لندن – رغم مرور عشر سنوات على أعمال الشغب العنيفة التي هزت المملكة المتحدة إثر مقتل شاب برصاص الشرطة في لندن، إلا أن تقارير تفيد بأن الهوة بين الأقليات الإثنية وقوات حفظ النظام آخذة في التوسّع مهددة باشتعال الوضع من جديد.
ففي الرابع من أغسطس 2011، قتل مارك دوغان الخلاسي الأب لستة أطفال والبالغ تسعا وعشرين عاما من العمر برصاص شرطي بعد عملية مطاردة، ليشعل مقتله حي توتنهام حيث كان يسكن في شمال العاصمة البريطانية. وتنتشر أعمال الشغب إلى كامل بريطانيا، موقعة خمسة قتلى ومتسببة بأضرار جسيمة، على وقع الصعوبات الاقتصادية.
وخلص القضاء البريطاني إلى أن رجال الشرطة تصرفوا “بطريقة مشروعة” بفتحهم النار على الشاب ظنا منهم أنه مسلح لكنه تخلص من مسدسه قبل لحظة. غير أن الشرطة نفسها أقرت بأنه ما زال يتحتم عليها “القيام بالكثير” لتحسين علاقاتها مع المواطنين السود.
لكن تقارير حقوقية صادرة خلال السنوات الماضية، تفيد بأن شرطة المملكة المتحدة تتعامل بعنصرية مع “السود”. فقبل عشرين عاما، صدر تقرير هام حول مقتل فتى أسود في عملية إطلاق نار عنصرية، فوصف شرطة لندن بأنها “عنصرية في أسسها نفسها”.
57 في المئة من البريطانيين السود يعتبرون أن الشرطة تعاملهم بصورة غير عادلة
كما ندد تقرير برلماني صدر مؤخرا بـ”الفوارق العرقية غير المبررة المستمرة والمتجذرة” في صفوف قوات حفظ النظام، مشيرا إلى “فشل نظامي” في مكافحة التفاوت المستمر في المملكة المتحدة، حيث نظمت حركة “بلاك لايفز ماتر” (حياة السود مهمة) تظاهرات ضخمة العام الماضي.
ومن النقاط الخلافية الأساسية عمليات “التوقيف والتفتيش” التي سمحت لقوات حفظ النظام بالقيام بـ74 ألف عملية اعتقال وإحدى عشرة ألف عملية ضبط أسلحة العام الماضي.
وأظهرت دراسة أجرتها كلية لندن للاقتصاد في عام 2018، أن الأشخاص السود أكثر عرضة للاعتقال والتفتيش بثمانية أضعاف من الأشخاص البيض.
وطوال فترة سنة حتى مارس 2020، كان السود معرضين أكثر بتسع مرات من البيض للخضوع لمثل هذه العمليات في إنجلترا وويلز.
وهزّت بريطانيا العام الماضي تظاهرات ضد التمييز العنصري، تخللت بعضها أعمال عنف، في أعقاب وفاة الأميركي الأعزل من أصول أفريقية جورج فلويد أثناء توقيفه من قبل الشرطة في الولايات المتحدة.
وبعدما اتّهمت ميغان ماركل زوجة الأمير هاري في مقابلة تلفزيونيّة في مارس 2021 العائلة الملكية البريطانية بالعنصريّة، أعيد فُتح هذا النقاش على مصراعيه في المملكة المتحدة.
ويرى محللون أن المملكة المتحدة قطعت شوطا في ما يخص مواجهة العنصرية والتعصّب القائم على العرق أو اللون أو الديانة، لكن المعركة لا تزال في منتصف الطريق وقد تكون في مراحل أكثر تعقيدا.
وأوضح كين هيندز (62 عاما) الذي يقود مجموعة لمراقبة ممارسات الشرطة في حي هارينغاي في لندن الذي كان بؤرة لأعمال الشغب عام 2011، أن العلاقات “في أدنى مستوياتها” بين الشرطة والمواطنين السود، في ظل وتيرة عالية لعمليات تبديل مسؤولي الشرطة وتعاقب التوقيفات المشددة. وقال “لم يتم استخلاص أي عبر. ما نحسّنه اليوم يصبح هشا في اليوم التالي”.
وخلص تقرير موضع جدل صدر مؤخرا حول التباين العرقي إلى أن المملكة المتحدة هي “نموذج للدول الأخرى ذات الغالبية البيضاء بين سكانها”، إلا أن الأقليات تعاني من نسبة تمثيل متدنية في صفوف الشرطة ولاسيما على مستوى القادة. وهي تمثل 7.6 في المئة فقط في شرطة إنجلترا وويلز، في حين تشكل 14 في المئة من مجموع السكان.
ورأى تقرير البرلمان البريطاني الصادر الشهر الماضي أن قوات حفظ النظام لن تكون ذات صفة تمثيلية قبل عشرين عاما، في حين لفتت جمعية “إنكويست” المتخصصة إلى أن المتحدرين من الأقليات يشكلون نسبة أعلى من حجمهم الفعلي بين الوفيات الناجمة عن استخدام الشرطة القوة.
وبحسب تقرير لمركز الدراسات “هنري جاكسون سوسايتي” الذي يوصف بأنه يميني، فإن 57 في المئة من البريطانيين السود يعتبرون أن الشرطة تعاملهم بصورة غير عادلة.
وأوضح كين هيندز أن العديد من سكان هارينغاي يعتبرون قوات حفظ النظام بمثابة “قوة احتلال ولا يحترمون الشرطة”، معتبرا أن الأمور لن تتبدل طالما أنهم يعامَلون بطريقة مختلفة.
المملكة المتحدة قطعت شوطا في ما يخص مواجهة العنصرية والتعصّب القائم على العرق أو اللون أو الديانة، لكن المعركة لا تزال في منتصف الطريق وقد تكون في مراحل أكثر تعقيدا
وأشار النائب العمالي من توتنهام ديفيد لام الذي أصدر كتابا عام 2017 حول التباين في النظام الجنائي، إلى أن الاقتصادات في الميزانية التي تطال الشرطة والجمعيات قد تؤدي مجددا إلى قيام البيئة التي أدت إلى أعمال الشغب.
وكتب النائب من المعارضة في صحيفة غارديان أنه “بفشله في تطبيق تدابير مصممة لمعالجة الاستياء داخل المجتمع”، فإن رئيس الوزراء بوريس جونسون “قد يدع شرارة تشعل الوضع”.
وإذ أشار وزير الدولة المكلف بالشرطة كيلت مالتهاوس إلى “تحسّن كبير”، لكنه أقرّ بأنه ما زال “يتعين القيام بالكثير”.
وأقر أحد كبار مسؤولي الشرطة في لندن ستيفن هاوس بأن سكان العاصمة السود هم الذين يبدون له أقل قدر من الثقة. لكنه يؤكد أن تجنيد ضباط من الأقليات وبرامج التدريب يمكن أن تحدث تغييرا “من الداخل” في شرطة العاصمة والفوز بثقة جميع الأقليات.
وعلى الرغم من تراجع هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة نظراً إلى حملات التوعية التي تُقام في هذا المجال، إلّا أنّ الأدلة البحثية وفقاً لمقالة بعنوان “العرق والقانون والشرطة: تأملات في قانون العلاقات العرقية” التي أعدّت عام 2015، تظهر أنّ الشرطة عموماً لم تفشل في توفير الحماية المتساوية بموجب القانون فحسب، بل هي متّهمة أيضاً أكثر من أي مؤسسة أخرى بالتمييز العنصري بشكل متكرّر ومستمر ضدّ المواطنين السود والمقيمين في الجزر البريطانية.
العرب