الموقف من طالبان لن يمنع الخليجيين من صراع النفوذ في أفغانستان

الموقف من طالبان لن يمنع الخليجيين من صراع النفوذ في أفغانستان

المزاج الخليجي الرافض للتشدد والمتشددين في الخليج وخارجه لن يمنع دولا مثل السعودية والإمارات من أن تسلك نهجا براغماتيا إزاء حركة طالبان يقود إلى بناء علاقة حذرة معها، ويمكن من ضمان دور مستقبلي للبلدين في منطقة استراتيجية مهمة، خاصة بعد أن بدأ صراع إقليمي لملء الفراغ الذي سيتركه الانسحاب الأميركي.

دبي – تتخوف السعودية والإمارات من أن تكون عودة حركة طالبان للحكم في أفغانستان خطوة مشجعة للمتشددين الإسلاميين في الخارج، لكن من المرجح أن تتعامل الدولتان مع الواقع الجديد في كابول من منظور براغماتي.

وقال دبلوماسيون ومحللون أجانب إنه رغم الصدام الأيديولوجي بين طالبان والحملة السعودية – الإماراتية على التشدد، فإن الرياض وأبوظبي ستقومان بمقاربة لمواقفهما مع الحقائق على الأرض إثر استعادة طالبان السريعة والمفاجئة للحكم في أفغانستان تزامنا مع انسحاب القوات التي تقودها الولايات المتحدة.

كانت القوتان الخليجيتان قطعتا العلاقات مع طالبان في سبتمبر 2001 بسبب “إيواء الإرهابيين” بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر بطائرات خطفها متشددون من تنظيم القاعدة على مركز التجارة العالمي في نيويورك ووزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في واشنطن. وأسفرت الهجمات عن مقتل الآلاف.

وكانت الرياض قد جمدت بالفعل علاقاتها مع طالبان في 1998 لرفضها تسليم زعيم القاعدة آنذاك أسامة بن لادن، الذي لمع نجمه في محاربة الاحتلال السوفييتي لأفغانستان في ثمانينات القرن الماضي وجردته السعودية من الجنسية بسبب هجمات في المملكة وأنشطة استهدفت العائلة المالكة.

وقال دبلوماسي أجنبي في الرياض طلب، مثل آخرين غيره، عدم نشر اسمه “يرتبط السعوديون بعلاقات تاريخية مع أفغانستان وسيتعين عليهم في نهاية الأمر قبول طالبان مرة أخرى (…) لا يملكون خيارا آخر”.

ومن غير المعروف ما إذا كانت المقاربة البراغماتية ستصل إلى حد إعادة العلاقات الدبلوماسية.

السعودية بوصفها مرجعا إسلاميا رئيسيا لا يمكن إلا أن تسعى للبحث عن نفوذ لها في أفغانستان الجديدة ومنافسة قوى إقليمية أخرى مثل إيران وتركيا الباحثتين عن ملء الفراغ الذي سيتركه الانسحاب الأميركي

كان رد فعل الرياض وأبوظبي إزاء استيلاء طالبان على السلطة مقصورا على إعلان احترام اختيار

الشعب الأفغاني ودعوة الحركة إلى توطيد الأمن وتعزيز الاستقرار بعد تمرد طويل على الحكم المدعوم من الولايات المتحدة.

وقال دبلوماسي مقيم في قطر “يتسم البلدان بالبراغماتية وقد أثبتا قدرتهما على التعامل مع مختلف الأنظمة في أنحاء العالم”.

حاولت السعودية والإمارات تسهيل محادثات سلام أفغانية بعد سقوط طالبان قبل 20 عاما، لكنهما لم تشاركا في المفاوضات الرئيسية التي استضافتها قطر وفشلت في التوصل إلى تسوية سياسية.

وقال دبلوماسيان في قطر التي يوجد بها مكتب لتمثيل طالبان إنه من المرجح أن تحذو دول الخليج حذو الحليف الأمني الكبير الولايات المتحدة. ولم توضح واشنطن ما إذا كانت ستعترف بحكم طالبان.

وفي مقابل الحذر السعودي والإماراتي، فإن قطر ستكون أقرب طرف خليجي للتطبيع مع أفغانستان تحت سيطرة طالبان بسبب الدور الذي لعبته في المفاوضات بين الحركة والولايات المتحدة، وفي ظل إقامة وفد من قياديي طالبان بالدوحة لسنوات واتخاذها منصة للانفتاح على الغرب.

ووافقت الإمارات والبحرين والكويت ضمن حركة دولية أشمل على استقبال لاجئين أفغان بشكل مؤقت.

وقالت وزارة الخارجية الإماراتية الجمعة إن

الإمارات وافقت على استضافة 5000 أفغاني يتم إجلاؤهم من أفغانستان وذلك لمدة عشرة أيام في طريقهم إلى دول ثالثة بناء على طلب الولايات المتحدة.

وأضافت أن الإمارات قامت أيضاً “بتسهيل عمليات الإجلاء لنحو 8500 من الأجانب من أفغانستان وذلك باستخدام طائراتها وعبر مطاراتها”.

وأعلنت الإدارة الأميركية الجمعة أنه سيتم إرسال من يتم إجلاؤهم من العاصمة الأفغانية كابول إلى الولايات المتحدة عبر رحلات ربط من عدة بلدان بينها تركيا، بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا، الإمارات العربية المتحدة، الدنمارك، البحرين، كازاخستان، الكويت، طاجيكستان وأوزبكستان.

يعتقد محللون أن السعودية لن تبقى بمنأى عما يجري في أفغانستان بالرغم من توجهاتها الجديدة التي تسعى لمكافحة التشدد وتصنف حركات إسلامية متشددة كحركات إرهابية مثل جماعة الإخوان المسلمين وحزب الله اللبناني، مشيرين إلى أن المملكة بوصفها مرجعا إسلاميا رئيسيا لا يمكن إلا أن تسعى للبحث عن نفوذ لها في أفغانستان ومنافسة قوى إقليمية أخرى مثل إيران وتركيا الباحثتين عن ملء الفراغ الذي سيتركه الانسحاب الأميركي.

وقال عمر كريم وهو زميل في المعهد الملكي للخدمات المتحدة لدراسات الدفاع والأمن، إن السعودية قد تحاول ممارسة نفوذ بسيط على طالبان نظرا لمكانتها كخادمة لأقدس موقعين في الإسلام.

وضمن مسار الإصلاحات عمل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على تخفيف القيود على الحياة اليومية في المملكة المحافظة بما في ذلك الحد من نفوذ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسماح للمرأة بقيادة السيارات، والسماح بأنشطة الترفيه العام.

وقال كريم “مع ذلك تمتلك السعودية ورقة ضغط دينية قوية على طالبان”، مشيرا إلى أن الرياض بإمكانها أيضا فتح قنوات مع الجماعة عبر باكستان.

ولأفغانستان حدود طويلة مع باكستان التي ظلت لزمن طويل ملاذا يحتمى به قادة طالبان وترتبط في الوقت نفسه بعلاقات ممتدة الجذور مع الرياض وأبوظبي.

وبإمكان السعوديين والإماراتيين أيضا استخدام النفوذ المالي كوسيلة للضغط مثلما فعلوا في الماضي لأنه من المحتمل أن تعاني طالبان من أزمة حادة في السيولة النقدية اللازمة لحكم البلاد نظرا إلى أن احتياطيات كابول من العملات الأجنبية موجودة في الولايات المتحدة بعيدا عن متناول يد طالبان.

قال ثلاثة دبلوماسيين أجانب في أبوظبي إن الإمارات أعربت سرا عن مخاوفها من أن تتحول أفغانستان مرة أخرى تحت حكم طالبان إلى ملاذ آمن للتطرف.

وكتب يوسف الشريف في صحيفة البيان الإماراتية “يمكن للجماعات الإرهابية أن تتمركز في أفغانستان إذا لم تستطع القوى الدولية التفاوض مع طالبان لبناء نظام حكومي بسرعة”.

وأضاف “على المجتمع الدولي احتواء الأمر بالشكل الصحيح، وأخذ العبرة من التجربة الأميركية”.

ومنذ سيطرتها على أفغانستان تسعى طالبان لتقديم نفسها في صورة أكثر ميلا للمصالحة والتسامح، قائلة إنها لن تسمح باستخدام البلاد لشن هجمات على دول أخرى وإنها ستحترم حقوق المرأة في إطار الشريعة الإسلامية.

واتسم رد الفعل العالمي بالريبة الشديدة والتشكيك.

وكتب المعلق السعودي فهيم الحامد في صحيفة عكاظ قائلا إن “وصول طالبان إلى كابول يعني أن التطرف في مقر السلطة”. وأضاف أن أي حرب أهلية جديدة في أفغانستان ستجر إليها لاعبين أجانب بما في ذلك إيران الشيعية التي تناصب طالبان السنية العداء.

وقال الحامد إن على طالبان فعل الكثير وعليها أيضا تغيير الفكر المتطرف المتجذر في أيديولوجيتها وأن تنتهج التسامح والاعتدال.

ومنذ احتجاجات “الربيع العربي”، ظهرت السعودية والإمارات في موقع المعارض الرئيسي لتيارات الإسلام السياسي التي ركبت تلك الاحتجاجات، وسعت للحكم في أكثر من بلد، وهو ما يجعلهما الأكثر حذرا في التعاطي مع حركة طالبان التي تتبنى أفكارا متشددة.

 

العرب