يستمر انهيار اقتصاد النظام في سورية بصورة متقطعة، والمؤشّر دائما نحو الأسفل، وقد يكون سعر صرف الدولار انعكاسا لمدى تفسّخ هذا الاقتصاد، ومدى فشل السياسات التي يحاول النظام القيام بها لوقف الانهيار التدريجي، فقد قوبلت الزيادة في رواتب الموظفين وأجورهم بالسخرية، بعدما تبين أنها كانت مجرّد تغطيةٍ على مزيد من الإفلاس. أما نظام البطاقات “الذكية” وتحويل الناس من الوقوف في الطوابير إلى انتظار رسالة على الهاتف، فقد أنتج نوعا من الكوميديا السوداء بشأن نوعية الحياة ومستوى العيش .. نضبت موارد النظام، وتوقفت أموال الحرب التي كانت تتدفق من إيران، كما تم تحييد خزّان الثروة في الشمال، حين فُصل النظام عن المنطقة خلف الفرات، فتوقف سيل القمح والنفط. كما تم تحييد مناطق ما فوق الطريق إم 4، ذات الخصوبة المرتفعة، فهي تقع ضمن منطقة الاستقرار المطري الذي يتجاوز مائتي ملمتر في العام، وبقي النظام وحيدا في الداخل. وكانت المنطقة الساحلية قد خرجت مبكرا من دائرة التغذية الاقتصادية بسبب هجرة معظم القادرين على العمل فيها إلى دمشق للالتحاق بالجيش أو شَغل وظائف الحكومة السهلة، فأصبحت مساهمتها الاقتصادية أقلّ من نصف إمكاناتها، وقد تحوّلت ضفاف النهر الكبير الشمالي إلى مناطق زراعية شبه مهجورة.
يفكر النظام بالثروة التي يمكن أن يجلبها الطريق الواصل إلى دول الخليج عبر الأردن، وقد استغلّ جوا دافئا مع دول المنطقة، وأحس بأنه قادر على حقن الحياة في العلاقات المقطوعة، ما يمكن أن يوفر له إضافة اقتصادية مهمة هو في أمسّ الحاجة إليها، فالطريق قد يفتح أمام ترانزيت المحاصيل اللبنانية التي قد تذهب إلى الخليج، بالإضافة إلى تصدير محاصيل سورية عبر الخط نفسه، ما قد يؤمّن قطعا أجنبيا ضروريا. وعلى الرغم من حاجة السوق السورية إلى المنتجات، إلا أن النظام، في الغالب، سيحرم أسواقه الداخلية المدقعة ليصدّر جزءا منها، سترا لعورته الاقتصادية. ولتحقيق هذا كان على النظام أن يحاول فرض سيطرةٍ على المناطق المعارضة في جنوب البلاد، الداخلة في الاتفاقية الموقعة مع الروس في العام 2018.
كان على النظام أن يتغلّب على صعوبتين، للوصول إلى لحظة القبض على درعا بالكامل: الأولى، تجاوز الاتفاق الروسي، وروسيا طرف ضامن للاتفاق وشريك للنظام في آن، وهي القابض على معظم خيوط اللعبة، ويُعزى إليها استمرار النظام بتركيبته الحالية في الحكم. الثانية، التغلب “عسكريا” على التجمعات المقاتلة في مناطق الاتفاقية، والتي ما زالت تحتفظ بسلاحها وإرادتها في تغيير النظام كله، وقد عبّرت عن ذلك بقوة، عندما رفضت علنا مهزلة الانتخابات الرئاسية، وقد استنجد النظام للقفز فوق هاتين الصعوبتين بشريكه الإيراني، فحشد أفضل ما يملك من قوى عسكرية، وهو الفرقة الرابعة، المرتبطة بعلاقاتٍ وثيقةٍ مع إيران، في المنطقة الجنوبية، وبدأ عملية حصارٍ أراد بها اختبار عزيمة المقاتلين في درعا ونوايا الحليف الروسي.
خسر النظام نقاطا معنوية، عندما استطاع مقاتلو درعا الوصول إلى مناطق سيطرة عسكرية له، والقبض على أفرادها، ومعاملتهم معاملة حسنة، وأجبر النظام على الدخول في مفاوضاتٍ مع ممثلين عن المقاتلين، وأعلن عن تواريخ تنتهي إنذاراته عندها، وقد تجاوزها الوقت، ولم يفعل شيئا سوى المحافظة على قصفٍ من بعيد، يطاول معظمه المدنيين، لإخافة السكان هناك وترهيبهم. لم يتمكّن النظام، حتى كتابة هذه المقالة، من تجاوز مقاتلي درعا. ولا يبدو أن الروس راغبون بتصعيد حربي، فقد امتنعوا عن إرسال طائرات أو مساندة عسكرية إلى المنطقة. ومع أننا بالتأكيد لا نتوقع من روسيا أن تتخلّى عن النظام الذي تدعمه عسكريا وسياسيا منذ سنوات، غير أننا نسأل: إلى أي مدى ستقف إلى جوار ما بقي من مقاتلي درعا؟ هذا السؤال أساسي على روسيا أن تجيب عنه الآن.
فاطمة ياسين
العربي الجديد