طويل الأجل، وبنسبة تصل إلى 80 في المئة في جنوب شرق ولاية سيستان وبلوشستان.
وتُرك سكان الأحواز عاصمة إقليم خوزستان الجنوبي الغربي هذا الشهر دون ماء لساعات متتالية بينما تجاوزت الحرارة 50 درجة مئوية، وهو ما قاد إلى احتجاجات واسعة أخذت مدى أكبر من خلال المطالبة بإسقاط النظام ورفع شعارات تدعو بالموت على المرشد الأعلى علي خامنئي.
سوء الأداء الحكومي يتمثل في نقل المياه الجوفية من المناطق النائية إلى المراكز الصناعية وتشجيع زراعة المحاصيل التي تتطلب مياها كثيرة
كما أدى نقص المياه الناجم عن الجفاف إلى انقطاع التيار الكهربائي في المناطق التي تعتمد على محطات الطاقة الكهرومائية، والتي توفر حوالي 15 في المئة من إمدادات الطاقة الإيرانية، وفقا لوزارة الطاقة.
وقال علي ميرشي الأستاذ المساعد في قسم النظم الحيوية والهندسة الزراعية بجامعة ولاية أوكلاهوما إن إمدادات المياه في إيران تتضاءل بسبب تغير المناخ وضعف السياسات، بينما يرتفع الطلب مما يزيد الأوضاع سوءا.
وقال ميرشي إن “الإنفاق على المياه ارتفع في جميع أنحاء إيران بشكل كبير بينما تتراجع عائدات المياه. وعندما تضع هذه العوامل جنبا إلى جنب، ستفهم أن البلاد تتجه نحو الإفلاس المائي”.
وفي العام 2015 حذر عيسى كالانتاري وزير الزراعة الإيراني الأسبق من أن ندرة المياه سترغم 50 مليون إيراني، أي ما يُعادل 60 في المئة من السكان، على مغادرة البلاد.
واعترفت وزارة البيئة الإيرانية بهذه المخاطر في تقرير سنة 2017 كانت قدمته إلى هيئة تغير المناخ التابعة للأمم المتحدة. وقالت فيه إن الواقع الحالي للبلاد يتسم بـ”ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض هطول الأمطار ومحدودية الموارد المائية المتاحة”.
وقالت إن تساقط الثلوج قد انخفض، وزاد تبخّر المياه، وإن موارد المياه الجوفية لم تعد تتغذى، وستصبح “موجات الجفاف أكثر شدّة”. لكن المحللين قالوا إن الحالة تتجاوز العوامل الطبيعية، وإن سياسات الدولة الإيرانية لها دور مهم في ما وصلت إليه البلاد من أزمة حادة.
وأشار ميرشي إلى أنه من الممكن “النظر إلى تغير المناخ كعامل محفز، ولكن القضية أعقد من ذلك، وهي تعود بالأساس إلى سوء الإدارة المزمن للموارد المائية”.
ويشمل سوء الأداء الحكومي نقل المياه الجوفية من المناطق النائية إلى المراكز الصناعية والسكانية، وتشجيع زراعة المحاصيل التي تتطلب مياها كثيرة مثل قصب السكر، والفشل في إدارة استهلاك المياه.
وحذر ميرشي من أنه إذا سُمح لهذا الوضع الراهن بالاستمرار فإن الأمور ستكون أسوأ. وقال إن “هذا يعني أن المياه تنفد في كل هذه القرى والمناطق الريفية ولا يستطيع الناس فعل أي شيء للحفاظ على لقمة العيش. لذلك سوف يهاجرون بأعداد أكبر بكثير مما رأيناه حتى الآن”.
وقالت شيرين حكيم باحثة الدكتوراه في مركز السياسة البيئية في أمبيريال كوليدج إن غياب سياسات دقيقة في ملف المياه سيصعّب على إيران التعامل مع الآثار السلبية المتزايدة لتغير المناخ. وأضافت “إنها بالتأكيد حلقة مفرغة”.
ولفتت إلى أن الجفاف المتكرر والإفراط في استخدام المياه السطحية والجوفية لتلبية الاحتياجات الاقتصادية قد أخلّا بالتوازن البيئي لأنظمة المياه.
وحذرت من أن آثار هذه الأزمة ستتجاوز حدود إيران. وقالت إنه “من المحتمل أن يؤثّر ذلك على قضايا الوصول إلى المياه والطاقة لجيران إيران مثل العراق، الذي يعتمد بشكل كبير على إمدادات الطاقة الإيرانية ويشترك في موارد المياه العابرة للحدود”.
وتوجّهت إيران بالفعل نحو بناء السدود للاحتفاظ بالمياه من نهري الزاب الصغير وسيروان بدلا من السماح لهما بالتدفق إلى نهر دجلة في العراق.
وقد تحولت احتجاجات هذا الشهر في إيران، والتي اندلعت في البداية بسبب نقص المياه في الجنوب الغربي، إلى احتجاجات سياسية وانتشرت في العاصمة ومناطق أخرى.
ووعد المرشد الأعلى خلال الأسبوع الماضي المواطنين بأن قضية المياه ستصبح أولوية قصوى. وقال “الآن والحمد لله، تعمل جميع الجهات المختلفة الحكومية وغير الحكومية على حل أزمة المياه”.
العرب