بتاريخ الخامس من أب 2021 أعلن عن تنصيب (ابراهيم رئيسي) رئيسا جديدا لايران وهي الحكومة الثامنة التي ستشكل بعد شباط 1979 ولكنها تختلف عن باقي الحكومات الايرانية كونها تواجه مخاضا سياسيا كبيرا ومشاكل وأزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية يعاني منها النظام السياسي الايراني وتكابد نتائجها الشعوب الايرانية بعد اشتداد نتائج العقوبات الاقتصادية الامريكية بعد الانسحاب من الاتفاق النووي الايراني وعدم وجود رؤية واضحة وحقيقية لاصلاح الوضع السياسي في الحوارات الستة التي جرت في العاصمة النمساوية (فيينا) ولحد الأن في خضم صراعات داخلية تمر بها جميع التيارات السياسية الايرانية وعلى اختلاف أرائهم وتوجهاتهم ، ويبقى الفيصل الرئيسي في كيفية توجيه دفة الحكم القادم وتحديد موعد انطلاق الجولة السابعة رهين بموافقة المرشد الأعلى علي خامنئي .
بدأ الرئيس الايراني الجديد كلمته أثناءمراسيم الاحتفال الرئاسي بتأكيد سعيه على رفع العقوبات الاقتصادية وتحسين الوضع الاقتصادي ورفع مستوى الحالة المعاشية للمواطن الايراني الذي يفتقد الى أبسط مقومات الحياة الكريمة حيث سوء الخدمات المتثلة بانقطاع التيار الكهربائي وشحة المياه وارتفاع الأسعار وانخفاض العملة المحلية وزيادة التضخم الاقتصادي بنسبة 44،2% وتأخير صرف المستحقات المالية للمتقاعدين ، وهذا العامل الاجتماعي الاقتصادي من أهم المعطيات التي ستواجهها حكومة الرئيس ابراهيم رئيسي خاصة أنها ترافقت مع الاحتجاجات الشعبية والانتفاضة الجماهيرية لأبناء الأحواز الذين طالبوا بتحسين الأوضاع العامة للبلاد وتوجيه الانتقادات للمنظومة السياسية والمناداة بحقوق أبناء الشعوب الايرانية في التمتع بثروات بلادهم ورفض توجهات النظام الخارجية بالتمدد والتوسع والتدخل بالشؤون الداخلية للعديد من بلدان الشرق الأوسط والوطن العربي بما يؤثر اقتصاديا على الميزانية المالية للدولة الايرانية وينعكس سلبيا على طبيعة الخدمات العامة التي يفترض أن يقدمها النظام لمواطنيه وأبناء شعبه .
يواجه الرئيس الايراني الجديد تحديات عديدة أبرزها كيفية ادارة الحوارات القادمة الخاصة بالبرنامج النووي الايراني بعد أن أعلن عن تشكيل وفد ايراني جديد وتقيده بالموقف المتشدد الذي ينادي به التيار المحافظ والمجموعة السياسية المحيطة بالمرشد خامنئي والقيادات العسكرية والأمنية في الحرس الثوري الداعية الى الرفع الكامل للعقوبات ودفع التعويضات المالية التي تسببت في الاضرار بالاقتصاد الايراني مع الامتناع عن مناقشة موضوعي برنامج الأسلحة البالستية وسياسة التمدد والنفوذ في بعض عواصم الأقطار العربية ومناطق محددة في الشرق الأوسط ، وهذا ما يشكل رفضا واضحا من قبل الادارة الأمريكية التي ترى فيه مماطلة وضياع للوقت وكما أعلن (أنتوني بلينكن) وزير خارجية أمريكا (أن المفاوضات مع ايران حول الملف النووي لا يمكن أن تدوم الى الأبد )
يدرك ابراهيم رئيسي حاجة ايران للعودة للإتفاق النووي كي تتمكن من تحسين أوضاعها المالية وانتعاش اقتصادها المحلي واسترجاع تعاملها مع الاقتصاد العالمي بتصدير النفط الايراني عبر الأسواق العالمية واملاء الفراغ الذي لا يزال قائما بسبب العقوبات ، كماأن المسؤولين الايرانيين يسعون الى تفعيل (خطة العمل المشتركة ) التي أتفق عليها عام 2015 وهي احدى التوجهات الرئيسية التي يعمل عليها المفاوض الايراني ، ولكنها بحاجة الى أسلوب واضح يراعي تطور الأوضاع الدولية والاقليمية والابتعاد عن سياسة (العنت واظهار القوة ) التي يبديها النظام الايراني ، والانتباه الى الاستراتيجية الجديدة التي أفصحت عنها واشنطن في رؤيتها للجولة السابعة القادمة بضرورة التأني وعدم الاندفاع بتقديم أي تنازلات حتى الوصول الى معرفة نوايا الرئيس الجديد ، وأعلن هذا صراحة المبعوث الامريكي الخاص بالشأن الايراني (روبرت مالي ) في حديثه لصحيفة نيويورك تايمز بتاريخ الأول من أب 2021 عندما عبر عن مخاوفه أن تعود ايران بمطالب مختلفة الى المفاوضات بعد تسلم ابراهيم رئيسي لدفة الحكم .
سيكون أمام الرئيس الايراني ملف داخلي ذو أبعاد اقتصادية كبيرة وهو الدفاع عن الطبقات المهمشة ومكافحة الفساد داخل مؤسسة النظام بأبعاده السياسية والاقتصادية وتهدئة الأوضاع القائمة في منطقة الأحواز ومعالجة الأضرار الناجمة عن أثار جائحة كورونا وزيادة الاصابات والوفيات وضعف عملية التطعيم للمواطنين التي وصلت نسبتها الى 3% من سكان ايران واتخاذ الاجراءات لتلافي أزمتي الكهرباء والمياه التي طالت العاصمة طهران وبعض المدن الايرانية الرئيسية .
جاءت الأحداث الأخيرة في مياه الخليج العربي وتحديدا بالقرب من خليج عمان لتضيف أزمة دولية أخرى سيواجهها الرئيس الايراني بعد استهداف ناقلة النفط (ميرسرستريت) المشغولة من قبل الكيان الصهيوني بتاريخ 30 تموز 2021 بطائرة مسيرة أدت الى وفاة شخصين أحدهما بريطاني والأخر روماني ، واعلان قناة العالم الايرانية التابعة للنظام أن الهجوم على الناقلة جاء ردا على هجوم الكيان الصهيوني على مطار البضعة السوري وهذا التصريح عزز الشكوك بالاتهام الموجه لأجهزة النظام الايراني حديث وزير خارجية بريطانيا دومنيك راب بقوله ( من المرجح أن تكون ايران هي من نفذت الهجوم ) معتبرا أن الحادث انتهاكا واضحا للقانون الدولي كما جاء تأكيد الولايات المتحدة الأمريكية أنها تمتلك الأدلة الثبوتية التي تدين الفعل الهجومي من قبل ايران .
أمام هذه الأحداث والمعطيات يبقى المنظور السياسي والأهداف الميدانية والأسلوب الذي سيتبعه الرئيس ابراهيم رئيسي محط أنظار المتابعين والمهتمين بالشأن السياسي الايراني وطبيعة العلاقات بين أجهزة الحكم القائم والتأثيرات التي يتحكم بها علي خامنئي ومدى انعكاساتها على كيفية مواجهة الأزمات والتحديات التي ستتعامل معها الحكومة الثامنة القادمة.
وحدة الدراسات الإيرانية