لندن – يعتقد خبراء أن تداعيات هجوم 11 سبتمبر تتجاوز التغييرات السياسية العاصفة التي شهدها العالم منذ تلك اللحظة وأن لتلك الأحداث انعكاسات على تركيبة المجتمعات التي أصبحت أكثر انعزالية بسبب تفاقم العنصرية.
ويقول الصحافي الأميركي جيمس دورسي إنه في بداية القرن الحادي والعشرين، غرس أسامة بن لادن نفسه، عن قصد أو عن غير قصد، في هجمات الحادي عشر من سبتمبر باعتباره أحد أهم شخصياتها.
ويرى دورسي أن الهجمات أدت في البداية إلى تقويض السياسات متعددة الثقافات في المجتمعات الأوروبية المتجانسة نسبيا من الناحية العرقية والدينية، والتي ساندت الهجرة من القارات والأعراق والخلفيات الدينية الأخرى. وقد أعاد إرث الهجمات سياسات الهوية إلى الواجهة ليس فقط في الغرب ولكن في أفريقيا وآسيا أيضا.
ويضيف “بذلك، أعادت الهجمات تشكيل السياسات والمواقف العالمية تجاه أعداد كبيرة من الأشخاص الفارين من الانهيار السياسي والاقتصادي باعتبارهم ‘الآخر’ بدلا من اعتبارهم ضحايا لسياسات غربية خاطئة أدت إلى نتائج عكسية في البلدان التي يحكمها سياسيون وهياكل اقتصادية فاسدة ويسيؤون إدارتها”.
إرث الهجمات أعاد سياسات الهوية إلى الواجهة ليس فقط في الغرب ولكن في أفريقيا وآسيا أيضا
وقال الباحث وكاتب العمود في وول ستريت جورنال والتر راسل ميد إن “حروب الهوية والصراعات القائمة على الاختلاف في العرق أو الثقافة أو اللغة أو الدين تصبح، بمجرد اشتعالها، هي الأقوى في العلاقات بين البشر.. وإلى جانب عودة المنافسة بين القوى العظمى، فإن اندلاع سياسات الهوية هو السمة السياسية الوحيدة الأكثر أهمية في عصرنا. وهذا المزيج المشؤوم لا يبشر بخير”.
وأشار ميد إلى مجموعة من الصراعات التي تحركها الهوية والتي أدت إلى تمزيق سوريا واليمن والعراق ولبنان. وولدت حركات انفصالية عربية إيرانية وكردية وأذرية وبلوشية، وشجعت القومية الروسية في أوكرانيا والقوقاز، ومكّنت الإبادة الجماعية الثقافية في شمال غرب الصين وعززت المشاعر الشعبوية واليمينية المتطرفة في أوروبا والولايات المتحدة.
وبعد عقدين من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تبدو الولايات المتحدة، التي استنزفتها الحروب الأبدية، أقل استعدادا للدفاع بحزم عن قيمها، بينما لا تهتم القوى الصاعدة مثل الصين بما يحدث للدول متعددة الأعراق والأديان.
وقالت سابينا كوديتش، البرلمانية البوسنية التي تشعر بالقلق من تهديد اتحاد البوسنة والهرسك الذي ينقسم إلى طوائف بوسنية وصربية وكرواتية منفصلة “مع كل النقد والتحليل المستحقين للسياسة الخارجية الأميركية على مدى العقود الماضية، سنأسف لتراجع الطموح الأميركي”.
وكانت تداعيات تغير المواقف واضحة في فشل الغرب الأخير في توقع تحرك طالبان نحو مطار كابول في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وسيطرة الحركة المتطرفة على البلاد. وقد أدى تردد الغرب في البداية في الرد على محنة أولئك المتعاونين مع القوى والمؤسسات الغربية في العقدين الماضيين إلى تفاقم هذه الإخفاقات.
ويبدو الأمر كما لو أن بن لادن توقع تعثر الرئيس الأميركي جو بايدن عندما أمر القاعدة سنة 2010 باستهداف الرئيس باراك أوباما في زيارة لأفغانستان، ولكن ليس نائبه بايدن.
كما توقع بن لادن أن “سبب التركيز عليهم هو أن أوباما هو رأس الخيانة وأن قتله سيجعل بايدن يتولى الرئاسة لما تبقى من المدة تلقائيا، كما هو معتاد هناك. وبايدن غير مستعد على الإطلاق لهذا المنصب، وسيقود الولايات المتحدة إلى أزمة”.
وأدت إخفاقات الغرب بقيادة الولايات المتحدة أثناء خروجها من أفغانستان إلى تقويض التعددية الثقافية وفتح الحدود قبل عقدين من الزمن، وزادت من تمكين القوى الشعبوية واليمينية المناهضة للهجرة والقومية في أوروبا وكذلك الولايات المتحدة وآسيا وأفريقيا، وخاصة ضد المسلمين واليهود وغير البيض، وصعدت القومية التي يغلب عليها الطابع التفوقي.
بعد عقدين من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تبدو الولايات المتحدة، التي استنزفتها الحروب الأبدية، أقل استعدادا للدفاع بحزم عن قيمها
وتدفع الديمقراطيات الغربية الثمن من خلال المعاملة الوحشية للنقاش والحوار، والتخلي عن الكياسة والآداب، وتصبح التعبيرات عن المواقف العنصرية والمعادية للسامية والإسلام أكثر انتشارا. وقال الصحافي والمؤلف سبنسر أكرمان في كتابه الأخير، “عهد الإرهاب: كيف زعزعت حقبة 11 سبتمبر استقرار أميركا وأنتجت ترامب”، إن من بين كل الأعباء التي لا نهاية لها للإرهاب، يبقى الأهم هو ما تكبّدته الديمقراطية الأميركية في مواجهته، وعدم إدراك أن التهديد الحقيقي يكمن في مكافحة الإرهاب، وليس الإرهاب في حدّ ذاته، حيث خلقت الحرب العالمية على الإرهاب وما يرتبط بها من استخدام للتعذيب والمراقبة الجماعية والنزعة العسكرية والاستبداد بيئة تستجيب لرؤية بن لادن من أجل تقويض المثل الغربية.
وقال مات داس، وهو مستشار السياسة الخارجية للسيناتور بيرني ساندرز، المرشح الرئاسي مرتين “أعتقد أنها طبعت هذه الأنواع من الادعاءات حول مجموعات مختلفة من الناس، أو المهاجرين، أو اللاتينيين، أو الآسيويين، أو السود، أو غيرهم”.
وبحسب دورسي “يقدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه في زيّ القائد التقي المدافع عن حقوق مجتمعات الشتات المهمشة التي تنحدر من الأتراك ‘السود’ في الوطن الذين حرمتهم النخبة التركية الكمالية من حق التصويت، بينما تدعي إيران أنها تمثل كفاح المضطهدين والمحرومين من حقوقهم”.
ويُقدّم أردوغان الشعبويين والقوميين اليمينيين في أوروبا وأماكن أخرى في صورة أشرار. وفي المقابل، تُغذّي دعواته للمغتربين الأتراك كي يرفضوا الاندماج ضمن المجموعات ذاتها التي يعارضها ظاهريا.
وقال الخبير السياسي توماس شميدنغ إنه في النهاية، يستفيد هذان التياران اليمينيان من بعضهما البعض. القومية التركية الملطخة بالإسلاموية من ناحية والعنصرية المعادية للإسلام ومعاداة تركيا، والتي انتشرت في جميع أنحاء أوروبا والنمسا على وجه الخصوص، من ناحية أخرى
العرب