أجمعت أوساط أمنية وقضائية وحزبية على أن العشائر العراقية سيكون لها قوة تأثير على مجريات الانتخابات البرلمانية. وذكرت هذه الأوساط أن النزعة العشائرية لا تهدد مدنية المجتمع العراقي فقط، بل تمتلك قوة تأثير في المجريات السياسية والحزبية، فغالبية الميليشيات تنسق مع العشائر لفرض سطوتها على مدن وقرى خصوصا أثناء الانتخابات البرلمانية المؤمل إجراؤها في العاشر من أكتوبر المقبل.
واستغلت قوى سياسية وحزبية النزعات العشائرية والتعصب القبلي وإغراء الشيوخ بالمال والأسلحة من أجل الترويج لمرشحيها والتأثير على أفراد القبيلة للتصويت لمرشح معين.
وأكد المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية خالد المحنا، أن هنالك تهديدات رئيسية على المجتمع بشكل مباشر تسببها النزاعات العشائرية، لاسيما على الناخبين في يوم الاقتراع، مشيرا إلى أن تلك النزاعات تحدث “قلقا وخوفا وهلعا” في المناطق التي تحصل فيها تلك النزاعات.
وقال المحنا لشبكة رووداو الإعلامية إن “وزارة الداخلية، بعد دراستها التهديدات التي تواجه المجتمع العراقي من ضمنها قضية النزاعات العشائرية، باعتبارها تسبب تهديداً للنسيج الاجتماعي العراقي، لاسيما في محافظات وسط وجنوب العراق، وضعت استراتيجية لمكافحة هذه الظاهرة”.
ويأتي تصريح المتحدث باسم وزارة الداخلية بعد أيام من إعلان قيادة عمليات بغداد، عقد مؤتمر عشائري، موسع، بهدف حصر السلاح بيد الدولة، جنوبي العاصمة بغداد.
وناقش المؤتمر طرق ووسائل الحد من ظاهرة النزاعات العشائرية وفق مواثيق وعهود تم التأكيد عليها من قبل جميع الحاضرين كما تم الإشارة إلى أغلب المواضيع التي تهم المجتمع العراقي، منها مكافحة المخدرات ومعالجة التأثير السلبي للنزعة العشائرية في السلم المجتمعي.
خالد المحنا: النزاعات العشائرية تؤثر سلبا على الانتخابات البرلمانية
وفي غضون ذلك أعلنت قيادة عمليات بغداد القبض على 11 متهما بقضايا عشائرية ومصادرة أسلحتهم في بغداد وقبل أيام من إجراء الانتخابات البرلمانية.
وملأت العشرات من الدوريات من شرطة بغداد والشرطة الاتحادية منطقة الكمالية إحدى الضواحي الجنوبية في العاصمة، والتي شهدت تجوالاً مستمراً في المنطقة لقائد شرطة بغداد ومدير شرطة الرصافة وقائد الفرقة الأولى للشرطة الاتحادية، إثر وقوع نزاع عشائري مسلح بين عشيرتين.
ولا تقتصر النزاعات العشائرية على محافظات وسط وجنوب العراق، فقد أعلن هذا الأسبوع عن مقتل أربعة أشخاص في نزاع عشائري مسلح في قضاء خبات بمحافظة أربيل شمال العراق.
وتنعكس هذه النزاعات في تأثيرها على عمليات التصويت في انتخاب المرشحين سواء بين العشيرتين المتنازعتين أو داخل العشيرة نفسها التي تحظر على أفرادها التصويت على مرشح معين.
وتسعى حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لكسب ود العشائر ومنع تأثيرها على المشهد السياسي، لكن جهودها على الأغلب لا تحدث تأثيرا يذكر.
وبدأ القضاء العراقي يعامل النزاعات العشائرية وفق مواد مكافحة الإرهاب، حيث تم إلقاء القبض على العديد من الأشخاص الذين حكم عليهم بأحكام طويلة، بسبب ممارستهم العشائرية.
وعبر القاضي المتقاعد عدنان البديري عن اعتقاده بعدم نزاهة وشفافية الانتخابات النيابية القادمة بالرغم من نزاهة القضاة وأعضاء المفوضية المستقلة للانتخابات وعدم علاقتهم بالأحزاب السياسية.
وقال البديري “سيكون للمال السياسي الفاسد والسلاح المنفلت دوره السلبي في حسم نتائج الانتخابات لصالح الميليشيات وأحزاب الفساد”.
ولا يخفي شيوخ عشائر ووجهاء مخاوفهم من تأثير النزعة العشائرية على طبيعة الانتخابات البرلمانية.
وقال شيخ عشيرة بني تميم محسن عبدعلي فرحان البوطرة إن “النزاعات العشائرية تنعكس سلبا على الانتخابات والناخبين، وإن المجتمع العراقي مجتمع عشائري، وعندما يحدث نزاع بين عشيرتين، وإحدى تلك العشائر لديها مرشح للانتخابات، لن ينتخب من قبل أبناء العشيرة المتخاصمة معها، حتى وإن كان هذا المرشح من الشخصيات المحترمة والجيدة وممكن أن يقدم خدمة للبلاد”.
محسن عبدعلي البوطرة: الطابع العشائري سيكون هو المسيطر على الانتخابات
وأضاف أن “الطابع العشائري سيكون هو المسيطر، وهذا المرشح لدينا معه مشكلة عشائرية ولن ننتخبه بأي حال من الأحوال، وبالتأكيد فإن لهذا الطابع تأثير سلبي على المرشحين والناخبين الذين قد يكونون عرضة لأي تهديد بسبب النزاع العشائري بين عشيرتين”.
إلا أن الشيخ سالم صغير الكبر، استبعد خطورة تأثير العشائر على مجريات الانتخابات وعمليات التصويت. مؤكدا على أن التأثير سيكون محدودا على المرشحين الذين ينحدرون من قبائل لديها نزاع عشائري.
وقال الشيخ الكبر إن “النزاعات العشائرية المسلحة ستؤثر كثيرا على المرشح الذي لديه نزاع عشائري مع عشيرة أخرى، فهو لن يستطيع أن يأخذ حقه ودوره في الترويج لحملته الدعائية الانتخابية، ولن يستطيع التواصل مع الناخبين بسبب تلك النزاعات والمخاوف المحتملة منها، فضلا عن تعرض المدنيين للأخطار جراء استخدام السلاح وبالتالي هذا سيؤثر على أمنهم، وقد يتعذر وصولهم إلى مراكز الاقتراع”.
وحمل الشيخ البوطرة ضعف الحكومة العراقية السبب وراء انفلات العشائر، قائلا “كلما ضعف القانون تصاعد الحس العشائري والقوى العشائرية ستتصدر المشهد، بالتالي نحن نضع كل اللوم على الحكومة وضعفها في تطبيق القانون، وأسباب ذلك الأحزاب والتيارات الفاسدة التي لم تسمح بتطبيق القانون بصورة صحيحة، والذي يطبق على الطبقات الفقيرة من المجتمع”.
ويوافق هاوري كمال الأكاديمي المختص في القانون الدولي والدستوري، رأي الشيخ البوطرة، مؤكدا بأن “هذه الانتخابات المبكرة هي وليدة الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولا أعتقد بأنها ستخلص العراق من أزماته المتراكمة، وعلينا أن نسأل عما سيحدث من مشاكل في مرحلة ما بعد الانتخابات وإعلان النتائج ودخول الأحزاب في صراعات من أجل السيطرة على الأوضاع في العراق”.
وتساءل كمال “كيف ستضمن الحكومة نزاهة وشفافية الإجراءات الانتخابية بينما الميليشيات المسلحة هي من يتحكم بالأمور ولا تلتزم بأوامر القائد العام للقوات المسلحة وتعلن عدم اعترافها بالحكومة، فهناك من يخشى على حياته ولا يغامر بالذهاب إلى مراكز الاقتراع إذا ما عرف بسيطرة الميليشيات على هذه المنطقة أو تلك، خاصة في المناطق السنية”.
صحيفة العرب