تونس – بعد أكثر من شهر على اتخاذ الرئيس التونسي إجراءات استثنائية أقال بموجبها الحكومة وعطل عمل البرلمان؛ تتعاظم مخاوف خبراء ومراقبين في تونس والخارج من غياب خطة اقتصادية واضحة المعالم تُخرج تونس من أزمتها.
ومنذ 25 يوليو/تموز الماضي، لم يكشف الرئيس عن مرشحه لرئاسة الحكومة بعد إقالة هشام المشيشي، ولا عن خطته الاقتصادية، باستثناء بعض القرارات التي وصفها معارضوه بـ”الشعبوية” في علاقة بالدعوة لتخفيض الأسعار ومحاربة الاحتكار.
وجاء البيان المشترك للدول الصناعية السبع ليترجم القلق الدولي من استمرار حالة الغموض وغياب معالم واضحة لخروج تونس من الوضع الاستثنائي الذي أقره الرئيس إلى أجل لم يسمه.
ورغم تأكيد هذه الدول على التزامها المستمر بالشراكة مع تونس على جميع الأصعدة -لا سيما الاقتصادية منها- فإنها حثت الرئيس على الحاجة الماسة لتعيين حكومة تكون قادرة على معالجة أزمات تونس.
وتعرف البلاد منذ أشهر أعنف أزمة مالية عمقتها جائحة كورونا، حيث بلغت نسبة الانكماش الاقتصادي 8.8%، مع ارتفاع الدين العام المركزي إلى قرابة 87% من إجمالي الناتج المحلي، فيما قفزت نسبة البطالة إلى 17.4% وتراجعت معدلات الاستثمار إلى النصف.
ويجمع خبراء الشأن الاقتصادي على أن أكبر تحدٍ للرئيس قيس سعيّد في ظل غياب حكومة جديدة هو القدرة على تعبئة موارد مالية لتغطية عجز الميزانية لسنة 2021 والذي بلغ 11.5%.
ويتساءل كثيرون عن مصير المحادثات مع صندوق النقد الدولي التي انطلقت منذ مايو/أيار الماضي في علاقة بقرض رقاعي تعول عليه تونس لتعبئة مواردها وتسديد ديونها الداخلية والخارجية.
ومنذ أيام التقى وفد من الصندوق النقد الرئيس التونسي، وأكد نائبه لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريد بالحاج -عبر وسائل إعلام محلية- على ضرورة أن “تكون تونس أكثر وضوحا بخصوص (الجانب) الاقتصادي وإصلاحاتها”، مشددا على أن إعانة تونس باتت مشروطة بتنفيذ هذه الإصلاحات.
ودعا بلحاج -في السياق ذاته- الرئيس التونسي إلى التسريع في تعيين رئيس حكومة “يكون ذا توجه اقتصادي ليُحسن التفاوض في الخارج وتمثيل تونس أمام العالم، وفق قوله.
أزمة خانقة
واعتبر الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان -في حديثه للجزيرة نت- أن الوضع الاقتصادي في تونس قبل اتخاذ الرئيس الإجراءات الاستثنائية كان في أسوء أحواله، مشددا على أن الأزمة السياسية الخانقة والصراع بين رأسي السلطة التنفيذية، قبل ذلك التاريخ منعت أي إجراء إصلاحي اقتصادي.
وعبر -بالمقابل- عن أسفه لعدم ترجمة الإجراءات -التي كشف عنها الرئيس قيس سعيّد والتي لها علاقة بمحاربة الفساد والمالية العمومية- إلى مشروع إصلاحي وخطة اقتصادية واضحة المعالم.
وأقر محدثنا بوجود مخاوف وتهديدات كبرى لها علاقة بالمالية العمومية، معتبرا أن حاجيات الدولة لمجابهة نفقاتها في الميزانية للربع الأخير من هذه السنة -والتي تقدر بـ18 مليار دينار (نحو 6.6 مليارات دولار)- قد تجد صعوبة في تعبئتها.
وأكد سعيدان على توقف محادثات الدولة التونسية مع صندوق النقد الدولي بشكل تام، وهو ما يزيد تعميق الأزمة المالية، في ظل عدم قدرة تونس على التوجه للاقتراض من الخارج، وبلوغ الاقتراض الداخلي من البنوك نسبا كبيرة.
ولم يخف خشيته من تواصل تخفيض التصنيف الائتماني لتونس من قبل مؤسسات الترقيم السيادي، مع غياب مقومات الاستقرار السياسي من حكومة وبرلمان، مشيرا إلى أنه تمت مراجعة الترقيم السيادي لتونس لمستويات دنيا 9 مرات منذ 2011.
وحث الخبير الاقتصادي رئيس الجمهورية على التحرك في نطاق دولي واسع، لا سيما مع الدول التي صرحت أنها تقف لجانب تونس، بهدف تعبئة ما بين 3 إلى 5 مليارات دولار، لتغطية عجز الموازنة حتى نهاية السنة الجارية 2021.
وسبق أن قدرت الدوائر الحكومية حجم الدين العمومي لسنة 2021 بـ17 ألفا و776 مليار دينار (حوالي 6 مليارات دولار) تتوزع بين ديون داخلية وخارجية.
تصنيف سلبي
ومنذ أشهر خفضت وكالة “موديز” (Moody’s) الأميركية تصنيف تونس الائتماني من “بي 2” (B2) إلى “بي 3” (B3) مع نظرة مستقبلية سلبية.
ورأى مختصون في الشأن الاقتصادي أن التصنيف السلبي الجديد بمثابة الإنذار الأخير للقيادات السياسية في البلاد، للقيام بالإصلاحات اللازمة قبل حصول الكارثة والنزول بالتصنيف إلى عالي المخاطر.
من جانبه، عبّر أستاذ الاقتصاد آرام بلحاج -في حديثه للجزيرة نت- عن قلقه من استمرار حالة الغموض وغياب الرؤية حول تشكيل الحكومة وعودة المفاوضات مع الصندوق الدولي، والتواصل مع شركاء تونس في الخارج الداعمين للمسار الديمقراطي.
وأكد على أن هذا الوضع يمكن أن يتسبب في انحدار الترقيم السيادي في الفترة المقبلة، مقرا بغياب إستراتيجية واضحة المعالم تتحرك بموجبها رئاسة الجمهورية، باستثناء بعض التحركات الميدانية للرئيس قيس سعيّد لبعض المخازن والشركات في مسعى منه لمحاربة المحتكرين ولتقويض زحف الاقتصاد الموازي.
وأشار إلى أن مراقبة مسالك التوزيع والتصدي للمحتكرين يتطلب إستراتيجية واضحة وخططا تنفذها حكومة متكاملة ومصالح مختصة.
وحث الأستاذ الجامعي على ضرورة أن تكون الإجراءات التي اتخذها الرئيس في 25 يوليو/تموز الماضي حافزا للبناء عليها، من خلال خارطة طريق واضحة المعالم وسياسة تواصلية ناجعة تمكن من طمأنة الشعب وترسل برسائل إيجابية لشركاء تونس بالخارج من دول ومؤسسات مالية دولية.
ويرى بلحاج أن الأزمة الراهنة التي تعيشها البلاد تتطلب رئيس حكومة ذا خلفية اقتصادية يتمتع بقدر من المصداقية والدعم والكفاءة، وذلك بالنظر للاستحقاقات المستعجلة، وفي مقدمتها عجز الميزانية واستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
يشار إلى أن وليد الحجام -مستشار الرئيس التونسي- قد صرح لوكالة “رويترز” أن قيس سعيّد قد يعلن خلال الأيام القادمة عن برنامجه، دون توضيح التاريخ أو طبيعة هذا البرنامج بشكل مفصل.
المصدر : الجزيرة