في “دردشة” على الإفطار، تحدث الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى مجموعة من الصحفيين عما سيأتي تالياً بشأن الصفقة النووية، والأزمة السورية، و”داعش”.
بينما كان البابا فرنسيس يتحدث أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي، ويمتدح الاتفاق النووي الإيراني، تجمعت حزمة من الصحفيين والمحررين عبر الشارع في “قاعة الدبلوماسية” في فندق الأمم المتحدة، في لقاء على الإفطار مع الرئيس الإيراني حسن روحاني.
ويا له من فرق ذلك الذي يمكن أن يحدث في سنة واحدة. كان العديد من نفس هؤلاء الصحفيين والمحررين قد تجمعوا هنا في العام الماضي -في نفس الشهر، ونفس القاعة. وهذه المرة، كما لاحظ روحاني بلهجة تنطوي على الثقة، أصبحت “الظروف مختلفة نوعاً ما عما كانت عليه عندما التقينا في العام الماضي”. وفي حوار موسع متعدد النطاقات، عرض الرئيس تقييماً شاملاً للعلاقات الأميركية-الإيرانية، والأزمة السورية، والتهديد الذي تشكله مجموعة “داعش”، والأوضاع الراهنة في الشرق الأوسط.
بينما يحمل الاتفاق النووي الإيراني في طياته إمكانية تحسين علاقات إيران مع الولايات المتحدة، أصر روحاني على أن السؤال التالي ينبغي أن يكون “ما إذا كان الاتفاق سوف يطبق؟… هل نستطيع أن نبني عليه؟… هل سيكون الاتفاق بمثابة خريطة طريق نستطيع محاكاتها في قضايا أخرى”. وفي الرد على سؤال عن “العوائق” التي ربما تقف أمام تطبيق الاتفاق، تحدث روحاني عن “المعارضة في كلا الجانبين”. لكنه أضاف: “يجب أن نشرع في رؤية تطبيق ونتائج ملموسة (للاتفاق) ربما في وقت قريب، ليس أبعد من تشرين الثاني (نوفمبر)… ليس كل شيء في وضع ساكن”. وسوف يعمل تطبيق الاتفاق، كما لاحظ روحاني، على تحسين ما وصفه بأنه “مناخ للثقة” -أما إذا فشل، فإننا ربما نشهد “فجوة دائمة (في الثقة)”.
تحدث روحاني بلهجة ساخرة في انتقاده لأعضاء مجلس الشيوخ الأميركيين وغيرهم من معارضي الصفقة النووية: “على الجانب الآخر من البركة، كما يمكن القول، يبدو هؤلاء المنتقدون كما لو أنهم يعيشون في كوكب آخر”، كانت تعليقاتهم “كوميدية جداً، وغريبة جداً”. وبعضهم، كما يعتقد، لا يستطيعون حتى تحديد موقع إيران على الخريطة. ولدى سؤاله عن كيف يفسر الأميركيون هتافات “الموت لأميركا” التي تسمع في الصلوات الأسبوعية، وحظر الاحتجاجات والمسيرات في إيران، قال روحاني إن مثل هذه الشعارات هي أقرب إلى أن تكون تعبيراً عن “عمق المعارضة لسياسات الولايات المتحدة في المنطقة. نعم، إن أولئك الذين ينطوون على سوء نية تجاه الولايات المتحدة موجودون… كانت هناك أحداث مريرة في الماضي… لكن معنى هذه الهتافات لا يعني العداء تجاه شعب الولايات المتحدة… إن الناس في إيران غاضبون من السياسات الأميركية في الشرق الأوسط”. وأصر على أنه “يجب علينا تغيير المناخ” وإنهاء التوترات والعداوات، “من المؤكد أننا لا نستطيع العيش في الماضي إلى الأبد”.
وعندما سُئل عن مدى الحرية التي يتمتع بها في الحكم في بلده -أليست هناك قوى مستعدة لتقويض حركته الإصلاحية، خاصة عشية الانتخابات البرلمانية في بلاده؟- تحدث روحاني، بشكل مقتضب في البداية، عن التوتر القائم بين السلطتين التنفيذية والقضائية في إيران، والذي -كما قال- أعاق إطلاق سراح الصحفييين وغيرهم من المحتجزين في السجون الإيرانية. وعندما سئل بالتحديد عن فرص إطلاق سراح مراسل صحيفة “الواشنطن بوست”، جيسون رضائيان، المحتجز منذ أكثر من عام في سجن إيراني بتهم من ضمنها التجسس، قال روحاني إنه فضل خيار تحرير كافة المسجونين الأميركيين في إيران، وكل الإيرانيين المحتجزين في السجون الأميركية، لكن الأمر كان إلى حد كبير في يد السلطة القضائية في بلده. ومع ذلك، حث روحاني على بذل جهود “أسرع” لتحرير المواطنين المتحجزين في كل من إيران والولايات المتحدة. وفي إشارة إلى دور الحكومة كحارس للدستور، أضاف روحاني، “من المهم بالنسبة لي العثور على طريقة، إذا كان ثمة طريقة، لتحريرهم بشكل أسرع. إنني أود إطلاق سراح أكبر عدد ممكن من الناس”.
وعن سورية: “يجب أن تواجه سورية الظروف الجديدة. لا تستطيع الحكومة في دمشق الاستمرار في الحكم بالطريقة التي كانت تحكم بها، ويجب عليها تهيئة الظروف والمساحة للمعارضة”. لكنه تحول بسرعة إلى تحديد الإرهابيين، “الدولة الإسلامية” والمتشددين، باعتبارهم الأطراف التي تدمر المنازل في سورية وتخلق أزمة اللاجئين.
وقال روحاني: “يمكن تخيل الاستقرار مع الديمقراطية، لكن الديمقراطية لا يمكن تخيلها من دون الاستقرار… إنك لا تستطيع أن تضع صناديق الاقتراع في ساحة المعركة”.
وقال روحاني إن الولايات المتحدة كانت مخطئة في محاولتها الإبقاء على إيران خارج المفاوضات الهادفة إلى مواجهة تهديد “داعش”. إن إيران تستطيع أن تلعب دوراً بناءً في ذلك، كما قال روحاني، وقد آن الأوان لكي تفهم واشنطن “أننا بلد قوي وفعال في المنطقة، وهو أمر لا يمكن إنكاره”، وأن على الولايات المتحدة أن تسعى إلى إشراك إيران في أي حل للأزمة.
وفيما يتعلق بما إذا كان سيصافح أوباما إذا ما تقاطعت طرقهما والتقيا في الأمم المتحدة، قال روحاني إنه يجب أن يكون هناك “تركيز أقل على مسألة المصافحة، وتركيز أكبر على إيجاد الحلول وعلى السياسات… في بعض الأحيان يكتب لي الرئيس أوباما الرسائل، وفي بعض الأحيان أكتب له الرسائل أيضاً”. وبدا وكأنه يقول إنهما يستطيعان الآن مناقشة الأمور بهذه الطريقة. ولكنه أضاف أنه ينبغي أن يكون هناك “تركيز أساسي على مستقبل العلاقة”.
وحول روسيا والأهداف المشتركة: “إننا نتقاسم أهدافاً مع روسيا، ولدينا بالتأكيد نفس الرأي فيما يتعلق بمحاربة وإخراج الجماعات الإرهابية من سورية… وكذلك حول ضرورة بقاء السلطة المركزية في دمشق؛ إذا تم إضعافها فإن ذلك سيمكِّن الإرهابيين فحسب… إننا نعلم أن روسيا وسورية كانت لهما علاقات طويلة ووثيقة. لكن بوتين أخبرني في اجتماعنا الأخير أن روسيا تريد أن تكون أكثر نشاطاً في محاربة “داعش” والمجموعات الإرهابية الأخرى في المنطقة –وهو هدف نتقاسمه معاً”. ومع ذلك، بدا أن روحاني يستبعد فكرة منح دعم الجيش الإيراني لائتلاف روسي: “إنني لا أرى ائتلافاً بين إيران وروسيا لمحاربة الإرهاب في سورية”.
لم يحاول روحاني إخفاء عداء إيران المتنامي تجاه العربية السعودية. “إن علاقتنا ليست جيدة”. وفي الحديث عن أكثر من 130 إيرانيا الذين قتلوا أثناء أدائهم شعائر الحج في مكة مؤخراً، اقترح روحاني أنه ربما تم نشر وحدات أمن سعودية تفتقر إلى الخبرة من أجل مراقبة الحج، لأن غيرهم من الأفراد كانوا مشاركين في الهجمات التي تقودها السعودية في اليمن ضد قوى الثوار، التي يعتقد الغرب وحلفاؤه أنها مدعومة من إيران. وتحدث روحاني بغضب عن “سخافة من طرف حكومة العربية السعودية”. وأضاف: “إذا رأينا ظروفاً مناسبة للحوار مع العربية السعودية، فإننا سوف نسعى إليها، لكننا لا نرى هذه الظروف متوفرة في الوقت الحالي… إنها سوف تفيد المنطقة بأكملها”.
وفي الشأن العراقي، أصر على أنه لولا مساعدة إيران، لكانت الأحوال في داخل العراق أسوأ بكثير. “كانت بغداد لتسقط في يد مجموعة الدولة الإسلامية. وكانت أربيل ستسقط”، لكن إيران، بناء على طلب العراق، “قدمت المساعدة بسرعة”.
مرة واحدة فقط عرض روحاني ومضة من الغضب –في الدفاع عن حكومة الأسد من تهم الوحشية في التعامل مع خصومها. وعندما سُئل عن قصف الأسد أبناء شعبه نفسه بقنابل البراميل، قال في الرد، “لا أعرف من أين تحصلون على معلوماتكم. ربما يكون قد استخدمها ضد الإرهابيين، وليس المدنيين.. كيف يمكن أن تقوم حكومة بقتل مواطنيها؟” ومستشهداً بقطع رؤوس النساء والأطفال والفظاعات الأخرى التي ترتكبها مجموعة “داعش”، تساءل روحاني: “مع مثل هذه المجموعة الوحشية، غير الإنسانية، والتي لا تنتمي إلى جنس البشر، كيف ينبغي أن نقاتلهم؟”.
فاندين هيوفيل
صحيفة الغد الأردنية