بيروت – انضم قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون إلى قائمة المسؤولين الذين يعيدون ويكررون ما يقولونه من دون العمل على تقديم حلول منطقية أو عملية لمشاكل البلاد، وذلك بحثّه العسكريين على “مواجهة التحديات ومنع الفتنة من التسلل وإغراق البلد في الفوضى”، في خطاب وصفه مراقبون بأنه غامض ويكرّر شعارات قديمة.
ويعرف اللبنانيون أن مسؤوليهم مجرد ماكنات تصريحات وليسوا سياسيين مسؤولين يمكن أن يواجهوا القضايا التي تعترض بلدهم. وخلال السنوات الأخيرة اكتفى هؤلاء المسؤولون بمربع الفرجة على ما يعيشه لبنان سواء من خلال جره إلى مربع المواجهة مع إسرائيل أو التورط في الحرب السورية أو فتح البلاد أمام نفوذ إيران، فضلا عن الاغتيالات والتفجيرات.
وقال الكاتب اللبناني غسان شبارو إن الهوان الذي يعاني منه اللبنانيون يوميا مستمر على وقع أوركسترا سخيفة من التصريحات والتبريرات والهجومات والاتهامات والفضائح التي يتبادلها المسؤولون والسياسيون.
وأضاف شبارو، في تصريح لـ”العرب”، “إن المنظور الطائفي والمذهبي الذي يحكم توجهات المسؤولين والسياسيين اللبنانيين، لتتمترس ثمانية عشر طائفة في خنادق مواجهة لبعضها بعضا كردَّة فعل على تصرفات وتصريحات زعمائها سخيف بل مقزز، مقارنةً بأهمية وسموّ كرامة الوطن ووفاق أبنائه.
وأكد على أن الحل المنشود لن يتم سوى بنزع لبوس الطائفية عن كاهل الوطن وارتداء عباءة الدولة المدنية.
ويقول مراقبون لبنانيون إن ما يهم المسؤولين من مختلف الأحزاب والطوائف هو مصالحهم المباشرة، ولذلك هم يعمدون إلى القبول بالأمر الواقع وتزيينه من خلال تصريحات عامة تحاول أن تسترضي الخصوم ولا تغيّر من التوازنات القائمة شيئا، فهم أصدقاء الجميع.
ويلتقي الخصوم السياسيون في اجتماعات تسيطر عليها الدعابة ويدخلون في تحالفات برلمانية وحكومية تتعارض مع ما يروّجون له من أفكار ومواقع. كما أنهم يرون كل شيء أمامهم خاصة ما تعلق بالفساد والتخريب الذي تتولاه الأجندات الخارجية، لكنهم يتعاملون مع الأمر وكأنه غير موجود. ولأجل ذلك لم تكن هناك أيّ خطط لمواجهة الأزمات التي تعيشها البلاد طالما أنه لا توجد صيغة ممكنة لإيجاد حلول ترضي الجميع.
وقال العماد عون في تصريح للعسكريين بمناسبة عيد الجيش “لا تسمحوا لأحد بأن يستغل رداءة الوضع المعيشي للتشكيك بإيمانكم بوطنكم ومؤسستكم، فلبنان أمانة في أعناقنا، ومن غير المسموح تحت أيّ ظرف إغراق البلد في الفوضى وزعزعة أمنه واستقراره”.
وتابع “لا تدعوا الفتنة تتسلل إلى وطننا، ولا تسمحوا للمصطادين في الماء العكر بتحقيق مآربهم. كونوا على قدر تطلعات شعبنا وتطلعات المجتمع الدولي الذي ينظر إليكم باحترام وتقدير ويسعى لمساندتكم ودعمكم”.
ويرى المراقبون أن قائد الجيش، كما غيره من المسؤولين اللبنانيين، يعمد إلى الغموض في الحديث عن الجهات المسؤولة عن الوضع الكارثي في البلاد، وهو خطاب لم يعد يثق به الشارع اللبناني الذي بات يعاني من مسلسل الكوارث الاقتصادية والاجتماعية والصحية وحتى الطبيعية ويحتاج إلى صوت عاقل وواضح يساعده على فهم ما يجري، ويبعث الأمل في إمكانية الإصلاح.
ولا يبتعد خطاب جوزيف عون عن خطاب رئيس الجمهورية ميشال عون الذي ظل لتسعة أشهر يعدل محاولات تشكيل الحكومة، مثله مثل سعد الحريري، ويضع الجميع الأولوية في مقاييسهم للمكاسب الطائفية والحزبية والشخصية بدل البحث عن توافق بالحد الأدنى لتشكيل حكومة تقدر على إنجاح إصلاحات سريعة تتيح للبنان الحصول على الدعم الدولي.
وبعد عام من تعطيل التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، بالرغم من الضغوط الدولية، تحرّك رئيس الجمهورية ليعلن عن استعداده المطلق للإدلاء بإفادته في انفجار مرفأ بيروت إذا رغب المحقّق العدلي في الاستماع إليه.
وتساءل المراقبون: لماذا لم يبد ميشال عون هذه الاستعداد قبل أشهر خاصة أنه رئيس الجمهورية وتتجمع لديه الكثير من التفاصيل الخاصة بالتفجير، وكان يمكن أن يبادر قبل غيره إلى تسريع مسار التحقيق بدلا من انتظار الضغوط الدولية والتلويح بالعقوبات وتحميل اللبنانيين المزيد من المآسي لحماية صهره جبران باسيل وحليفه حسن نصرالله أمين عام حزب الله.
ومثل ميشال عون، فإن خطاب نصرالله بات مكشوفا للبنانيين، وصار النشطاء على مواقع التواصل يتندرون به قبل كل خطاب، حيث يتوقّعون أن يطلق تصريحات متعالية يمتدح فيها نفسه والحزب وإيران وينتهي برفض كل الاتهامات التي توجه إليه من اللبنانيين خاصة ما تعلق بالاشتغال لفائدة إيران ونظام بشار الأسد، وتحميل البلاد أعباء أجنداته الخارجية.
والأمر نفسه بالنسبة إلى نبيه بري، رئيس مجلس النواب وزعيم حركة أمل الشيعية، الذي ارتبط اسمه بالأزمات الأمنية والسياسية التي عاشها لبنان في العقود الأخيرة منذ الحرب الأهلية. لكن لا أحد يتذكر له إنجازا حقيقيا سوى رعاية النظام الطائفي وتحريك المناورات والمؤامرات من وراء الستار للحفاظ على ذلك النظام وتأييده.
وسبق بطريرك الطائفة المارونية بشارة الراعي قائد الجيش إلى قائمة الذين يطلقون تصريحات مكررة بعد أن ظل صامتا لسنوات.
وأطلق في سلسلة من التصريحات مواقف قوية توحي وكأنه المدافع الوحيد عن الديمقراطية ووحده القادر على الوقوف في وجه حزب الله. وفي يونيو الماضي رفع الراعي مجموعة من اللاءات في وجه حزب الله بينها أنه لا يقبل بتاتا “أن تمعن الجماعة السياسيّة في قهر الناس وذبح الوطن، وأن تتفرّج على العملة الوطنيّة تفقد أكثر من 85 في المئة من قيمتها، وعلى اللبنانيّين أن يتسوّلوا في الشوارع، ويتواصل الغلاء الجنونيّ”.
وفي أبريل توجه الراعي، الذي يقدم نفسه كشخصية وازنة إقليميا، بأسئلة إنكارية إلى أمين عام حزب الله بتساؤلات أبرزها “لماذا تقف ضد الحياد، هل تريد إجباري على الذهاب إلى الحرب؟ هل تريد إبقاء لبنان في حالة حرب؟ هل تأخذ برأيي حين تقوم بالحرب؟”.
أما آخر التصريحات اللافتة فهو حديث سعد الحريري عن أنه ابن شهيد في معرض التأكيد على اهتمامه بتفجير بيروت ليثير تهكما عن دور المسؤول الذي يمثل السنة وأنه يتحرك بدوافع عاطفية أكثر منها وطنية بعد أن صمت عن موضوع التحقيق طوال أشهر التكليف له بتشكيل الحكومة.
وقال الحريري “أنا ابن شهيد قُتل بعملية تفجير. أنا أعرف ماذا يعني أولياء الدم. ولا أحد يزايد علينا في موضوع الرابع من أغسطس، وبهية الحريري أخت الشهيد رفيق الحريري وأنا ابن الشهيد. وكتلة المستقبل كتلة الشهيد”.
العرب