محاربة داعش – خراسان أولوية حركة طالبان شرق أفغانستان

محاربة داعش – خراسان أولوية حركة طالبان شرق أفغانستان

حركة طالبان تدرك تماما أن محاربة داعش – خراسان نافذتها الوحيدة التي قد تمكنها من ربط علاقات مع المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة، لذلك لا يتوانى قادتها في إعلان عدائهم للتنظيم والتوعد بملاحقة عناصره.

جلال آباد (أفغانستان) – يعدُ الملا ندا محمد الذي أصبح حاكم ولاية ننغرهار الاستراتيجية والذي كان قاتل على مدى سنوات القوات الحكومية الأفغانية وتنظيم الدولة الإسلامية، بأن يصبح التنظيم بعد وقت قصير مجرد ذكرى في أفغانستان.

وقبل أسبوعين فقط كان زعيما لتمرد حركة طالبان في ننغرهار الولاية الاستراتيجية وغير المستقرة في شرق أفغانستان، حيث تواجد المسلحون على الدوام.

الملا محمد بات اليوم حاكم الولاية، ويحيط به حوالي مئة من الحراس والمساعدين المقربين المتحدرين مثله من قندهار (جنوب) وكان مشغولا في الأيام الماضية في قصره الفخم في وسط جلال آباد، أبرز مدن المنطقة.

جلس إلى مكتبه مرتديا القميص الأبيض التقليدي واضعا عمامة وسترة سوداء بدون أكمام وقد أرخى لحيته، محاطا بعلمين كبيرين باللون الأبيض لإمارة أفغانستان الإسلامية. وقد عاد إلى السلطة بعد 20 عاما من حرب الاستنزاف ضد كابول وحلفائها الغربيين.

وروى لوكالة فرانس برس الانتصار الحاسم في أغسطس المنقضي في إقليم شيرزاد بعد “معارك طاحنة” حملت قواته إلى أبواب جلال آباد، إحدى آخر المدن الكبرى التي كانت متبقية آنذاك أمامهم من أجل السيطرة على بلد انهارت حكومته وجيشه سريعا.

في الأيام التي تلت ذلك، روى إثنان من كوادر طالبان أن الحاكم الإقليمي آنذاك مرر إليهما رسائل. يتذكر أحدهما “قال لنا لن أقاتل من أجل الرئيس (أشرف غني) ولا أريد أن تدمر المدينة”. وأضاف “وافقنا على الصفقة، لم نكن نريد أيضا قتالا في المدينة”.

وعلى مدى يومين، أوقف الملا محمد قواته حول المدينة وأجرى مشاورات ونظم إدارته المستقبلية. وقال “عينت قائدا للشرطة ورئيسا للاستخبارات ومديرا للجمارك”.

وفي الخامس عشر من أغسطس دخلت طالبان إلى جلال آباد حيث استسلمت السلطات بدون مواجهات. بعد ساعات، سقطت كابول بالطريقة نفسها وفر الرئيس غني من البلاد.

واعترى الخوف العديد من سكان جلال آباد خوفا من ذكرى النظام الوحشي والقاسي لطالبان في تسعينات القرن الماضي، وهجماتهما الدموية التي لا تحصى بعد ذلك. وقال الملا محمد “قلنا لهم إنه لن يكون هناك مشاكل في المستقبل” مؤكدا أن طالبان ستحكم “لكل الأفغان”.

لكن رغم هذه التطمينات “يخشى الكثير من الناس في المدينة على حريتهم في التعبير وأن تلاحق طالبان الذين لا يفكرون مثلهم. النساء خصوصا يتخوفن من خسارة الكثير”، كما قال أحد السكان وهو مسؤول في منظمة غير حكومية.

من جانبه يؤكد الملا محمد بكل هدوء أن السكان يدعمون إلى حد كبير طالبان والأولويتين اللتين أعلنت عنهما الحركة: النهوض بالاقتصاد وضمان الأمن.

وباستثناء الجرائم العادية، فإن الهدف الأول لزعيم الحرب السابق الذي أصبح حاكما، لا يزال تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان الذي نفذ العديد من الهجمات الدامية في السنوات الماضية بينها التفجير الانتحاري المزدوج الذي أدى إلى مقتل حوالي مئة أفغاني و13 عسكريا أميركيا وبريطانيين اثنين قرب مطار كابول في السادس والعشرين من أغسطس.

وأثار ظهور تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان خصوصا في ننغرهار قلق الولايات المتحدة التي انسحبت الآن من أفغانستان لكنها تريد تجنّب، بعد عشرين عاما من اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي نفذتها القاعدة، أن تترسخ في الولاية مجددا شبكة جهادية عالمية.

وهذا التهديد دفع واشنطن إلى التقرب من أعدائها السابقين في حركة طالبان في محاولة للقضاء على التنظيم.

وأعلن حكام أفغانستان الجدد أنهم لن يتسامحوا مع مواصلة تنظيم الدولة الاسلامية هجماته. ويقول الملا محمد مطمئنا “لن يكون لهم ملاذ معنا، نحن نلاحق مقاتليهم المختبئين”. وأضاف “لقد حاربناهم ولم يعودوا كثيرين، ومنذ وصولنا إلى السلطة (في جلال آباد)، أوقفنا 70 إلى 80 من مقاتليهم”.

لكن هل ستكون الأمور بهذه البساطة؟ ويشير بعض الخبراء في المنطقة إلى إمكانية تقارب البعض من عناصر طالبان مع تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان، لاسيما شبكة حقاني التي تعتبرها واشنطن إرهابية وقريبة تاريخيا من القاعدة. وزعيمها سراج الدين حقاني هو أحد قادة طالبان الرئيسيين.

ويقول الملا محمد “ليس هناك صلة، هذا أمر خاطئ تماما”. وأضاف “معاليه سراج الدين حقاني هو أحد قادتنا، ونحن ملتزمون بحزم ضد تنظيم الدولة الإسلامية”.

ويرى مراقبون أن طالبان تحاول من خلال إعلان عدائها لتنظيم داعش استمالة مواقف المجتمع الدولي التي ما زال يكتنفها شيء من الغموض حيال الحركة.

ولا يستبعد هؤلاء المراقبين أن يراهن العالم وفي مقدمته الولايات المتحدة على حركة طالبان في التصدي للتنظيم المتطرف حيث لم يترك الانسحاب العسكري الأميركي من البلاد أمام إدارة الرئيس جو بايدن أي فرصة للانتقام من داعش بشكل مباشر كما قال بايدن في تصريحات سابقة عقب استهداف التنظيم للمطار، وأن الخيار الأرجح هو رهان واشنطن على حركة طالبان لتتولى مهمة محاربة التنظيم ميدانيا مقابل حصولها على دعم استخباري أميركي قوي لإنجاح هذه المهمة.

العرب