تفاهمات ثنائية: هل نجح الكاظمي في تحقيق أهدافه من زيارته لطهران؟

تفاهمات ثنائية: هل نجح الكاظمي في تحقيق أهدافه من زيارته لطهران؟

زار رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، الأحد الموافق، 12 سبتمبر 2021، إيران على رأس وفد حكومي كبير، في زيارة رسمية بدعوة من الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، استمرت لمدة يوم واحد. وقد التقى خلالها الكاظمي رئيس الجمهورية الإيراني، إبراهيم رئيسي، ورئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شامخاني، وعدداً من المسؤولين الآخرين.

وتعد هذه الزيارة الثانية للكاظمي إلى طهران، حيث جاءت الزيارة الأولى في يوليو 2020. وهدفت الزيارة الأخيرة إلى تحقيق عدد من الأهداف للكاظمي، خاصة أنها تجيء قبل أقل من شهر واحد على إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في العراق، والمقرر لها أكتوبر القادم، وفي ظل استقطاب حاد بين الأحزاب والميليشيات المسلحة الموالية لإيران، وتلك المناوئة لها، ويمكن إيضاح أبرز أهداف الكاظمي من الزيارة في التالي:

1- دعم الربط السككي مع إيران: تأتي هذه الزيارة في توقيت مهم بالنسبة لإيران، حيث تسعى طهران إلى التأكيد على مصالحها الاقتصادية مع العراق، خاصة بعدما اتجه العراق إلى الانفتاح على محيطه العربي عبر عدة مشروعات للربط البري والبحري والجوي مع السعودية، واستيراده الكهرباء من دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى اتجاهه للتعاون مع مصر والأردن من خلال مشروع “الشام الجديد”.

ولا شك أن كل هذه المشروعات لاقت قلقاً كبيراً من جانب إيران، والتي تسعى إلى ضمان عدم تقليص نفوذها الاقتصادي على بغداد. ولذلك استجاب العراق للمطلب الإيراني بالربط السككي بين الشلامجة الإيرانية والبصرة العراقية بطول 32 كيلومتراً، وقد بدأت المفاوضات بين الجانبين منذ العام الماضي، وتم في اللقاء الأخير الاتفاق على تنفيذه، والذي يصب في النهاية باتجاه مساعي إيران للربط اقتصادياً بين ميناء الخميني وميناء اللاذقية السوري مروراً بالأراضي العراقية، ووصولاً في النهاية إلى البحر المتوسط.

كما يمكن لإيران محاولة الاستفادة من هذا الربط السككي من أجل إقناع الصين بأن يكون هذا الخطط السككي جزءاً من مبادرة الطوق والطريق الصينية، والتي تهدف إلى ربط الصين بأوروبا، غير أن طهران قد تخفق في تحقيق هذا الهدف، نظراً لأن الصين اتجهت لشحن بضائعها إلى أوروبا عبر المرور بدول آسيا الوسطى، خاصة كازاخستان، ثم تركيا وأوروبا، وهو ما يعني أن الربط السككي بين العراق وإيران سوف يكون مقصوراً على نقل الركاب، أو حركة التجارة بين البلدين.

2- ضبط سلوك ميليشيات إيران: يسعى الكاظمي لإقناع إيران بضرورة ضبط سلوك الميليشيات الإيرانية في العراق، وأن يتجنبوا خلال الفترة المقبلة، استهداف المصالح الأمريكية في العراق، أو تصفية قيادات الحركات الاحتجاجية العراقية المنددة بالنفوذ الإيراني على بغداد.

ويلاحظ أن الاحتقان قد تزايد بين الميليشيات الموالية لإيران وتلك المناوئة لها، كما أن هناك درجة من التوازن العسكري بين الجانبين، بما يجعل أي حسابات للتصعيد، في المرحلة الحالية، لا تخدم المصالح الإيرانية. ولذلك، فإنها قد تتجه للاستجابة لطلب الكاظمي على هذا المستوى.

3- ضمان عدم ممانعة إيران لشخص الكاظمي: يسعى الكاظمي لضمان عدم وجود ممانعة إيرانية على شخصه لاستمرار توليه رئاسة الوزراء في أعقاب الانتخابات البرلمانية المقبلة، وذلك على أساس أن البرلمان القادم في العراق سوف يكون منقسماً على مستوى الأحزاب الشيعية، بين القوى المناوئة لإيران وتلك الموالية لها، ومن ثم، فإنه يمكن أن يكون مرشحاً تسوية بين الجانبين.

وتعد المشكلة الأساسية التي تواجه الكاظمي هو أنه ينظر إليه على أنه مقرب من التيار الصدري، كما أنه سعى لتحجيم تجاوزات ميليشيات الحشد الشعبي الموالية لإيران، وهو ما أكسبه عداء هذه القوى. ولكن على الجانب الآخر، فإن النفوذ الإيراني في العراق يواجه رفضاً شعبياً، إذ يعادي المواطنين في المحافظات العراقية الجنوبية، ذات الأغلبية الشيعية، ليس فقط طهران، ولكن كذلك طبقة السياسيين المرتبطين بها، ولذلك، فإن الكاظمي قد يكون وجهاً مقبولاً من جانب طهران، في ظل هذه الظروف، خاصة أنها لا تزال تتعرض لضغوط من جانب واشنطن والغرب للعودة للتفاوض حول برنامجها النووي.

4- تخفيف الضغط الإيراني على الأكراد: يحاول الكاظمي أن يقنع طهران بتخفيف الضغط العسكري على الأكراد شمال العراق، وذلك نتيجة قيام الحرس الثوري بشن هجمات على أحزاب كردية معارضة لإيران تحتمي في إقليم كردستان العراق، ومن أهمها الحزب الديمقراطي الكردستاني “الإيراني”.

وتمكن الكاظمي من إقامة علاقات جيدة مع أكراد العراق، خاصة الاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الديمقراطي الكردستاني، وسعى لحلحلة عدد من الملفات الخلافية التي كانت عالقة بين بغداد وأربيل، خاصة إرسال موازنة الإقليم، على نحو يرجح أن يكون الحزبان الكرديان من داعمي الكاظمي للترشح للانتخابات القادمة.

5- ظهور بغداد كوسيط إقليمي: من أهم أسباب زيارة الكاظمي لطهران التأكيد على دور العراق كوسيط بين إيران والسعودية. فقد عقدت ثلاث جولات من المحادثات بينهما في بغداد، ومن المقرر أن تعقد الجولة الرابعة، التي تأجلت بسبب الانتخابات الإيرانية وموسم الحج في السعودية، في القريب العاجل في العراق.

ويأمل العراق أن تنجح هذه الجولة في إحداث اختراق بين الرياض وطهران، خاصة أن الجولات الثلاث السابقة لم تنجح في تجاوز الخلافات بين الجانبين، كما أن مستوى تمثيل البلدين في المفاوضات القادمة سوف تكون أعلى. ويلاحظ أن وساطة الكاظمي سوف تضمن له الدعم السعودي، والذي يمثل امتداداً للدعم العربي للكاظمي، وبما يعزز شعبيته في الداخل.

6- حل مشكلة الطاقة مع إيران: يسعى الكاظمي من خلال الزيارة إلى التوصل لحل لأزمة تصدير الكهرباء والغاز من إيران للعراق، حيث انخفضت الكميات المصدرة من الكهرباء والغاز من إيران للعراق بشكل كبير، ووصل الأمر إلى قطع الإمدادات منهما خلال يوليو الماضي، وذلك بحجة حاجة الداخل الإيراني إلى الكهرباء. وتبرر إيران ذلك القطع بأنه يرجع إلى عدم تسديد العراق ديوناً بذمته لإيران تبلغ نحو 5 مليارات دولار.

ويلاحظ أن النقاشات بين الجانبين حول هذه النقطة قد تنصرف إلى تسوية الملفات الخلافية السابقة، إذ إن العراق سوف يتجه خلال الفترة المقبلة لإتمام الربط الكهربائي مع دول الخليج العربية، على نحو يجعله لا يحتاج إلى استيراد الكميات نفسها من الكهرباء والغاز الطبيعي من إيران، خاصة أن أسعار الكهرباء المستوردة من دول مجلس التعاون الخليجي أقل من نظيرتها الإيرانية.

وفي الختام، يمكن القول إن الكاظمي يسعى من خلال زيارته الأخيرة إلى إيجاد قبول إقليمي لشخصه، خاصة بعد مؤتمر “قمة بغداد”، وهو ما يسعى لاستثماره لتحقيق عدد من المكاسب الداخلية والإقليمية، خاصة تعزيز شعبيته في الداخل العراقي باعتباره سياسياً مستقلاً عن إيران، يسعى للتقارب مع محيطه العربي، من دون استعداء طهران. أما إقليمياً، فإن الكاظمي يسعى لتجنيب العراق الصراع والاستقطاب بين المحاور الإقليمية.

وعلى الجانب الآخر، فإن دعوة الكاظمي لزيارة طهران جاءت بناء على دعوة من الرئيس الإيراني نفسه، وهو ما يؤشر إلى وجود قلق من جانب إيران من توجهاته الإقليمية الأخيرة، كما أنه من غير المتوقع أن تستجيب طهران تماماً للعديد من المطالب العراقية، خاصة فيما يتعلق بضبط سلوك الميليشيات الموالية لها بصورة كاملة، خاصة في الوقت الذي تسعى فيه للضغط على واشنطن وربط نفوذها الإقليمي بمفاوضات الملف النووي، رغبة من طهران في تقليص أي تنازلات تسعى إلى تقديمها في هذه المفاوضات. ومع ذلك، فإنه تبقى هناك مساحة للالتقاء بين الجانبين، خاصة أن أوضاع طهران الاقتصادية المتردية، جراء العقوبات الأمريكية، لا تمكنها من التصعيد المستمر.

المستقبل للدراسات