على الرغم من الإعلانات المتواصلة لقوات الأمن العراقية، عن تنفيذ عمليات ناجحة ضد خلايا وجيوب تنظيم “داعش”، في مناطق شمالي وغربي ووسط البلاد، واستمرار تنفيذ الحملات العسكرية شبه الأسبوعية بغطاء ودعم من طيران التحالف الدولي، إلا أن كلّ ذلك لم يحدّ لغاية الآن من حصول اعتداءات إرهابية شبه يومية في تلك المناطق، يذهب ضحيتها مدنيون وقوات أمن. وينفذ مسلحو التنظيم، عادة، اعتداءاتهم، ليلاً أو فجراً، بواسطة كمائن مسلّحة أو هجمات تستهدف ثكنات عسكرية وقرى ومضارب قبائل صنّفها “داعش” أخيراً أهدافاً له، بسبب وقوفها مع قوات الأمن العراقية، خلال معارك طرده من المدن التي سيطر عليها بين عامي 2014 و2017. وإلى جانب الهجمات على أبراج الطاقة وتفجير محولات الكهرباء، باتت محافظات عراقية، مثل كركوك وصلاح الدين ونينوى، تشهد هجمات انتقامية مستمرة تنتهي إلى جانب قتل مواطنين، بقتل قطعان مواشٍ وحرق آليات زراعية وحقول، فيما تستهدف هجمات أخرى ثكنات الجيش والأمن.
لا يزال عناصر التنظيم يعتمدون على ما اصطلح على تسميتها بـ”الذئاب المنفردة”
وهزّت الشارع العراقي أخيراً، معلومات عن قتل جندي عراقي بقطع رأسه غربي البلاد (يوم الأربعاء الماضي)، قرب الحدود مع سورية، وذلك قبل ساعات من هجمات وقعت في كركوك وصلاح الدين راح ضحيتها مواطنون وأفراد أمن، بينما سُجّل اختطاف آخرين في كمين لـ”داعش” قرب مخمور جنوبي الموصل. وسرت تسريبات عن مطالبة “داعش” بفدية عن عدد من المخطوفين، تبلغ 100 ألف دولار عن الشخص الواحد، ما يؤشر إلى عودة فاعلة وقوية للخلايا الإرهابية. وإزاء ذلك، لا تجد السلطات العراقية غير تأكيد مواصلة العمليات الأمنية والعسكرية، مع العلم أن تلك العمليات حقّقت نجاحاً، وأدّت إلى مقتل إرهابيين واعتقال آخرين خلال الأسابيع الماضية.
ووفقاً لمراقبين، لا يزال عناصر التنظيم يعتمدون على ما اصطلح على تسميتها بـ”الذئاب المنفردة”، في تنفيذ هجماتهم، من خلال الاعتماد على المتاح لديهم من الأسلحة والمعدات. إذ ينفرد كلّ خمسة عناصر من التنظيم في تنفيذ هجوم، إما على نقطة تفتيش تابعة لأحد أفرع القوات العراقية، أو منازل لمزارعين للسطو عليها واغتنام أموالهم، أو أبراج لنقل الطاقة كما حصل خلال الشهرين الماضيين. وتراجعت نسبياً الهجمات على أبراج نقل الطاقة، بعد حملة أمنية أمر بها رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي.
قوات الأمن العراقية/كركوك-مروان ابراهيم/فرانس برس
أخبار
تصاعد الهجمات في كركوك مع اقتراب موعد الانتخابات العراقية
وهاجم مسلحون من “داعش”، يوم الخميس الماضي، نقطة تفتيش للشرطة الاتحادية في قضاء داقوق جنوبي محافظة كركوك، شمالي العراق، ما أدى إلى إلحاق الضرر في إحدى الكاميرات الحرارية، من دون تسجيل وقوع إصابات. قبلها، شنّ عناصر “داعش” هجوماً في قضاء الدبس بكركوك أيضاً، وقتلوا ابن مختار قرية شحل. وسبق ذلك هجوم إرهابي على منطقة الطبعات في محافظات الأنبار، أسفر عن مقتل ثلاثة جنود عراقيين.
في السياق، قال المتحدث باسم قيادة العمليات العراقية المشتركة، اللواء تحسين الخفاجي، في اتصال مع “العربي الجديد”، إن “داعش لم ينتهِ، حتى بعد تحرير القوات العراقية جميع مناطق البلاد التي كانت سقطت في يد التنظيم، وهو ما تتفق عليه جميع القيادات العسكرية العليا في البلاد”، لافتاً إلى أن “أسباب الهجمات التي تحدث في بعض المناطق مختلفة، منها أن عناصر التنظيم معظمهم مطلوبون للقضاء، بالتالي فهم يعرفون مصيرهم الحتمي، لذلك فهم لا يتراجعون عن أفعالهم”. وأكد أن “معظم الخلايا الإرهابية انتهت، وما بقي يحتاج إلى مواصلة العمليات الأمنية والعسكرية النوعية الاستباقية، لمنع بقاء داعش في العراق، والضغط المستمر على الحواضن الراعية والمتعاطفة مع الإرهابيين”. وأوضح الخفاجي أن “غالبية الخلايا الإرهابية تتواجد في بعض مناطق محافظة ديالى، وفي جنوب غربي مدينة كركوك، وفي شمالي صلاح الدين، وجنوب غربي الموصل، بالإضافة إلى بعض المناطق الوعرة والصحراوية والنائية، ومعظم أفرادها يتخفون بصيغة مزارعين ورعاة أغنام”، معتبراً أن “التنظيم يمرّ حالياً بأسوأ مراحله، بعدما بات بلا إمكانيات، ومن تبقّوا من عناصره هم أعداد قليلة، تسعى القوات العراقية إلى إنهاء وجودهم”.
من جهته، أشار عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، بدر الزيادي، إلى أن “جميع الأبحاث الأمنية الميدانية الأخيرة تؤكد استمرار نشاطات بسيطة لداعش في العراق وسورية، وفي بعض دول المنطقة”. وفي العراق، اعتبر الزيادي في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه “على الرغم من العمليات الإرهابية التي ينفذها عناصر داعش، لا تزال القوات الأمنية هي المسيطرة على أمن المحافظات”. وأكد أن “اللجنة الأمنية في البرلمان، تدعو وتطالب الحكومة دائماً بتعزيز القدرات الاستخبارية في المناطق المحررة وغيرها من المناطق التي تشهد تواجداً لعناصر الإرهاب، لأن هذه الجهود هي التي تقلل من النشاط الإرهابي، لا سيما أن عناصر التنظيم ينغمسون غالباً في البساتين بصفة مزارعين أو رعاة أغنام، لذلك لا بد من تمكين أهالي المناطق المحررة استخبارياً من أجل الحصول على معلومات عن الإرهابيين المحليين”.
يستغل عناصر التنظيم بعض الثغرات الأمنية لتنفيذ عملياتهم، عبر أسلوب اضرب واهرب، أو عبر القنّاصين
أما القيادي في “الحشد الشعبي” (محور الشمال)، علي الحسيني، فأشار إلى أن “الهجمات التي ينفذها عناصر داعش في مناطقنا (المدن المحرّرة)، تكون عادة في قرى بعيدة عن مراكز المدن، ويستغل عناصر التنظيم بعض الثغرات الأمنية لتنفيذ عملياتهم، التي عادة ما تكون عبر أسلوب اضرب واهرب، أو عبر القنّاصين، أو من خلال زراعة الألغام والعبوات الناسفة”. وأكد الحسيني، لـ”العربي الجديد”، أن “التنظيم يعتمد حالياً على عناصر جوالة، وهي مجموعات متنقلة بين القرى والبساتين لتنفيذ عمليات إرهابية”، مشدداً على أن “القوات العراقية تعمل حالياً على وأد معظم الخطط الإرهابية، من خلال حرب العصابات التي تمارسها، إضافة إلى الطيران الحربي العراقي الذي يواصل معالجة بعض الأهداف في المناطق الوعرة”. وأوضح أن “قوات الأمن تتعامل حالياً مع داعش، عبر الكمائن، لإنهاء خطره في المناطق الشمالية والغربية”، مشدداً على أن الخطط العسكرية والأمنية الجديدة “نجحت بشكلٍ كبير، وقد اتضح ذلك من خلال التراجع الكبير في عمليات استهداف أبراج الطاقة”.
وتعليقاً على ذلك، لفت الخبير العراقي أحمد الشريفي، إلى أن “العراق يواصل ملاحقة عناصر التنظيم الإرهابي، والقوات العراقية تحقق نتائج ممتازة في ردع العناصر المسلحة التي لا تزال تعمل على التخريب الاقتصادي وعمليات الاستنزاف لمقدرات البلاد، وهي بحاجة إلى دعم مستمر من قبل الحكومة، إضافة إلى دعم دولي لإنهاء الخطر الذي يُهدد عموم دول المنطقة”. وأوضح الشريفي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “داعش لا يزال يعتمد على أسلوب المبادرات المنفردة، للإيقاع بالقوات العراقية عبر الهجمات المباغتة والاستباقية على نقاط التفتيش في بعض المناطق النائية، إضافة إلى ضرب أبراج الطاقة وتخريب المحاصيل الزراعية، من دون المواجهة الحقيقية مع قوات الأمن العراقي، لأن من تبقّوا من عناصره يعملون بأسلوب الذئاب المنفردة، وقد تحوّلت مهامهم إلى ضرب الأمن ومصالح الناس، بعدما فقد التنظيم إمكانية الاستيلاء على المدن”.
زيد سالم
العربي الجديد