الدعم الدولي القوي لإجراء الانتخابات في موعدها رغم الانقسام الداخلي بشأنها يشير إلى أن فرضية التأجيل والتسويف التي يسعى إليها الإسلاميون منذ سنوات أي قبل وصول حكومة عبدالحميد الدبيبة لم تعد ممكنة.
طرابلس – يعزز تعنت الإسلاميين واستمرار وضعهم للعراقيل لمنع إجراء الانتخابات رغم الضغوط الدولية المتصاعدة لإجرائها في موعدها، فرضية إجراء انتخابات غير توافقية لكنها ستجرى سواء قبلوا أم رفضوا.
فلم يبق سوى أقل من 100 يوم على الانتخابات، ولا مؤشرات قوية على تنظيمها في موعدها، إلا إذ تم القفز فوق العراقيل التي يضعها مجلس الدولة ممثل الإسلاميين في المشهد السياسي الليبي، بدعم من البعثة الأممية ومفوضية الانتخابات، وهو ما قد يؤدي إلى تكريس الانقسام بدل حسم مسألة الشرعية.
ويبدو أن انتخابات توافقية ونزيهة في موعدها ومعترف بنتائجها من جميع الأطراف، مهمة شبه مستحيلة، بعد أن ضيّع الليبيون عدة فرص للتوافق على قاعدة دستورية لإجرائها، وهو ما دفع البرلمان لإصدار قانون الانتخابات الرئاسية الذي اعتمدته مفوضية الانتخابات بعد ما يصفه مراقبون بـ”مماطلة” ملتقى الحوار لإصدار قاعدة دستورية تجرى على أساسها الانتخابات.
قانون الانتخابات الرئاسية يسمح للمترشح سواء كان مدنيا أو عسكريا بأن يتقدم للانتخابات دون أن يستقيل ما سيسمح لحفتر بالترشح
يتهم مجلس الدولة ورئيسه خالد المشري البرلمان بإصدار القانون دون الحصول على الأغلبية الموصوفة 120 صوتا وهي الاتهامات التي لا تعيرها البعثة الأممية أي اهتمام.
ودعا المشري، في بيان آخر، المفوضية العليا للانتخابات إلى عدم التعامل مع أي قانون أحادي الجانب مخالف للإعلان الدستوري والاتفاق السياسي وهو ما قابلته المفوضية بالتجاهل أيضا حيث أعلنت منذ نحو أسبوعين تسلمها للقانون.
ويستفز هذا التجاهل الإسلاميين الذين تعكس تصرفات مجلس الدولة حالة الارتباك التي وصلوا إليها لاسيما مع بدء العد التنازلي حيث لم يتبقى سوى ثلاثة أشهر على موعد الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر المقبل.
وبعد أن حذر مجلس الدولة في أحد بياناته، من أنه “إذا استمر مجلس النواب في مخالفة الاتفاق السياسي فلدينا خيارات جديدة ستُطرح في وقتها” قام بالتصويت على قاعدة دستورية وعلى قوانين الانتخابات الأحد وقرر إحالتها على مجلس النواب للتشاور.
والاثنين أعلن مجلس الدولة عن مبادرة تنص على إجراء الانتخابات البرلمانية مقابل تأجيل الانتخابات الرئاسية.
وهذه الخطوة من شأنها إثارة أزمة جديدة مع مجلس النواب، الذي يعتبر العديد من أعضائه أنه وحده لديه صلاحية التشريع، بينما مجلس الدولة حسب الاتفاق السياسي مجرد هيئة استشارية.
وعلى الأغلب سيرفض مجلس النواب مبادرة مجلس الدولة واستلام القاعدة الدستورية ومشاريع قوانين الانتخابات منه، على أساس أنها تعدٍ على صلاحياته.
ويربط مراقبون توتر مجلس الدولة وهدوء البرلمان إلى دعم المجتمع الدولي لإجراء الانتخابات التي ستنهي الأزمة الرئيسية التي قادت لبقية أزمات ليبيا وهي أزمة الشرعية التي فجرها الإسلاميون عندما انقلبوا على الانتخابات البرلمانية في 2014.
ويتكون مجلس الدولة من بقايا المؤتمر الوطني العام من الإسلاميين الذين رفضوا تسليم السلطة لمجلس النواب بعد هزيمتهم في الانتخابات رغم اعتراف المجتمع الدولي بشرعية البرلمان الجديد.
وما يزيد من توتر الإسلاميين هو أن المفوضية العليا للانتخابات برئاسة عماد السائح، أعلنت استلامها لقانون الانتخابات الرئاسية ما يعني اعترافها به، وكذلك الأمر بالنسبة إلى البعثة الأممية برئاسة يان كوبيتش.
ويبدو أن هناك خطة أممية لتجاوز عراقيل الإسلاميين تمت بين رئيس البرلمان عقيلة صالح والسائح وكوبيتش، لتمرير القوانين دون المرور على المجلس الأعلى للدولة، الذي يرأسه المشري، وذلك بعد اجتماع ثلاثتهم في العاصمة الإيطالية روما، في 26 يوليو الماضي، مع لجنة برلمانية لبحث قانون الانتخابات الرئاسية.
البعثة الأممية شددت حينها على ضرورة إشراك المجلس الأعلى للدولة في اجتماع روما، وفي إعداد مشاريع القوانين طبقا للاتفاق السياسي، إلا أنها الآن تعترف بالقانون الصادر عن البرلمان وهو ما أثار تساؤلات الإسلاميين.
غير أن هذه التساؤل قد يزول إذا عرف السبب، إذ أعلنت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، اعترافها بالقانون الصادر عن البرلمان المتعلق بالانتخابات الرئاسية.
وأصدرت الدول الخمس بيانا مشتركا أوضحت فيه أن “مجلس النواب أقر خطوات لتحقيق هذا الهدف (انتخابات في موعدها)؛ حيث أعلن رئيسه في 8 سبتمبر عن القواعد القانونية للانتخابات الرئاسية، كما أحرزت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات تقدما في الاستعدادات لإجراء انتخابات وطنية رئاسية وبرلمانية”.
وهذا البيان يشكل اعترافا دوليا بـ”قانون البرلمان” وتهميشا كليا للمجلس الأعلى للدولة، وتأكيدا على دور مفوضية الانتخابات كشريك في هذه اللعبة الدولية.
ويكمن ثقل هذا الموقف أنه يضم 3 دول دائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا)، كما أن روسيا داعم قوي لعقيلة صالح، والصين حليفة موسكو.
ويقول مراقبون إن أكثر مادة تثير غضب الإسلاميين هي المادة 12، التي تنص على أنه يحق للمترشح سواء كان مدنياً أو عسكرياً أن يتقدم للانتخابات دون أن يستقيل، وإذا خسر يعود إلى منصبه وهو ما سيسمح لخصمهم قائد الجيش المشير خليفة حفتر بالترشح.
وتسمح هذه المادة لحفتر، بعدم الاستقالة من قيادة الجيش وإذا خسر الانتخابات يعود إلى قيادته.
ويعتقد الإسلاميون أن مشهد سيناريو الانتخابات القادمة بدأ يكتمل؛ بعد أن قام البرلمان بسن قانون الانتخابات في حين أعلنت البعثة الأممية والمفوضية العليا للانتخابات استلامها “القانون”، ما يعني منحه اعترافا وشرعية أممية، ثم يوضع محل التنفيذ لدى مفوضية الانتخابات، لتشرع في ترتيباتها الفنية اللازمة لإجراء الانتخابات الرئاسية.
ويقلق الدعم الدولي للانتخابات والقوانين التي ستجرى عليها الإسلاميين حيث سيحرمهم ذلك من أي محاولة للقفز على نتائجها وتكرار سيناريو 2014 .
ويعني كل هذا أن الانتخابات ستجرى في 24 ديسمبر، والاعتراف بنتائجها مهما بحث الإسلاميون عن مبررات لإثارة أزمة شرعية جديدة، ما قد يمهد لتنصيب خصمهم حفتر رئيسا للبلاد.
ويقول مراقبون إنه لن يكون أمام الإسلاميين والجماعات المسلحة الداعمة لهم في المنطقة سوى القبول بنتائج تلك الانتخابات لاسيما في ظل المناخ الدولي المتبدل والذي بات لا يؤيد كما السنوات الماضية بقاء الإسلاميين في الحكم.
العرب