تونس – أثار ارتفاع عدد عمليات الهجرة غير الشرعية انطلاقا من السواحل التونسية نحو البلدان الأوروبية، جملة من الاستفهامات بشأن حقيقة وجود أياد خفية تحرك الظاهرة، أو جهات نافذة تستفيد من إدامة الأزمة التي لا تزال تربك جهود السلطة لمعالجتها.
وتمكنت وحدات بحرية بولايات(محافظات) ساحلية في تونس، سوسة ونابل والمنستير، خلال الليلة الفاصلة بين الرابع عشر والخامس عشر من أغسطس الجاري، من إحباط سبع عشرة عملية اجتياز للحدود البحرية خلسة نحو إيطاليا.
وأفاد المتحدث باسم الحرس الوطني حسام الدين الجبابلي، في تصريح إعلامي، أنه تم نجدة وإنقاذ 287 شخصا من بينهم ثمانون من جنسيات أفريقية مختلفة.
ونبّهت أطراف حقوقية إلى خطورة نشاط منظمي عمليات الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، مذكّرة بوجود شبكات دولية تنشط في المجال وتستغلّ تردي الأوضاع الاجتماعية للشباب.
وأكد رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى عبدالكبير، أننا “شاهدنا ارتفاعا في منسوب الهجرة نحو أوروبا في الفترة الأخيرة لأن الوضع الاجتماعي والاقتصادي صعب في تونس، فضلا عن فشل المنوال التنموي في حلّ الأزمات”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “هناك أطراف تسوّق للهجرة، ومنظمو العمليات وشبكات تهريب البشر ينشطون كثيرا في المجال”.
وتابع عبدالكبير “هناك شبكات دولية بين تونس وليبيا وإيطاليا تغري الشباب بالهجرة نحو أوروبا”.
ولفت مراقبون إلى وجود شبكات تسعى لتحقيق الربح المادي من خلال استمرار الظاهرة، مستغلة بذلك مشاعر اليأس وضعف ثقة فئة واسعة من التونسيين في الطبقة السياسية.
وأفاد عامر الجريدي، كاتب عام المنظمة التونسية للتربية والأسرة، أن “ما يشجع على تفاقم ظاهرة الهجرة غير النظامية، هو حالة الانفلات التي تعيشها البلاد، ومن يتاجرون بمآسي العباد ويستغلون حالة اليأس الجماعي للشباب”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “هناك شبكات تتاجر بآلام الناس وتحاول استغلالها داخل وخارج تونس، والضالعون في العمليات هم الوسطاء الذين يرمون إلى تحقيق مصالحهم عبر الربح المالي والتجاري”.
ولم يستبعد الجريدي “وجود أطراف سياسية وراء الظاهرة المدفوعة بعوامل الانحراف والانقطاع عن التعليم وتأزم الوضع الصحي وتداعيات جائحة كورونا”.
ومنذ يومين قال مصدر من منظمة الهلال الأحمر التونسي، للإغاثة إن الحرس البحري التونسي أنقذ 98 مهاجرا من بينهم تسع وخمسون سودانيا وتسعة عشر سوريا كانوا انطلقوا من سواحل صبراتة الليبية فجر الخميس.
وأفاد رئيس فرع المنظمة في ولاية (محافظة) مدنين (جنوب) المنجي سليم في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية أن المركب الذي كان يقل المهاجرين تعطل داخل المياه الإقليمية التونسية مع نفاد البنزين بينما كان في طريقه إلى السواحل الإيطالية.
وتدخل الحرس البحري التونسي لنجدة المهاجرين على بعد أربعة أميال من جزيرة جربة قبالة السواحل الجنوبية لتونس، وتمّ نقلهم إلى ميناء جرجيس القريب حيث تسعى السلطات المحلية إلى إيجاد أماكن شاغرة بمراكز إيواء في المنطقة.
ووفق المعلومات التي وفرتها منظمة الهلال الأحمر فقد كان على متن المركب أيضا سبعة مصريين وستة من بنغلاديش وثلاثة من غامبيا إضافة إلى غانيين ونيجيري وتونسي، ومن بين المهاجرين ثلاث نساء وثلاثة أطفال.
وتمثل السواحل التونسية والليبية منصة رئيسية لأنشطة مهربي البشر وقوارب الهجرة السرية نحو السواحل الإيطالية القريبة.
وسبق أن تم العثور على ستة مهاجرين بينهم أربعة أطفال موتى في صحراء تونس بسبب الحر الشديد، وكان الضحايا قد تسللوا من الجزائر وفي طريقهم إلى ليبيا على الأرجح، بحسب ما أفاد به مسؤول من المنظمة.
وفي وقت سابق، قال الرئيس التونسي قيس سعيد، إن “هناك من مازال يتربص بتونس وبالمواطنين ويتاجر ببؤسهم وفقرهم”، واعتبر أن محاولة أطراف، لم يذكرها، إعادة سيناريو موجات الهجرة غير النظامية التي وقعت سنة 2011 بعد سقوط نظام بن علي، نحو إيطاليا وأوروبا، يرمي إلى الإساءة إلى العلاقات التونسية الإيطالية والأوروبية، ملوحا باتخاذ الإجراءات اللازمة ضدهم “فورا” لوضع حد لهم.
واعتبر سعيد، في خطاب وجهه لوزير الداخلية الجديد خلال جولة قام بها في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة (أكبر الشوارع الرئيسية)، أن “الهدف من هذه الممارسات ليس وضع حد للبؤس والفقر بل ضرب الدولة وضرب المسار الجديد”، وفق تعبيره، مضيفا “لقد نبهتهم وحذرتهم ولكنهم لم يستمعوا إلى التحذير والآن يجب اتخاذ الإجراءات اللازمة” ضدهم.
وقال إن “الدولة ليست غنيمة بل هي لكل التونسيين.. وكل حقوق الفقراء والبؤساء يجب أن تعود إليهم.. ولا داعي للمتاجرة بآلامهم.”
العر ب