عندما تقوم روسيا بضرب قوات جندناها ودربناها، ثم نذعن لذلك، فإن البلدان التي تعوّل على الضمانات الأمنية الأميركية ستفقد الثقة بنا. يقول المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية دونالد ترامب: «لندع روسيا تتخلص من داعش. لماذا علينا أن نهتم؟». إنه سؤال في محله، في الواقع، إذ ما الضرر الذي يمكن أن يحدث إذا نحن تركنا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يخوض هذه الحرب نيابةً عنا في سوريا؟ الجواب: سيلحقنا ضرر كبير جداً.
أولًا، روسيا لا تحارب تنظيم «داعش». ذلك أنه وفق «معهد دراسة الحرب»، فإن الضربات الروسية تركزت بشكل خاص على المناطق التي تسيطر عليها مجموعات سُنية أخرى يعتبرها رئيس النظام السوري بشار الأسد تهديداً له، ومن بينها مجموعات قامت الولايات المتحدة بتدريبها، وذلك لأن الهدف الاستراتيجي لروسيا ليس، بالدرجة الأولى، القضاء على «داعش»، وإنما دعم نظام الأسد المدعوم أيضاً من طرف إيران، وحمل الغرب على دعمه أيضاً. وذلك أنه عبر تدمير المعارضة المعتدلة، سيُترك العالم أمام اختيار وحيد بين الأسد و«داعش». بيد أن الرئيس أوباما لا يبدو مدركاً لهذا الأمر، حيث صرّح بسذاجة، الأسبوع الماضي، بأن روسيا ينبغي ألا تستهدف الثوار المدعومين من قبل الولايات المتحدة، لأننا نحتاج لمعارضة معتدلة خلال فترة انتقالية بعد الأسد. والحال أن هذا بالضبط، من وجهة نظري، هو سبب استهداف بوتين لهم.
ثانياً، إن تدخل روسيا سيؤدي في الواقع إلى تقوية شوكة «داعش». ذلك أن روسيا باستهدافها المعارضة قد تدفع كل المجموعات السنية إلى الارتماء في أحضان «داعش» و«جبهة النصرة» التابعة لـ«القاعدة»، بعد أن يتحولا إلى المقصد الوحيد لأغلبية السكان الذين يعارضون الأسد، حتى وإن لم يكونوا يتقاسمون مع الإرهابيين إيديولوجيتهم الراديكالية. وهذا سيجعل الحرب أكثر تطرفاً ويحوّل سوريا إلى مغناطيس كبير جاذب لـ«الجهاديين» الذين سيفدون عليها من كل حدب وصوب، الأمر الذي يخدم مصلحة الأسد، لأنه يحتاج لتهديد «داعش» من أجل تبرير استمرار بقاء نظامه كسد مزعوم في وجههم.
ثالثاً، إن وجود روسيا الجديد في سوريا يقوّي أيضاً موقف إيران. والواقع أنه ليس صدفة أن روسيا قد قامت بإدخال قواتها إلى سوريا بعد أسابيع قليلة على زيارة قاسم سليماني قائد ما يسمى «فيلق القدس» إلى موسكو. فإيران، وهي الوجه الشيعي للتشدد الإسلامي، تتحرك عبر الشرق الأوسط، والتدخل الروسي يدعم سعيها للهيمنة الإقليمية. والواقع أن الطرفين مستفيدان. فروسيا تحصل على موطئ قدم دائم في الشرق الأوسط، من خلال قاعدة جوية رئيسة وميناء على البحر المتوسط تستعرض منه قوتها، وتتحدى منه الولايات المتحدة وحلفاءها، هذا بينما تحصل إيران على الأسلحة (مثل منظومة الصواريخ أرض-جو إس 300 لحماية برنامجها النووي من أية ضربة عسكرية) وعلى تحالف جديد للتصدي للنفوذ الأميركي يتألف من روسيا وإيران والعراق وسوريا و«حزب الله» اللبناني. وهو ما يمثل كارثة بالنسبة للمصالح الأميركية.
رابعاً، إن حملة القصف الروسية تؤشر إلى أن الولايات المتحدة حليف لا يمكن الاعتماد عليه. فعندما تقول روسيا للولايات المتحدة إن عليها أن «تفسح الطريق» وتقوم بضرب قوات قمنا نحن بتجنيدها وتدريبها من أجل محاربة «داعش»، ثم نذعن لذلك، فإن البلدان التي تعوّل على الضمانات الأمنية الأميركية ستفقد الثقة بنا. وعلى سبيل المثال، فإن الحكومة العراقية قد توصلت للتو لاتفاق بشأن التعاون الاستخباراتي مع إيران وروسيا. وهذا الأسبوع قال رئيس الوزراء العراقي إن روسيا مرحب بها لشن هجمات ضد «داعش» على الأراضي العراقية. وعلاوة على ذلك، فإننا بدأنا منذ بعض الوقت نتحدث عن «تنسيق» عملياتنا الجوية لتفادي خطر صدام بين طائراتنا وطائراتهم، وهو شكل من أشكال التعاون العسكري في الحقيقة. والحال أن دعم الأنشطة الروسية أو التسامح معها إنما يعزز الاعتقاد المتزايد في المنطقة بأننا متحالفون مع روسيا وإيران والأسد و«حزب الله» والمليشيات الشيعية في العراق ضد كل حلفائنا التقليديين.
وفي هذه الأثناء، يقول أوباما إنه لا ينبغي أن نقلق بشأن أي من ذلك، مشدداً على أن بوتين إنما يتصرف انطلاقاً من إحساس بـ«الضعف»، وإنه سيورّط نفسه في «مستنقع» يشبه إلى حد كبير الغزو السوفييتي لأفغانستان في 1979. غير أنه حتى إذا كان هذا صحيحاً، فإنه ينبغي ألا يجعلنا نشعر بالراحة أو الاطمئنان.
مارك تيسيين
جريدة الاتحاد