بعد توقيع إيران مع الغرب الاتفاق الشهير حول ملفها النووي، ستُرفَع العقوبات المفروضة عليها السنة المقبلة، إذا لم تحدث مفاجآت تعطل تنفيذ الاتفاق. لكن هذا الاتفاق جاء في وقت تراجعت فيه الأسعار العالمية للنفط في شكل كبير، ما يعني تراجع إيرادات النفط حتى لو سُمِح لإيران بالتصدير إلى زبائنها التقليديين.
يظل النفط المحرك الأساسي للإقتصاد الإيراني على رغم توافر إمكانات متنوعة في البلاد تشمل العديد من القطاعات الاقتصادية، ومن أهمها الخدمات والزراعة والصناعات التحويلية والخدمات المالية. ويقدر البنك الدولي الناتج المحلي الإجمالي لإيران في 2014 بنحو 306 بلايين دولار، ونظراً إلى الحجم السكاني الكبير لإيران (79 مليون شخص)، يراوح المعدل السنوي لدخل الفرد حول خمسة آلاف دولار. وتتنوع مساهمات القطاعات الأساسية كالتالي: الصناعة بما فيها القطاع النفطي (41 في المئة) وقطاع الخدمات بأنواعها (50 في المئة) والزراعة (تسعة في المئة).
لكن لا بد من التحفظ على أي بيانات أو إحصاءات اقتصادية فدرجة الشفافية ليست مرتفعة في إيران. مثلاً، عندما يُذكر ان نسبة المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر، أي أقل من دولارين للفرد يومياً، تساوي 3.1 في المئة، لا بد من التحفظ أخذاً في الاعتبار التقارير الدولية حول مظاهر الفقر والعوز في العديد من المناطق والمدن الإيرانية. ويشير البنك الدولي إلى ان معدل البطالة في 2014 بلغ 11.4 في المئة من إجمالي قوة العمل الوطنية، ويصل المعدل إلى 17.9 في المئة بين الذكور لدى الفئة العمرية 15 إلى 29 سنة و39 في المئة بين النساء لهذه الفئة العمرية.
وعندما يكون الاقتصاد شمولياً، أي ان الدولة تهيمن على نشاطات عديدة، يكون حفز القطاع الخاص لإيجاد فرص عمل جديدة محدود الأثر. ويمكن تقدير مساهمة الدولة في النشاط الاقتصادي بنسبة 60 في المئة، وهي نسبة مرتفعة. ولا شك في ان تطوير دور القطاع الخاص في إيران، حتى لو كان ذلك من الأهداف الإستراتيجية للحكومة الإيرانية، يظل هدفاً بعيد الأمد إذ لا ثقة لدى العديد من رجال الأعمال المحليين أو الشركات الأجنبية بالأوضاع السياسية أو بتوجهات الحكومة في شأن الإصلاح أو تعزيز الاستقرار وتطوير علاقات حسن جوار مع بلدان المنطقة، وهي عوامل أساسية في نظر المستثمرين.
وتقدَّر صادرات إيران بـ 96 بليون دولار في 2014 وتشكل الصادرات النفطية 80 في المئة منها. وهناك صادرات أخرى مثل المنتجات البتروكيماوية والسيارات والفواكه والمكسرات والسجاد. وتظل الصين أهم الدول المستوردة من إيران وبنسبة 27 في المئة تليها تركيا (11 في المئة) ثم الهند (10.6 في المئة) واليابان (7.3 في المئة) وكوريا الجنوبية (5.9 في المئة).
ويلاحَظ ان الصادرات الإيرانية تتجه شرقاً، لكن الدول المصدرة إلى إيران هي: الإمارات بنسبة 35.8 في المئة والصين (18.6 في المئة) والهند (6.4 في المئة) وتركيا (5.4 في المئة). ويتضح ان العلاقات الاقتصادية ما زالت مرهونة بالعلاقات السياسية، ولا يبدو ان العلاقات التجارية مع بلدان الاتحاد الأوربي أو الولايات المتحدة تمثل أهمية للإقتصاد الإيراني، على رغم امتلاك تلك الدول قدرات تقنية مهمة ووجود العديد من الشركات النفطية الطامحة إلى توظيف أموال مهمة في الاقتصاد النفطي في إيران.
وقبل أيام دعت إيران المستثمرين إلى تطوير قطاعها النفطي بعد رفع الحظر المفروض على تعامل الشركات النفطية مع إيران. وأوضح نائب وزير النفط ركن الدين جوادي ان الشركات الأميركية مرحب بها أيضاً للإستثمار في هذا القطاع الحيوي. وسبق للعديد من المستثمرين ان توافدوا إلى إيران بعد التوقيع على الاتفاق النووي مع الدول الكبرى. وتمثّل إيران أهمية في الاقتصاد النفطي العالمي. وبدأ الاهتمام بالنفط الإيراني بداية القرن العشرين عندما تأسست “شركة النفط الإيرانية” بمساهمة بريطانية مهمة. وأثرت السياسات التي اعتمدت في الصناعة النفطية في إيران منذ بداية الخمسينات، ومنها تأميم الصناعة في عهد رئيس الوزراء الراحل محمد مصدق وما نتج عن ذلك من انقلاب سياسي أعاد إلى الشركات النفطية العملاقة دوراً مهماً في إنتاج النفط وتصديره. كذلك أدى الشاه الراحل محمد رضا بلهوي دوراً مؤثراً في تطورات الصناعة النفطية في الشرق الأوسط في أواسط السبعينات بما أدى إلى الصدمة النفطية الأولى.
بيد ان المتغيرات التي جرت بعد انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 أدت إلى تحولات مهمة في العلاقات ذات الصلة بالنفط بين إيران وشركات النفط. فتلك التطورات حددت معدلات النمو الاقتصادي والأوضاع المعيشية ومستويات سعر صرف العملة الوطنية. فهل يمكن ان تصبح إيران دولة مستقرة اقتصادياً وتطور إمكانيات صناعتها النفطية، خصوصاً أنها تملك احتياطات نفطية لا بأس بها واحتياطات متميزة من الغاز الطبيعي؟ سيعتمد الأمر على قدرة النظام السياسي على فك العزلة وتعزيز الإنفتاح السياسي داخل البلاد وتمكين الآلاف من الإيرانيين، من أصحاب الثروات، من العودة إلى البلاد وتوظيف أموالهم ليكونوا قدوة تعزز ثقة الأجانب بالإقتصاد الإيراني.