بغداد – كشف النائب العراقي أرشد الصالحي مطلع الشهر الجاري عن وجود فروقات مالية تجاوزت 25 مليار دولار شهدها العام الماضي ما بين حجم الحوالات المالية لاستيراد البضائع وقيمة البضائع الداخلة إلى البلاد.
تصريحات الصالحي تأتي متوافقة مع تحذيرات خبراء اقتصاديين وأعضاء في اللجنة البرلمانية من حجم الهدر وتسرب العملة جراء عدم التدقيق في الوصولات المقدمة لنافذة بيع العملة في البنك المركزي، بإهمال المقارنة بين قيمة تلك الوصولات وحجم البضائع الداخلة إلى البلد.
أموال ضائعة
وقال الصالحي في بيان “لقد دُهشنا من الأرقام التي كشفت عنها وزارة التخطيط من أن حجم استيراد العراق للبضائع في عام 2020 قد بلغ 15 مليار دولار فقط، في حين بلغ حجم الحوالات العراقية إلى خارج البلاد خلال العام نفسه 40 مليار دولار، حسب ما أعلنه البنك المركزي”، مشيرا إلى فقدان 25 مليار دولار.
وأضاف الصالحي أن ضمان حقوق المواطن والكشف عن الفساد من مسؤوليات الحكومة، مؤكدا ضرورة أن تتعامل الحكومة بشفافية وأن تتجنب التفريط بحقوق الشعب.
وكانت وزارة التخطيط العراقية قد أعلنت الأسبوع الماضي عن هبوط حاد في الاستيراد خلال 2020 مقارنة بسنتي 2018 و2019، عازية الأمر إلى تفشى وباء كورونا .
وقال المتحدث الرسمي للوزارة عبد الزهرة الهنداوي، في بيان، إن التقرير الذي أعدّه الجهاز المركزي للإحصاء أظهر أن إجمالي الاستيرادات لسنة 2020 للمواد السلعية والمنتجات النفطية بلغ 15.4 مليار دولار، مسجلا انخفاضا بنسبة 25.9% عن سنة 2019 إذ بلغ 29.9 مليار دولار.
غياب الرقابة والتدقيق
ويرجع اقتصاديون وجود الفجوة بين حجم أموال الحوالات لغرض الاستيراد وقيمة البضائع المستوردة إلى غياب التدقيق وحدوث عمليات تلاعب بوصولات حوالات استيراد البضائع من خارج العراق، كما بين الخبير منار العبيدي الذي أو ضح للجزيرة نت أن كثيرا من الجهات التي تقوم بتحويل الأموال عن طريق البنك المركزي لا تقدم وثائق صحيحة.
وأضاف أن بعض الجهات تحول الأموال لغرض الاستيراد عندما تقدمها للبنك المركزي فتقوم بإرفاق بعض التصاريح وبعض الوصولات غير الصحيحة بأرقام كبيرة كي تقوم بعملية تحويل كبيرة.
كما أكد الخبير المالي والاقتصادي صفوان قصي وجود أموال ضائعة في عملية إرسال الحوالات واستقبال البضائع من الخارج، لافتا إلى أن بضعها أيضا قد يرجع إلى خوف التجار من رفع سعر صرف الدولار مقابل الدينار من قبل الحكومة، الأمر الذي دفع بعضهم إلى حجز كميات أكبر من البضائع قبل رفع السعر.
وطالب الحكومة بتحديد حجم المبالغ التي تم تحويلها ولم تدخل سلع مقابلها، وكذلك معرفة الذين قاموا بشراء هذه الحوالات والسلع التي دخلت العراق والتي لم تدخل من المنافذ الرسمية.
تأكيد وتحذير
وتؤكد اللجنة المالية النيابية وجود فروقات مالية بين الحوالات المالية إلى خارج العراق والبضائع الداخلة مقابلها بقيمة تعادل خُمس ميزانية العراق للعام الحالي، مشيرة إلى ضرورة إتمام عمليات التحويل عبر التدقيق وربط الجهات المعنية مع بعضها بعضا بنوافذ مشتركة للكشف عن مصير تلك الأموال والسيطرة على مبادلاتها التجارية، حسب ما يتحدث جمال كوجر عضو اللجنة المالية النيابية.
وفي حديث للجزيرة نت قال كوجر “طبعا هذه الحالة موجودة ونحن في اللجنة المالية جلسنا مع البنك المركزي ومع وزارة المالية أكثر من مرة للحديث عن مزاد العملة والخروق التي تتم عبره”، مشيرا إلى أنه تمت المطالبة بأن تكون وزارة المالية مع البنك المركزي مع المنافذ الحدودية هي الجهات الثلاث التي يتم التنسيق بينها لكي تكون هناك أرقام حقيقة.
واتهم كوجر الأحزاب الكبيرة في البلاد بعرقلة كبح هذه الظاهرة، لوقوفها بوجه أي محاسبة نيابية أو حكومية.
وبيّن عضو اللجنة النيابية أن كثيرا من المصارف الداخلة في مزاد العملة، التي تقوم بعمليات التحويل المالي هي في الأصل عائدة إلى جهات وأحزاب سياسية ويستفاد من خلالها من عائدات أموال الحوالات وغسيل الأموال وكثير من الأمور المتعلقة بمصالح الجهات السياسية.
الأذرع السياسية
تصريحات كوجر تتوافق مع آراء محللين سياسيين ممن يرون فروقات الحوالات المالية ومقدار أموالها الضائعة، مشيرين إلى وجود تلاعب من قبل واجهات لأحزاب سياسية تنتفع من الفروقات المالية عبر ضخ جزء منها في السياسة، فتستخدمه للدعاية الانتخابية وشراء الأصوات، وكذلك لدعم دول إقليمية عبر نقل تلك الحوالات إليها بحجة استيراد بضائع منها ومن ثم دعم اقتصاداتها، وتؤكد ذلك المحللة والباحثة السياسية سهاد الشمري.
ولم تعلق وزارة المالية على الموضوع، في المقابل لم ينف البنك المركزي أو يؤكد ما جاء على لسان الصالحي.
يشار إلى وجود نافذة إلكترونية يتم استعراض حجم الأموال المحولة للاستيراد يوميا فيها، قد يكون الصالحي جمع من خلالها حجم الحوالات لسنة ٢٠٢٠ وأوجد تلك الفروقات.
يأتي هذا وسط استمرار التحذيرات من قبل بعض الاقتصاديين من حجم الهدر الناجم عن مزاد العملة والفروقات بين وصولات الاستيراد المقدمة للمزاد والبضائع الداخلة إلى البلاد، التي لا تتجاوز ثلث قيمة الأموال المحولة وفق مختصين وهو ما يضيع على العراق وواقعة الاقتصادي والخدمي أموالا تعوضه عن الاستدانة الدائمة في ميزانية كل عام من البنك الدولي وجهات مانحة كثيرة.
وقيمة الفرق بين الحوالات المالية والسلع المستورة كفيلة بسد العجز المتوقع في ميزانية هذا العام المقدر بـ19 مليار دولار، وإيقاف الحاجة إلى القروض الخارجية، بل ستفيض نحو 6 مليارات دولار تكفي لبناء أكثر من 4 آلاف مدرسة لأطفال العراق كما يؤكد مراقبون.
المصدر : الجزيرة