الرباط – مثلت الهزيمة المريرة، التي تلقاها حزب العدالة والتنمية الإسلامي في المغرب، ضربة استثنائية لمشروع الإسلام السياسي في المنطقة والعالم، ولا يقل وزنها عن رحيل الإخوان المسلمين عن حكم مصر بعد أن أطاحت بهم ثورة 30 يونيو 2013.
وبقطع النظر عن الأسباب المحلية التي قادت إلى هزيمة الإسلاميين في المغرب، فإن حجم هذه الهزيمة -التي جعلت الحزب الحاكم لدورتين يتذيل قائمة الأحزاب ويحصل على عُشر ما حصل عليه في انتخابات 2016- يُظهر أن موجة الإسلام السياسي التي حكمت في فترة ما بعد “الربيع العربي” فشلت ولا تمتلك أكثر من الشعارات والعزف على الوتر الديني.
وقال محللون وخبراء في الإسلام السياسي إن هزيمة حزب العدالة والتنمية لا تعود إلى تعديل القاسم الانتخابي، ولا إلى الحملات التي استهدفت الحزب الحاكم من خصومه، ولا إلى ضعف أدائه السياسي، وإنما هي هزيمة للمشروع الإسلامي الذي حمل شعارات كبرى مثل “الإسلام هو الحل”، لكن عند تنزيلها على الأرض ضاعت إسلاميتها وفقدت بعدها الأخلاقي وحلت محلها البراغماتية والانتهازية وسيطرت عليها فكرة التمكين التي تجيز للحزب الإسلامي أن يفعل كل شيء للسيطرة على الدولة ومؤسساتها، وبان بالكاشف أن توظيف الدين لخدمة الأجندات السياسية لن يفضي سوى إلى هذه النهاية.
أمين صوصي علوي: هزيمة العدالة والتنمية تقصم ظهر الإخوان في العالم الإسلامي
وأشار هؤلاء إلى أن الناخب، الذي تحمس لحكم الإسلاميين في أكثر من بلد عربي على أمل أن يكونوا مخلصين ويراعوا الله في أعمالهم، وقف على حقيقة مغايرة تماما؛ وهي أن هؤلاء لا يمتلكون أفكارا ولا بدائل وأن آخر همهم خدمة الناس وتحسين أوضاعهم، وإذا فعلوا شيئا من ذلك فمحركهم هو الاستقطاب وشراء الذمم، ولذلك عاقبهم الناخب المغربي وأنزلهم من الحزب الأول بـ125 مقعدا في 2012 إلى 12 مقعدا في 2021.
ولخصت أمينة ماء العينين، القيادية في حزب العدالة والتنمية المغربي في تغريدة لها على فيسبوك، هذا التراجع المدوي بقولها إن “الناس شعروا بتخلي الحزب عن المعارك الحقيقية وتخليه عن السياسة مع قيادة منسحبة وصامتة ومترددة في أغلب القضايا الجوهرية، فتخلوا عنه”.
وعلق سامي براهم، الباحث الإسلامي التونسي، في تغريدة له على نتائج إسلاميي المغرب والاستنتاجات التي تتحدث عن نهاية الإسلام السياسي بقوله إن نهاية هذه الحركات تعني فشلها على “مستوى إنتاج البرامج والرّؤى والتصوّرات، وهو فشل يشمل كلّ المكوّنات السياسيّة الأخرى، لكن فشلها مضاعف؛ أوّلا لأنّها تقلّدت مهامّ متقدّمة في منظومة الحكم، وثانيا لأنّها زادت على الفشل السياسيّ سقوطا أخلاقيّا بملاعبة لوبيات الفساد ومجاراتها”.
وتكمن أهمية نتائج الانتخابات المغربية في أنها أنهت آخر قلاع حكم الإسلاميين من جهة، وأظهرت من جهة أخرى فشل ما بات يعرف بأحزاب الإسلام الديمقراطي التي تسعى لإقناع الغرب بأنها لم تعد أحزابا دينية مثل حزب العدالة والتنمية المغربي وحركة النهضة في تونس.
ولا يختلف الوضع بالنسبة إلى حركة النهضة عن الحزب الإسلامي المغربي، فقد بدأت تفقد شعبيتها بالتدريج منذ انتخابات 2014 إلى الانتخابات الأخيرة التي تراجعت فيها بشكل لافت وفقدت قرابة مليون ناخب.
لكن الأهم -وفق المراقبين- هو تمسكها بأن تكون في الواجهة وتتحكم في الحكومات المتتالية، وهو ما جعلها هدفا مباشرا للغضب الشعبي، مثل ما تعكسه استطلاعات الرأي التي تجعل زعيم الحركة راشد الغنوشي الشخصية الأسوأ في نظر أغلبية المستجوبين.
وبلغ الغضب الشعبي على فشل سياسات حركة النهضة والحكومات التي أدارتها منتهاه في الانتفاضة الشعبية التي مهدت لإجراءات الخامس والعشرين من يوليو التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد وانتهت إلى تجميد البرلمان والنواب وحل الحكومة.
وإذا كان الحزبان الإسلاميان في تونس والمغرب اللذان يمتلكان قيادات براغماتية مثل الغنوشي وعبدالإله بنكيران قد خسرا اللعبة وتراجع نفوذهما، فكيف لحركات إسلامية أخرى تتسم بالنزعة التقليدية والمحافظة على الأفكار المتزمتة لمؤسسي جماعة الإخوان المسلمين أن تستمر وتحافظ على نشاطها؟
ففي الجزائر تعيش مجموعات الإسلاميين حالة من الفوضى والانشقاقات قادت إلى تهميش وزنها قياسا بالأحزاب الليبرالية الموالية للسلطة. وفي ظل غياب الأفكار تحول الصراع على زعامة الأحزاب والحركات الإسلامية إلى معركة دائمة بين القيادات داخل الحزب الواحد أو بين الأحزاب القريبة من بعضها البعض، وأغلبها خرجت من رحم حركة حمس الإخوانية. ولجأ البعض من هذه الجماعات إلى التحالف مع السلطات.
عبدالحميد الجلاصي: نتائج الانتخابات دليل على الفشل في الإنجاز وليس رفض المرجعية
ولَئن نجح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في إخراج جماعة الإخوان المسلمين من المشهد السياسي، فإن إسلاميي ليبيا تتحكم فيهم التبعية المرجعية إلى الخارج، وهو ما جعلهم بشكل كامل في خدمة تركيا. ولا ينظر إلى إخوان ليبيا على أنهم تيار وازن ومؤثر محليا وإقليميا، ولا يتجاوز دوره مهمة توفير التمويل ومساعدة بقية حركات الإخوان في المنطقة.
وفي الشرق والخليج بات تأثير الإخوان المسلمين محدودا خاصة بعد تصنيفهم جماعة إرهابية في السعودية والإمارات وتراجع دورهم المجتمعي بعد وقوف الشعوب على طبيعتهم كتيار وصولي وانتهازي، مثلما هو الشأن بالنسبة إلى إخوان اليمن الذين يضعون ساقا مع السعودية وأخرى مع الحوثيين.
ويعتقد المحللون أن هزيمة المغرب ستكون بالنسبة إلى الإخوان المسلمين حدا فاصلا بين مرحلتين؛ مرحلة الشعارات والحكم، ومرحلة ثانية يتحولون فيها إلى مجموعات هامشية.
وأكد أمين صوصي علوي، الباحث المغربي في القضايا الجيوسياسية، أن هزيمة العدالة والتنمية زلزال سيقصم ظهر جماعة الإخوان المسلمين في العالم الإسلامي لأن هذه الجماعة كانت دائما تختبئ وراء المظلومية وتعتبر أن فشلها مرتهن بالتضييق السياسي الذي تعاني منه.
وأضاف الباحث المغربي صوصي علوي في تصريح لـ”العرب” أن “التجربة المغربية الذكية التي مكنت تيار الإسلام السياسي من قيادة ولايتين حكوميتين بعد أجواء الثورات التي عصفت بالعالم العربي عام 2011 فتحت المجال للناخب المغربي ليكتشف زيف الشعارات الشعبوية التي استغلها حزب العدالة والتنمية في وقت ما للتسلل إلى مفاصل الدولة تحقيقا لمشروع التمكين”.
بدوره قال هشام عميري، الباحث المغربي في العلوم السياسية، في تصريح لـ”العرب” إن “جميع تجارب الإسلاميين في الحكم قد فشلت داخل المنطقة العربية، وإن محاسبة الإسلام السياسي في المنطقة اختلفت طبيعتها بحسب طبيعة كل مجتمع؛ فالشعب المغربي مارس حقه عن طريق صناديق الاقتراع، في حين كانت التجارب الأخرى مختلفة تماماً عن التجربة المغربية”.
لكن القيادي السابق في حركة النهضة التونسية عبدالحميد الجلاصي قلل من الحديث عن نهاية المرجعية الإسلامية، معتبرا أن ذلك مسألة ثانوية.
وقال الجلاصي في تصريح لـ”العرب” إن “نتائج الانتخابات كما الاحتجاجات الشعبية هي دلالة على الفشل في الإنجاز وليست بالضرورة دلالة على رفض المرجعية”.
وأضاف أن “الطروحات الكبرى (الإسلام السياسي أو التيار المحافظ، واليسار، والليبرالية) تيارات عميقة مرتبطة بقيم كبرى قد تتعثر بعض التنظيمات التي تعبر عنها أما هي فلديها القوة والمرونة لتلد روافع أخرى تحملها بعد تهرّؤ الحوامل القديمة”.
العرب