أفغانستان.. مؤشرات اقتصادية دالة وتحديات تواجه طالبان

أفغانستان.. مؤشرات اقتصادية دالة وتحديات تواجه طالبان

رسائل مطمئنة بعثت بها حركة طالبان خلال الأيام القليلة الماضية، إلى عدة جهات، في الداخل والخارج، تخص الوضع السياسي وحقوق الإنسان، وكذلك الأوضاع الاقتصادية، من حيث مخاطبة رجال الأعمال، وأصحاب المؤسسات، بأن أموالهم مصانة، وأن الملكية الخاصة لا يمكن الاقتراب منها، كما أن رسائل طالبان طالبت كافة المؤسسات في المجال الخدمي والإنتاجي بضرورة ممارسة أعمالهم بشكل طبيعي.

ولكن وسائل الإعلام على الجانب الآخر، نقلت جملة من الأخبار السلبية، عن خروج أموال من أفغانستان، وكذلك خروج رجال أعمال، بعد أن دانت الأوضاع لحركة طالبان، بسبب الفراغ السياسي والأمني، الذي تركه الخروج الأميركي وتفكك مؤسسات الدولة الأفغانية، الموالية للاحتلال الأميركي.

قاعدة بيانات البنك الدولي، تعطينا بانوراما عن المؤشرات الاقتصادية الكلية لاقتصاد أفغانستان، وهي في مجملها، لا تعبر إلا عن اقتصاد لدولة أقل نموًا، أرهقتها الحروب على مدار العقود الأربعة الماضية، ولذلك فالمهمة كبيرة على عاتق حركة طالبان في إدارتها للبلاد بشكل عام، والأوضاع الاقتصادية بشكل خاص.

فالناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان كان في أفضل حالاته في عام 2013، حيث بلغ 20.5 مليار دولار، وتراجع في عام 2020 ليصل إلى 19.8 مليارا.

وكذلك كان معدل نمو الناتج في عام 2012 هو الأفضل على مدار السنوات الماضية، إذ بلغ 12.7%، ولكنه تراجع في 2019 ليصل إلى 3.9%، ثم حقق معدلًا سالبًا بنحو 1.93%، في 2020، كبقية اقتصاديات دول العالم، تأثرًا بأوضاع كورونا.

وتُعد أفغانستان واحدة من الاقتصاديات الأقل نموًا، أو الأشد فقرًا، إذ يصل نصيب الفرد هناك من الناتج المحلي الإجمالي 508 دولارات فقط عام 2020، بينما كان في عام 2012 نحو 641 دولارا.

والجدير بالذكر أن عدد السكان هناك يزيد بقليل على 38 مليون نسمة.

وفي ظل هذا العدد من السكان، والذي يتزايد بشكل كبير على الرغم من أجواء الحرب هناك لما يزيد على 4 عقود، فإن أداء الناتج المحلي الإجمالي لم يكن مناسبًا على الإطلاق، بسبب الحروب، فالبطالة هناك حسب تقديرات البنك الدولي، بحدود 11.73% من قوة العمل عام 2020.

كما يزيد عدد الفقراء في أفغانستان على نصف السكان، فمعدلات عام 2016 تشير إلى وجود نسبة 54% من السكان تحت خط الفقر.

وبلا شك أن هذه الأرقام شديدة التواضع، بسبب انشغال كثير من السكان بالعمل في الزراعة، ذات العائد المادي المحدود، واعتبار الاقتصاد غير المنظم هناك، هو السائد في إيجاد فرص العمل.

ويمكن اعتبار أفغانستان بلدا زراعيا، حيث تمتلك أراضي زراعية تمثل 58.1% من إجمالي مساحة أراضيها، البالغة 652 ألف كيلومتر مربع.

وينعكس الواقع السياسي والأمني في أفغانستان بشكل كبير على واقع أدائها في التجارة الدولية، ففي عام 2020، كانت الصادرات السلعية للبلاد بحدود 783 مليون دولار، بينما الواردات بلغت 6.47 مليارات دولار، وهو ما يعني وجود فجوة كبيرة تمثل العجز التجاري، بحوالي 5.7 مليارات دولار.

وتصل الديون الخارجية لأفغانستان إلى نحو 1.94 مليار دولار في 2020، كما بلغ احتياطي النقد الأجنبي في العام نفسه نحو 9.7 مليارات دولار.

متطلبات وتحديات
صدرت أميركا أولى المشكلات لحركة طالبان، على الصعيد الاقتصادي، حيث صرح أحد المسؤولين بأن أميركا لن تسمح لطالبان بالتصرف في أصول الاحتياطيات الأجنبية المملوكة للبنك المركزي الأفغاني، والموجودة في أميركا، والبالغة نحو 9.7 مليارات دولار.

فأصحاب المدخرات، الذين يعانون منذ سنوات طويلة، لن يجدوا مخرجًا لتفادي انخفاض مدخراتهم في ظل حالة الترقب هذه، إلا أن يتجهوا لشراء الدولار أو الذهب، ليحافظوا على مدخراتهم.

ومن هنا فعلى حركة طالبان، أن تعطي مساحة لإدارة البنك المركزي، والمعنيين بإدارة المجموعة الاقتصادية، لكي تطمئن المواطنين، من خلال نشر خطة اقتصادية، تعتمد التنمية، وزيادة حركة النشاط الاقتصادي، وفي الوقت نفسه، تستمر المفاوضات مع أميركا، ليتمتع البنك المركزي الأفغاني بإدارة احتياطياته، وبما يحقق المصالح الاقتصادية للبلاد.

ولكن لا بد من التحذير من الانحدار في نماذج للتنمية، تؤدي إلى توريط البلاد في الديون، أو الاعتماد على مشروعات خدمية ترفيهية، على حساب وجود قاعدة إنتاجية قوية في مجالي الصناعة والزراعة.

بسط الأمن والاستقرار
لا يحتاج الأمر إلى المزيد من التدليل، أن رأس المال جبان، ويحتاج ليس فقط مجرد رسائل شفاهية أو مقروءة، لطمأنة العاملين في النشاط الاقتصادي، ولكن لابد من أن يترجم ذلك إلى واقع معيش، بحيث يأمن الناس على الحركة والتنقل، سواء لأشخاصهم أو لأموالهم.

ومن شأن وجود الأمن والاستقرار، أن يشجع الكثير من المهاجرين الأفغان المنتشرين في كثير من بلدان العالم، أن يعودوا إلى بلادهم، سواء للعيش الكريم، أو ضخ استثمارات، من خلال مدخراتهم التي كونوها في الخارج خلال العقود الماضية.

وتشير بيانات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إلى أن عدد اللاجئين الأفغان على مستوى العالم يبلغ 4.6 ملايين فرد، منهم 2.7 مليون فرد مسجلين كلاجئين، بينما نحو مليونين منهم نازحون داخل أفغانستان.

ومن التحديات المهمة، التي ستواجه حركة طالبان، هو ألا تُستنزف في حروب ونزاعات داخلية، تعطلها عن إطلاق مشروع تنموي، وتحريك النشاط الاقتصادي. عليها بالمفاوضات وإشراك أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع في خطة التنمية، من خلال اعتماد اللامركزية في الإدارة والتنمية.

رجل يطعم الأغنام وهي في طريقها للبيع في سوق للماشية في كابل (الأوروبية)
خطة للتنمية
الأداء السياسي لحركة طالبان هذه المرة مختلف، عما كان قائمًا في التسعينيات، ففي ضوء التصريحات للقادة بالحركة خلال الأيام القليلة الماضية، وضح مدى النضج السياسي، وينبغي أن يكون ذلك قد حدث على الصعيد الاقتصادي.

فكون البلاد تصنف ضمن قائمة البلدان الأشد فقرًا، يؤدي إلى ضرورة تقديم خطة اقتصادية واجتماعية، تستهدف تخفيف حدة الفقر، والبطالة، من خلال اللجوء لمشروعات تعتمد على كثافة عنصر العمل، مثل صناعة النسيج، أو الصناعات التجميعية. وبخاصة أن تجارب مثل هذه المشروعات متاحة لدى العديد من الدول التي يمكن أن تنقلها أفغانستان إليها في فترة وجيزة.

الاعتناء بالزراعة
في التسعينيات نجحت حركة طالبان إبان إدارتها للبلاد، في محاربة زراعة المخدرات بشكل كبير، وساعدت المزارعين على زراعة المحاصيل الغذائية للإنسان والحيوان، ولعل هذه التجربة السابقة تساعد الحركة، على إعادة تشغيلها مرة ثانية.

ومن شأن هذا الأمر، أن يؤدي إلى تحسين فرص العمل، ليقل معدل البطالة عما هو قائم الآن عند 11.7%، كما سيساعد ذلك أيضًا على تخفيف حدة الفقر، وبخاصة أن معدلات الفقر تزيد على 50% من السكان.

ومما يساعد في إنعاش قطاع الزراعة في أفغانستان خلال المرحلة المقبلة، أن نصيب الفرد هناك من المياه العذبة المتجددة، جيد، ويزيد على المتوسط العالمي.

فبيانات البنك الدولي تظهر أن نصيب الفرد في عام 2017 من المياه العذبة المتجددة كان بحدود 1299 مترا مكعبا، مع الأخذ في الاعتبار إمكانية الاستعانة بأساليب الري الحديثة، وكذلك اختيار الأنواع الجيدة من البذور، التي لا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه.

المصدر : الجزيرة