تقلص دور الولايات المتحدة الأمريكية، بعد السقوط السريع لمجمل أفغانستان وعاصمتها كابول، إلى خوض مفاوضات مع حركة طالبان لتمديد موعد الإجلاء الأخير، الذي يوافق نهاية الشهر الحالي، للآلاف من مواطني أمريكا والدول الغربية، ودفع ذلك الرئيس الأمريكي جو بايدن، حسب ما تقول صحيفة «واشنطن بوست»، إلى ابتعاث مدير المخابرات «سي آي إي»، وليام بيرنز، للاجتماع سرا مع نائب زعيم الحركة، ورئيس مكتبها السياسي، الملا عبد الغني برادار، في 23 من الشهر الجاري، وقد اضطر «البيت الأبيض»، بعد رفض «طالبان» طلبات أمريكا تمديد تاريخ الإجلاء الأخير شهرا آخر، إلى تأكيد الالتزام بموعد الإجلاء المعلن.
على خلفية واقع الانحلال المكثّف لسلطات النظام الأفغاني السابق وتبخّر جيشه، سارعت دول عديدة، بينها بريطانيا وهولندا وبلجيكا وبولندا، إلى إغلاق الباب شبه الموصد بإعلان إنهاء عمليات الإجلاء أمس، رغم إقرار بعضها، أن كثيرا من مواطنيها ما زالوا في أفغانستان.
تحوّل السقوط الكبير لأفغانستان في يد طالبان، إلى فضيحة، اكتملت أركانها مع ما تبع ذلك من حشود كبيرة تجمعت على أمل الهروب إلى الدول الراعية للتحالف، التي أقفلت باب الإجلاء تاركة خلفها أعدادا من مواطنيها، ونفضت يدها من أفغانستان والأفغانيين الذين ربطوا مصيرهم بمصير «التحالف الدولي» الواسع، من متعهدين ومتعاقدين ومترجمين، وكذلك كل من قاموا بمعارضة حركة طالبان، أو قاوموها عسكريا.
على وقع هذا المشهد الذي يمزج فجائعية المصائر المهملة والمتروكة لقدرها مع الفوضى العبثية للانسحاب المستعجل، طالبت دول غربية عديدة المحتشدين بترك موقع المطار و»انتظار مزيد من المعلومات»، وظهرت تحذيرات من مصادر غربية متعددة، وكذلك من ذبيح الله مجاهد، الناطق باسم حركة طالبان، بإمكانية وقوع هجمات إرهابية لتنظيم «الدولة الإسلامية».
مفهوم طبعا أن يستغل تنظيم «الدولة» الفوضى الكبرى الحاصلة، ولا شك أن وجود أعداد كبيرة من الراغبين في الخروج من أفغانستان يغري تنظيما كهذا بشن هجمات دموية، وعلى سبيل المزاودة مع حركات ذات شعبية أكبر، يستثمر قادة التنظيم المذكور في أعمال تفيض بالعنف المفتوح الذي يستهدف المدنيين، وهو أمر يشبه التخديم المجاني لخصومه السياسيين، ولتعميم صورة مرعبة عن الإسلام والمسلمين.
بسبب الطبيعة السرّية للتنظيم، وإمكانية استخدام استجاباته وردود فعله البدائية، بدأ خصومه، وأجهزة المخابرات، والسلطات على أنواعها، تشارك في تأليف «الأفلام» و»الحبكات» التي يشارك فيها، فعلا أو افتراضا، قد توافرت في قضايا الانسحاب والإجلاء وحشود المطار عناصر كافية لذلك التأليف.
من ذلك حديث وسائل الإعلام الغربية أن حركة طالبان قامت بإطلاق السجناء في المناطق التي تسيطر عليها، وأن مئات من عناصر «الدولة الإسلامية في خراسان» (اسم التنظيم في أفغانستان)، تم إطلاقهم من سجني باغرام وبول شارخي، شرقي كابول، وهو أمر ينافي المنطق، فتنظيم «خراسان» عدو لدود لحركة طالبان، فهل يعقل أن تطلق سراح أعدائها ليبدأوا بتنظيم هجمات ضدها؟
أيّا كان السبب والمسبب، فإن حصول تفجير قرب المطار وآخر قرب فندق قد يعطي التنظيم المتشدد دفعة دموية على الحساب، ولكنه سيساهم أيضا في إضفاء اللمسات الأخيرة على واقعة تاريخية محرجة لدول التحالف، وقد يريح حركة «طالبان»، أيضا، من مشهد الحشود الكبيرة التي تريد الهروب من حكمها!
القدس العربي