تثير التوترات الصينية – الأميركية المتزايدة توقعات بأن تعقّد جهود الولايات المتحدة لتقييد برنامج إيران النووي، رغم ما تبديه الصين من لامبالاة تجاه الملف الإيراني.
ولفت تجاهل المبعوث الأميركي الخاص إلى إيران روبرت مالي للصين خلال جولة قام بها إلى روسيا وأوروبا الغربية انتباه المتابعين الذين اعتبروه مؤشرا على إمكانية تعقيد التوتر للجهود الأميركية في محاصرة البرنامج النووي الإيراني.
وتعتمد الصين سياسة غير داعمة بشكل واضح لإيران، لكن خبراء يرصدون ذلك الدعم من خلال مواقفها المعارضة لمواقف الغرب ويوقولون إنها فوضت روسيا لخوض المفاوضات الصعبة وعندما حان وقت التصويت دعمت كل ما يدعمه الروس.
جون بي ألترمان: سيستمر تزايد القلق في دول الخليج وإسرائيل بشأن كيفية احتواء طموحات إيران الإقليمية
ويرصد جون بي ألترمان نائب رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية مؤشرات التصعيد الدبلوماسي الأميركي – الصيني الذي يعزز توقعات بأن تتخذ الصين هذه المرة موقفا واضحا داعما لإيران.
ويرى ألترمان أن المؤشر الأول هو المضمون العام للدبلوماسية الصينية – الأميركية، حيث كانت النبرة اتهامية عندما التقى مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ووزير الخارجية أنتوني بلينكن كبار الدبلوماسيين الصينيين في أنكوراج في مارس. ثم سارت الزيارات الأميركية الكبيرة اللاحقة إلى الصين بشكل سيء. وفي يوليو الماضي واجه نائب وزير الخارجية ويندي شيرمان مشكلة في تأمين اجتماعات مع نظرائه المناسبين، وسافر مبعوث المناخ (ووزير الخارجية السابق) جون كيري إلى الصين في سبتمبر واستقبله مسؤول منخفض المستوى وعقد اجتماعاته الرئيسية عبر تطبيق زوم بعد أسابيع من لقاء المسؤولين الكبار مع قيادة طالبان وجها لوجه. وتبدو دبلوماسية “الذئب المحارب” الصينية واضحة: تشكو الصين صراحة من سلوك الولايات المتحدة، وهي تسخر من تراجع واشنطن، وتهدد بأن يكون لتحدي بكين عواقب. ويزداد سياق التعاون الصيني – الأميركي الواسع سوءا.
وأضاف ألترمان “نذكر ثانيا الانتهاك الصيني الصريح للعقوبات الأميركية على إيران بدءا من ولاية دونالد ترامب، وأكثر في ظل إدارة جو بايدن. حيث كانت الصين تستورد النفط الإيراني في انتهاك صريح للقانون الأميركي. ورأى فريق بايدن أن عدم تطبيق العقوبات هو بادرة هادئة لحسن النية لكل من إيران والصين. وحصلت إيران على أموال كانت بأمس الحاجة إليها وتضاءلت معاناة شعبها. واستفادت الصين في المقابل من تخفيض في ثمن مقتنياتها النفطية. ونمت واردات الصين من تدفق ضئيل إلى فيضان في الربيع، حتى بلغ حوالي مليون برميل يوميا في مايو. ونظرا إلى أن مستقبل المفاوضات النووية أصبح الآن موضع شك، فمن غير الواضح كيف ستتعامل إيران مع حسن نيّة الولايات المتحدة، ومن غير الواضح أيضا ما إذا كانت الصين ستكون على استعداد لإيقاف الواردات بغض النظر عن مدى مطالبة الولايات المتحدة بذلك”.
والمؤشر الثالث بحسب ألترمان “هو غياب الصين الملحوظ عن الجهود الجماعية التي تبذلها مجموعة 5 + 1 لإعادة إيران إلى الامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة”.
ولدى الصين مخاوف جدية بشأن الانتشار الإيراني أيضا، لكنها تتصرف عكس الجهود العالمية لتقييدها. وتبدي الصين رغبة في حل تفاوضي للنزاع، لكنها تسعى في الوقت نفسه لإبرام اتفاقياتها الخاصة مع إيران، بناءً على قوتها الاقتصادية الساحقة التي تتجاوز الحجم النسبي لاقتصاديات البلدين.
وتمثل المعاملات مع الصين حوالي ثلث التجارة الإيرانية، بينما تمثل إيران أقل من 1 في المئة من التجارة الصينية. ويبلغ حجم الاقتصاد الصيني 30 ضعف حجم الاقتصاد الإيراني، كما يبلغ عدد سكانها 18 ضعفا. ويقول ألترمان تعليقا على اختلال الميزان التجاري بين البلدين “إن الصين فيل، وإيران نملة”.
ورغم أن الصين ترى في الانتشار الإيراني أمرا غير مرغوب فيه، إلا أنها لا تشعر بالتهديد من طهران. وتعتبر الصين إيران، بدلا من ذلك، أداة مفيدة لاستخدامها في سياستها الخارجية، حيث تعد المسافة التي تُبعدها أو تقرّبها منها وسيلة للاقتراب أو الابتعاد عن الولايات المتحدة وحلفائها.
ولا تبدو هذه التطورات جيّدة بالنسبة إلى الولايات المتحدة حيث لا تزال وجهات نظر القيادة الإيرانية تجاه المفاوضات النووية غير واضحة، ولكن هناك علامات متزايدة على أن حكومة إبراهيم رئيسي أصبحت أشدّ ارتيابا تجاه الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى، وهي مصممة على الصمود ضد العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة.
الصين تسعى لإبرام اتفاقياتها الخاصة مع إيران بناء على قوتها الاقتصادية
الصين تسعى لإبرام اتفاقياتها الخاصة مع إيران بناء على قوتها الاقتصادية
وباتت الصين التي تركز بشكل متزايد على تقويض قوة الولايات المتحدة ونفوذها داعما للمقاومة الإيرانية، وتحقق أهدافا مزدوجة تتمثل في كسب تأييد خاص مع إيران (الأمر الذي ستكون له فوائد اقتصادية لبكين) وتقويض موقف الولايات المتحدة الدولي.
ويقول ألترمان في مقال لموقع “عرب دايجست”، “يبدو أن إدارة بايدن تدرك العواقب العالمية، كما تظهر التوترات الحالية مع فرنسا. ولكن حتى الآن، لا يبدو أن لديها استراتيجية واضحة لمتابعة المصالح الدبلوماسية المشتركة مع الصين مع تجزئة التوترات الثنائية”.
وأضاف “تعتبر إيران مثالا مثيرا للاهتمام بشأن طريقة إدارة الولايات المتحدة لمهمة كهذه مع روسيا. وإذا تمكنت الولايات المتحدة من إدارة حيلة مماثلة مع الصين بشأن قضايا إيران، فقد يمتد ذلك إلى قضايا أخرى مثل المناخ. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فقد يكون من الصعب بالنسبة إلى الولايات المتحدة أن تكسب عودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، ناهيك عن الاتفاقية ‘الأطول والأقوى’ التي حددتها الإدارة كهدف لها. وسيستمر تزايد القلق في دول الخليج وإسرائيل بشأن كيفية احتواء طموحات إيران الإقليمية ومنعها من اكتساب القدرة على صنع أسلحة نووية”.
صحيفة العرب