لاقت دعوات جماعة الإخوان المسلمين للتظاهر في مصر صدا من القوى المدنية، التي لا تريد أن تكون الجسر الذي تعبر منه الجماعة بالنظر إلى تجارب سابقة مريرة. ويرى مراقبون أن رفض المعارضة الداخلية الاستجابة لهذه الدعوات يعكس عمق عزلة الجماعة وعجزها عن تحقيق اختراق في الداخل المصري.
القاهرة – تلقت جماعة الإخوان ضربة سياسية موجعة من الحركة المدنية الديمقراطية التي تتشكل من أحزاب وقوى معارضة في الداخل، حيث أعلنت أن دعوات التظاهر في الحادي عشر من نوفمبر والتي يروج لها حاليا “مشبوهة، وأن الجماعة تسعى فقط لخدمة مصالحها الخاصة والعودة إلى كرسي الحكم بعد أن رفضها الشعب المصري”.
ونزع هذا الموقف إحدى الأوراق التي تعلق بها الإخوان لإيجاد نوع من الحشد في الداخل، وانطوت على رسالة مهمة عنوانها رفض التعاون والتنسيق، ما يؤكد أن قنبلة التظاهرات التي سعت لها الجماعة لن تنفجر كما تريد في وجه النظام المصري.
وربما يمر يوم الجمعة المقبل مثل غيره من الأيام العادية في مصر لأن الكتلة الحرجة من المواطنين التي تعاني من ويلات الأزمة الاقتصادية تعلم أن التظاهرات لن تحل مشاكلها، بل يمكن أن تؤدي إلى احتدامها، وأي مكاسب قد تتولد عنها ستصب في صالح الإخوان وأنصارهم فقط، ما يعيد البلاد إلى أجواء التوتر والعنف والإرهاب.
ويقول مراقبون إن فرص نجاح المعارضة من الخارج في الحالة المصرية شبه معدومة، حيث ينظر مواطنون كثيرون إلى المنضمين إليها على أنهم غير مكتوين بنيران الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها من يعيشون في الداخل.
ويضيف المراقبون أن التجربة السابقة لتعاون القوى المدنية المصرية مع الإخوان حصيلتها قاتمة ولا تشجعها على تكرار التحالف معهم، فعندما تمكنت الجماعة من الحكم عملت على تقويض كل الحلفاء من خارج التيار الإسلامي، وأرادت أن تحكم قبضتها على السلطة بمفردها وبمعزل عن كل القوى التي نسقت معها من قبل.
وشددت الحركة المدنية بصورة واضحة على نفي علاقتها بأيّ دعوة احتجاجية تحشد لها الجماعة واتهمتها بأنها “تدمن الأكاذيب وترويج الشائعات بطريقة أفقدتها أيّ مصداقية ممكنة لدى الشارع المصري، وأفضل رد على أكاذيب الإخوان تجاهلها”.
وحاولت قيادات الإخوان الاستثمار في التباين الحاصل بين الحكومة والحركة المدنية في ملف الحبس الاحتياطي وحملات اعتقال استهدفت بعض النشطاء والسياسيين والتضييق على الحريات العامة والسعي نحو استمالة أحزاب وقوى معارضة في الداخل لإضفاء مشروعية على الدعوة إلى التظاهر التي أطلقتها الجماعة من الخارج.
وجاءت الضربة الثانية التي تلقّاها الإخوان لتقليل مصداقيتهم في خطاب الدعوة إلى احتجاجات كثيفة يوم الجمعة المقبل، مع خروج ابن رئيس أركان الجيش المصري الأسبق سامي عنان لنفي ما تردد حول مشاركة والده في حث المواطنين على الاستجابة لدعوات الإخوان بعد تداول منشور منسوب إليه، زعم أنه يقف في صف الجماعة.
وعمد العديد من منابر الإخوان ومنصاتهم الإلكترونية إلى دس معلومات مغلوطة قالت إن قيادات عسكرية كبيرة تؤيد التظاهرات لأجل إقناع الناس بأن هناك دعما لدعوات الاحتجاج من جانب جنرالات في الجيش المصري بهدف استقطاب المواطنين لها والإيحاء برفع الغطاء الذي يمثله الجيش عن الرئيس عبدالفتاح السيسي.
وقال الرئيس السابق لحزب الكرامة المعارض محمد سامي إن الحركة المدنية في مصر “لا يمكن لها أن تضع يدها في يد الإخوان لأهدافها المشبوهة، ومن الصعب للغاية أن تنجح الجماعة في حشد قوى سياسية ومجتمعية من أي فئة، وهذا ما تدركه الحكومة جيدا، مهما كانت هناك مشكلات اقتصادية ومعيشية”.
وأضاف لـ”العرب” أن “المعارضة في مصر تؤمن بأهمية الحوار حاليا لتجاوز الأزمات، ولا تميل مطلقا إلى التخريب والتظاهر العشوائي لخطورة ذلك على الأوضاع العامة في البلاد، وهذا في حد ذاته يمثل انتكاسة للإخوان وأنصارهم”.
وتعتقد دوائر مصرية أن تبرؤ أهم العناصر (الحركة المدنية) التي كانت تعول عليها الإخوان لممارسة ضغط سياسي على النظام الحاكم بالتزامن مع قمة المناخ، ينذر بخيبة أمل كبيرة، لأن اللعب على وتر الأزمة الاقتصادية لا يكفي لاستقطاب المتضررين منها ما لم تكن هناك كتلة قوية في الداخل تعلن تأييدها لدعوات الإخوان.
وتسعى جماعة الإخوان إلى تكرار سيناريو ما قبل عزل الرئيس الراحل حسني مبارك عندما انطلقت ضده تظاهرات في مناطق مختلفة في الخامس والعشرين من يناير 2011 بعد أن دعت لها قوى مدنية وشبابية ذات انتماءات سياسية متباينة، ليس من بينها الإخوان في ذلك الوقت.
وأكدت حركة 6 أبريل الشبابية التي أسهمت بدور مهم في ثورة يناير عدم مشاركتها في التظاهرات المحتملة، وهي إشارة سياسية تفيد بتنصلها من التعاون مع الإخوان.
ولدى قيادات في جماعة الإخوان اعتقاد أن خروج الاحتجاجات سوف يجبر قوى المعارضة المدنية الكامنة في الداخل على الانضمام إليها لاحقا، وأن المعادلة الآن معكوسة، حيث انضمت الجماعة إلى تظاهرات يناير بشكل متأخر وركبت موجاتها بعد أن ضمنت نجاح الثورة على نظام مبارك الذي أنشأت مع مسؤولين كبار فيه علاقة جيدة في الخفاء، وعندما تيقنت من اقتراب سقوطه انضمت إلى قوافل المتظاهرين ضده.
ويمثل تبرؤ الأحزاب المعارضة للحكومة المصرية من دعوات جماعة الإخوان ضربة قوية لتقديراتها السياسية، أفقدتها رهانها على وجود ظهير مدني يؤيدها في الداخل كي يبدو الغضب عاما ويقنع الناس بالتجاوب مع عملية حشد تحرج النظام المصري أمام العالم، في وقت ترعى الدولة مؤتمر المناخ بحضور عدد كبير من زعماء العالم.
وتمكن النظام الحاكم من إقناع الأحزاب وقوى المعارضة بالنأي عن الإخوان والتعويل على أهمية الحوار الوطني الذي يمكن أن يصبح أرضية مشتركة جيدة لحل الكثير من الخلافات، وهو ما ظهر من خلال الاستجابة للعديد من المطالب والمقترحات التي طرحتها الحركة المدنية على ممثلي الحكومة في الحوار وتلقت ردودا إيجابية عليها.
ويقود تنصل الحركة المدنية وقوى المعارضة في الداخل من دعوات الاحتجاج التي أطلقتها جماعة الإخوان إلى إخفاقها في تحقيق أغراضها هذه المرة بشأن زعزعة النظام المصري الذي أدخل تعديلات إيجابية على الطريقة التي يدير بها العلاقة مع الأحزاب والقوى السياسية تتيح التفاؤل بإمكانية توسيع الحريات في الفضاء العام.
العرب