الأزمة السياسية في تونس.. الاقتصاد سبب أم نتيجة؟

الأزمة السياسية في تونس.. الاقتصاد سبب أم نتيجة؟

ما زال الرئيس التونسي قيس سعيد، يفاجئ العالم بسلسلة قرارات دراماتيكية، بعد أن بدأها في 25 يوليو/ تموز الماضي، بإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتجميد البرلمان لمدة شهر.

التبرير الأبرز للرئيس سعيد لهذه القرارات، يتمثل بالتراجع غير المسبوق للاقتصاد والأوضاع المعيشية في البلاد، وما يثيره ذلك من احتجاجات متواصلة بين التونسيين، والتي بدورها أعاقت العديد من الأنشطة الاقتصادية، أبرزها استخراج وتصدير النفط والفوسفات.

ويحمل سعيد الحكومات المتعاقبة، منذ الثورة التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في 2011، والتي كانت حركة “النهضة” جزءا من معظمها، مسؤولية التدهور المستمر في الاقتصاد.

ولم يظهر الاقتصاد أي تحسن أو حتى استقرار للفترة القصيرة التي أمضاها سعيد في الحكم، فيما لا تؤشر سياساته السابقة على أي بوادر للنهوض بالبلاد.

الناتج الإجمالي
في 2010 و2011، نما إجمالي الناتج المحلي بمتوسط 9 في المئة، لكنه بدأ التباطؤ اعتبارا من 2012، وصولا إلى انكماش بنسبة 0.15 في المئة في 2014.

ورغم عودة الاقتصاد للنمو في السنوات التالية، إلى أنه حافظ على نسبة منخفضة، إذ لم يتجاوز النمو منذ 2017 نسبة 1.5 في المئة (1.4 في المئة في 2017، و1.2 في المئة في 2018، و1.3 في المئة في 2019).

جاءت جائحة كورونا في 2020 بانتكاسة للاقتصاد، الذي انكمش بنحو 8.8 في المئة، ليكون عام الوباء الأسوأ اقتصاديا على البلاد منذ 1966 وفق تقديرات صندوق النقد الدولي.

وانكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3 في المئة على أساس سنوي، خلال الربع الأول 2021، مع استمرار الضغوط الناتجة عن جائحة كورونا، وبطء عمليات التلقيح محليا، واستمرار غلق مرافق حيوية كالسياحة.

البطالة
حافظ الاقتصاد على معدل بطالة أقل من 12 في المئة حتى 2010، وفي عام الثورة (2011) قفز إلى أكثر من 18 في المئة.

ورغم تراجع معدل البطالة عن ذروته في 2011، في السنوات التالية، إلا أنه لم يقل في أي من السنوات بين 2012 و2019 عن 15 في المئة، ليستقر بنهاية 2020 عند مستوى 16.7 في المئة.

في مايو/ أيار الماضي، قال المعهد التونسي للإحصاء (حكومي) إن نسبة البطالة سجلت ارتفاعا إلى 17.8 في المئة في الربع الأول 2021، مقابل 17.4 في المئة في الربع الأخير 2020.

وبلغ عدد العاطلين عن العمل حتى نهاية مارس/ آذار الماضي، 742.8 ألف فرد مقابل 725.1 ألفا في الربع الرابع 2020.

التضخم
حتى 2011، حافظ اقتصاد تونس على معدل تضخم بحوالي 3 في المئة خلال العقد الأول من الألفية الثالثة (2000-2010)، لكنه بدأ رحلة صعود مطرد ليصل إلى 7.3 في المئة في 2018، انخفض إلى 6.7 في المئة عام 2019.

وفقا للبنك المركزي التونسي، انخفض التضخم إلى 5.7 في المئة في 2020، ويتوقع البنك أن يحافظ على نفس المستوى هذا العام.

وكان الارتفاع الكبير في أسعار المواد الأساسية الدافع الرئيسي للتضخم، إضافة إلى زيادة في الأجور، واختلالات التجارة الخارجية، وتدهور سعر صرف العملة المحلية.

وبلغ ارتفاع الأسعار ذروته مع بدء جائحة كورونا وما رافقها من إرباك في الإنتاج وسلاسل التوريد، إذ ارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية بنحو 30 في المئة بين أبريل/ نيسان 2020، ويوليو 2021، وفقا لبيانات المعهد الوطني للإحصاء.

الدين العام
بلغ إجمالي الدين العام في 2010 حوالي 16 مليار دولار أو ما يعادل 55 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، ليرتفع إلى 20.6 مليارا في 2017، ثم إلى 29 مليارا بنهاية 2020.

ويتوقع البنك المركزي ارتفاع الدين إلى 35 مليار دولار بنهاية 2021، أو ما يزيد على 100 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، في حال نجحت مساعي تونس بالحصول على قروض خارجية جديدة، الجزء الأكبر منها من صندوق النقد الدولي.

مخاوف جدية
في مايو الماضي، بدأت الحكومة مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض هو الأكبر في تاريخ البلاد، بمقدار 4 مليارات دولار.

لكن الأزمة المتصاعدة بعد قرارات سعيد، تلقي بظلال قاتمة على هذه المفاوضات، ويتوقع الخبراء تباطؤ هذه المفاوضات في وقت يتسارع تدهور اقتصاد البلاد، وتزداد الضغوط على المالية العامة.

ويقدر العجز في الموازنة العامة لهذا العام بنحو 6.7 مليارات دولار، وهو مرشح للزيادة بسبب اعتماد الموازنة متوسط سعر يبلغ 45 دولارا لبرميل النفط، وهو رقم بعيد عن الأسعار السائدة في الأسواق العالمية (قاربت 80 دولارا لمزيج برنت).

كما تواجه المالية العامة عبئا آخر، إذ عليها توفير حوالي 15.5 مليار دينار (5.6 مليارات دولار) لخدمة الدين، منها 10 مليارات دينار (3.6 مليارات دولار) بالنقد الأجنبي.

وفي ظل تصاعد الأزمة السياسية في البلاد، من غير المرجح أن تنجح تونس، على الأقل في المدى القريب، بتوفير كل هذه المبالغ، ما لم تتوفر ضمانات كافية بالعودة إلى المسار الديمقراطي من جهة، والمضي قدما بإصلاحات اقتصادية اشترطتها مؤسسات التمويل الدولية من جهة أخرى.

(الأناضول)