دعم طالبان فرصة أردوغان لجلب أفغانستان إلى خارطة النفوذ التركي

دعم طالبان فرصة أردوغان لجلب أفغانستان إلى خارطة النفوذ التركي

أنقرة – تخطط تركيا لملء الفراغ الذي سيتركه الانسحاب الغربي المتسرع من أفغانستان، وتعتقد أن سيطرة مقاتلي طالبان يمكن أن توفر لها فرصة لتوسيع نفوذها اقتصاديا وأمنيا في البلاد ضمن استراتيجية أوسع تشمل منطقة آسيا الوسطى.

ولم يخف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رغبته في لقاء الرجل الأول في طالبان بالرغم من أن سيطرة الحركة على أفغانستان لم تتم بعد، وهو ما يعتبر اعترافا مسبقا بطالبان واستعدادا للتعاون معها بقطع النظر عن موقف الولايات المتحدة والعقوبات التي تلوّح بها دول أوروبية.

من شأن التقارب مع طالبان أن يوفر لتركيا فرصة مهمة لتصدّر مهمة إعادة الإعمار في أفغانستان، ويعطي الأولوية لشركاتها
عمران خان: سنستخدم تأثيرنا على طالبان لتجري حديثا مباشرا مع تركيا
ولا شك في أن موقف الرئيس التركي لا يعبر عن مجازفة بقدر ما يؤشّر على وجود اتصالات وتفاهمات بين أنقرة وطالبان، سواء أكان ذلك بشكل مباشر أم عبر أصدقاء باكستانيين أو قطريين.

وفي مقابلة تلفزيونية أجرتها معه محطة “سي.أن.أن ترك” الأربعاء قال أردوغان إنه من الممكن أن يلتقي زعيم حركة طالبان في إطار الجهود الرامية إلى إنهاء القتال في أفغانستان.

وتابع أردوغان “المؤسسات المعنية لدينا تبذل جهودا قد تصل إلى حد عقد بعض الاجتماعات مع طالبان… حتى أنا يمكنني أن ألتقي بمن يكون في موضع قائدها”.

ولئن كانت طالبان تبحث عن الاعتراف بنظامها الجديد فإن تركيا تريد استثمار حالة الإرباك التي تعيشها الحركة من أجل تثبيت نفسها كشريك رئيسي لأفغانستان في المرحلة المقبلة، سياسيا وأمنيا واقتصاديا. ومن شأن الحصول على هذا الامتياز أن يوفر لتركيا فرصة مهمة لتصدّر مهمة إعادة الإعمار في أفغانستان، ويعطي الأولوية لشركاتها واستثماراتها، ما يساعدها على الخروج من الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به.

وقال مراقبون إن خروج أفغانستان من حرب طويلة في حالة إنهاك اقتصادي وأمني سيستقطب اهتمام الأتراك، حلفاء طالبان الجدد الذين سيتكفلون بتحويل أفغانستان -التي يبلغ عدد سكانها 38 مليون ساكن- إلى سوق للخدمات والسلع والمنتجات التركية، فضلا عن أن الوضع الجديد سيوفر فرصة لترويج المنتجات الدفاعية التركية، وخاصة المسيّرات التي صارت تجد رواجا بعد ما حققته من نتائج في ليبيا وإقليم ناغورني قره باغ.

وتشير تقارير إلى أن أنقرة تخطط للاستفادة في أفغانستان من دورها المفترض في الربط مع مشروع طريق الحرير والحزام الصيني، وهو ما يوفر لها ممرا منخفض التكاليف. كما سيمكنها وجودها القوي في أفغانستان من فتح طرق جديدة للوصول إلى الجمهوريات التركية في آسيا الوسطى بعيدا عن الطرق التي تمر من روسيا وإيران.

ويندرج اهتمام أنقرة المبالغ فيه بهدف ربط علاقة متينة مع طالبان ضمن رؤية أوسع تهدف إلى تمتين النفوذ التركي في آسيا الوسطى، مستفيدة من روابط تاريخية وعرقية ومذهبية. وتقوم الاستراتيجية التركية على تحويل الدول ذات التاريخ المشترك إلى قطب اقتصادي وتجاري إقليمي ستكون هي أكبر مستفيد منه لما تمتلكه من إمكانيات.

وتريد تركيا الاستفادة من العزلة التي ستجد طالبان نفسها فيها بعد السيطرة على البلاد، لتكون أنقرة بمثابة الضامن والوسيط الذي يفتح أمام الحركة أبواب التواصل مع الآخرين خاصة الولايات المتحدة، وهذا سر تمسك تركيا بالاحتفاظ بمهمة حماية المطار الذي سيمكنها من أن تكون لاعبا ضروريا في الاتجاهين.

وهذا ما لمّح إليه وزير الدفاع التركي خلوصي أكار الخميس حين أكد من باكستان أن الهدف الأساسي من تشغيل المطار هو منع تحويل أفغانستان إلى دولة معزولة.

وأشار إلى وجود تصريحات بأنه “في حال إغلاق مطار كابول سيتم سحب جميع البعثات الدبلوماسية”. وأضاف “ندرك جميعا أن هذا الوضع لا يرغب فيه أشقاؤنا الأفغان أيضا، لذلك سيكون من المفيد إبقاء المطار مفتوحا”.

ويرى المراقبون أن التمسك التركي بالبقاء في مطار كابول وحماية تنقل البعثات الدبلوماسية ليس سوى واجهة للحصول على اعتراف دولي بدورها في أفغانستان، وهو دور يتقاطع مع أدوار أخرى تنظر إلى أفغانستان كمنطلق لتغيير التوازنات في المنطقة مثل الدور الذي تلعبه باكستان.

ولا تخفي باكستان علاقتها المتينة بحركة طالبان وكذلك علاقتها بأنقرة، وهو ما يجعل هذا الالتقاء نواة لتحالف إسلامي يعطي دفعة قوية لخطط الرئيس التركي في آسيا الوسطى.

ووجدت أنقرة في رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان أبرز حليف لها على لعب دور أكثر تأثيرا في أفغانستان كما في آسيا الوسطى ككل.

من شأن التقارب مع طالبان أن يوفر لتركيا فرصة مهمة لتصدّر مهمة إعادة الإعمار في أفغانستان، ويعطي الأولوية لشركاتها

وفي تصريحات لوسائل إعلام أجنبية في إسلام أباد الأربعاء قال عمران خان بعد محادثات مع وزير الدفاع التركي إن جهودا ستبذل لتسهيل المحادثات بين طالبان وأنقرة.

وأضاف خان “أفضل شيء هو أن تجري تركيا وطالبان حوارا مباشرا حتى يتمكن الطرفان من الحديث عن أسباب ضرورة تأمين مطار كابول”، وتابع “لذلك سنتحدث إلى طالبان لنستخدم تأثيرنا عليها، حتى تجري حديثا مباشرا مع تركيا”. وتتولى تركيا مهمة إدارة “مطار حامد كرزاي الدولي” في العاصمة كابول منذ 2015.

وتستفيد أنقرة -في سياق العمل على إنجاح سعيها للبقاء في المطار- من سرعة انهيار القوات الحكومية وتقدم طالبان على أكثر من جبهة، ما حدا بالدول الغربية إلى مطالبة مواطنيها بالخروج فورا من أفغانستان.

وقالت السفارة الأميركية في كابول ضمن إشعار نشرته على موقعها الإلكتروني إن الولايات المتحدة حثت الخميس رعاياها على مغادرة أفغانستان على الفور باستخدام خيارات الرحلات الجوية المتاحة، وهو الموقف نفسه الذي أعلنته دول غربية أخرى.

العرب