النفط في أسبوع (ظاهرة في الأسواق النفطية: ارتفاع نمو الطلب في الهند)

النفط في أسبوع (ظاهرة في الأسواق النفطية: ارتفاع نمو الطلب في الهند)

large-2563247773013673746

أدت الصين دوراً أساسياً في زيادة نمو الطلب على النفط خلال 2004 – 2014، الأمر الذي ساعد في ارتفاع مستوى الأسعار. في الصين، يبلغ معدل استهلاك النفط نحو 10.8 مليون برميل يومياً، وهي شكلت نحو نصف الزيادة العالمية على نمو الطلب خلال العقد الماضي، وحافظ النمو السنوي على معدل ثمانية في المئة طوال هذه الفترة وخلال 2015 (حتى آب – أغسطس) حين بدأ ينخفض معدل نمو الطلب على النفط إلى 6 – 7 في المئة. وهذا المعدل، على رغم انخفاضه، يُعتبَر مهماً بكل المعايير. لكن بما أنه أقل من معدلات النمو الصينية السابقة، وهو أمر، في ظل استمراره، يقلق الأسواق لخوفها من انكماش الصناعة الصينية وانخفاض الصادرات، أدى، بالإضافة إلى عوامل أخرى، إلى تدهور أسعار النفط وسلع أخرى.

واستمر ازدياد الطلب على النفط في الصين، خلال هذا العام (حتى آب) بسبب التخزين التجاري والاستراتيجي الذي وصل إلى مستويات عالية جداً (نحو 110 ملايين برميل)، ما يعني إضافة نحو 450 ألف برميل يومياً إلى مجمل المخزون. لكن يُلاحَظ أن واردات الصين من النفط الخام انخفضت إلى نحو 6.2 مليون برميل يومياً في آب، مقارنة بنحو 7.1 مليون برميل يومياً في كل من حزيران (يونيو) وتموز (يوليو)، ما يدل على أن المخزون وصل إلى أعلى طاقته، ولا حاجة إلى الاستمرار في التخزين. وسيلبي الاستيراد حاجات المصافي والاستهلاك الداخلي.

ومما يشير أيضاً إلى اكتفاء التخزين الصيني، عودة معدل الاستيراد في آب إلى الكمية التي تحتاجها المصافي، وهذا المعدل أقل بنحو مليون برميل يومياً من الخام عمّا استورِد في كل من حزيران وتموز الماضيين. وبدأت الشركات الصينية، وهذا الأهم، بتخفيض معدل وارداتها النفطية المستقبلية القريبة الأجل، ما يدل على استمرار هذه الظاهرة. وتتوقع نشرة «آرغس» النفطية وفق التقديرات المتوفرة أن تخفض الصين وارداتها نحو 400 ألف برميل يومياً خلال الفصل الرابع من هذا العام، مقارنة بارتفاع الواردات النفطية نحو 700 ألف برميل يومياً خلال الفصل الرابع من 2014.

في الوقت نفسه، يحصل العكس في الهند، السوق الآسيوية الضخمة الأخرى. هناك ارتفع نمو الطلب على النفط الخام في الهند نحو 7 في المئة، بزيادة نحو 242 ألف برميل يومياً، خلال العام الحالي (حتى آب)، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وتدل المعلومات المتوفرة على أن هذه الزيادة في نمو الطلب النفطي الهندي هي ضعف ما تحقق خلال الفترة نفسها من العام الماضي. وتشير المعلومات إلى أن ناتج الدخل القومي الهندي ارتفع نحو 7 في المئة خلال الفصل الثاني من 2015، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ما يعني أن استمرار معدل النمو العالي سيبقي طلب الهند على النفط مرتفعاً، ما ستنتج عنه ظاهرة مهمة على صعيد الطلب العالمي للنفط. ومما يساعد زيادة الطلب على النفط في الهند، السياسات الحكومية المالية والاقتصادية، بالإضافة إلى تدهور أسعار النفط في الأسواق العالمية.

وتتبين معدلات ارتفاع نمو الطلب الهندي من خلال الزيادات الحاصلة في الاستهلاك المحلي للمنتجات البترولية. مثلاً، ازداد استهلاك البنزين 10 في المئة خلال هذا العام (حتى آب)، مقارنة بالسنة الماضية. وهذا الأمر يدل على كل من النمو الاقتصادي للبلاد وزيادة شراء السيارات وانخفاض سعر البنزين مع تدهور أسعار النفط الخام العالمية. ويُذكَر أن استهلاك البنزين زاد على رغم إلغاء الدعم الحكومي للأسعار. وارتفع استهلاك الديزل نحو أربعة في المئة خلال هذا العام (حتى آب)، مقارنة بالعام الماضي حين لم تُلاحَظ أي زيادة تذكر في حينه. وارتفع استهلاك النافتا نحو 10 في المئة خلال 2015 (حتى آب)، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ويعود سبب هذا الارتفاع إلى زيادة إنتاج اليوريا.

تؤكد هذه التطورات أهمية الأسواق الآسيوية النفطية، حيث تتجه الغالبية العظمى من صادرات النفط العربية، وأهمية التطورات الاقتصادية في هذه الدول ولما لذلك من أهمية لنمو الطلب النفطي العالمي. ويتضح أن أسواق الدول الناشئة مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية بدأت تؤدي دوراً مهماً في معدلات الطلب العالمي على النفط وعلى أسعاره. وتهتم الشركات النفطية الوطنية العربية بهذا الواقع الجديد، لأهميته للصادرات العربية، فهناك مشاريع مشتركة عربية وآسيوية لمصافي تكرير وبتروكيماويات وحتى تخزين قرب مناطق الاستهلاك الضخمة هذه لتأمين الإمدادات النفطية خلال الأزمات ولتأمين حضور الشركات العربية في هذه الأسواق لتأمين الإمدادات لها. ولتبيان مدى هذا الاهتمام، بادر بعض الشركات إلى إرسال موظفيه للدراسة في جامعات هذه الدول لتعلم ثقافاته ومناهج أعماله ولغاته.

تشير زيادة معدل الاستهلاك الهندي إلى أهمية الحفاظ على أسعار معقولة للنفط الخام، بدلاً عن الأسعار العالية جداً. وهذا الأمر مهم لكل من موازنات الدول المصدرة التي تتضخم مع زيادة الأسعار إلى مستويات عالية جداً، ما يؤدي إلى غض النظر عن تبني إصلاحات اقتصادية ضرورية، كما تؤدي إلى انحسار الطلب على النفط، ما يؤدي إلى منافسات حادة ما بين الدول المصدرة، تفضي من بين أمور أخرى إلى صراع على الحفاظ على حصص كل منها في الأسواق، خصوصاً من خلال تقديم حسوم على الأسعار.

وليد خدوري

نقلا عن “الحياة” اللندنية