استبق الروس القمة التي ستجمع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، في سوتشي في 29 الشهر الحالي، بقصف غير مسبوق على المناطق الخاضعة لأنقرة في الشمال الغربي من سورية، في رسالة واضحة أن موسكو تريد تنازلات لصالح نظام بشار الأسد لتفادي تجدد الأعمال القتالية.
وأكد ناشطون محليون وشبكات إخبارية محلية أن الطائرات الحربية الروسية استهدفت صباح أمس الأحد بأكثر من ثلاث غارات جويّة منطقة براد التابعة لناحية عفرين شمال غربي حلب، ما أسفر عن مقتل 7 أشخاص وإصابة آخرين. وبحسب نشطاء إعلاميين، فإن الغارات جاءت بعد تحليق لأكثر من 10 ساعات لطائرات الاستطلاع الروسية في سماء منطقة عفرين، الخاضعة للنفوذ التركي عن طريق فصائل معارضة موالية لأنقرة.
توقع مصطفى البكور تصعيداً روسياً أكبر قبيل قمة سوتشي
من جهته، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى مقتل 7 من عناصر من فصيل “فرقة الحمزة”، التابع لـ”الجبهة السورية للتحرير”، وهي تكتل عسكري تابع لـ”الجيش الوطني” المعارض، جراء قصف جوي روسي استهدف مقراً عسكرياً للفرقة في قرية براد ضمن جبل الأحلام بريف مدينة عفرين شمالي غرب حلب، مؤكداً إصابة 11 من عناصر الفرقة أُسعفوا إلى النقاط الطبية والمستشفيات في منطقة عفرين.
وأكد مصطفى سيجري، وهو قيادي في الجبهة، “ارتقاء عدد من أبناء الجبهة السورية للتحرير في قصف لطيران الاحتلال الروسي على أحد معسكرات الجبهة في منطقة عفرين”. واعتبر، في سلسلة تغريدات على “تويتر”، التصعيد الروسي “رسالة واضحة قبيل انعقاد القمة التركية الروسية، ومفادها ألا حدود أو خطوط حمراً للإجرام الروسي بهدف تطبيق الرؤية والأهداف الروسية في سورية”.
تقارير عربية
أيام حاسمة في إدلب السورية قبيل سوتشي
وكان الطيران الحربي الروسي قد قصف مساء السبت الماضي قريتي بصلحايا وجلبل جنوب شرق مدينة عفرين بريف حلب الشمالي بعدة غارات، استهدفت محيط إحدى القواعد التركية في المنطقة، ما أدّى إلى استنفار عام لجميع القواعد التركية المنتشرة في مناطق عفرين وإعزاز، وصولاً إلى مدينة الباب شمال شرق حلب، بحسب شبكات أنباء محلية. وجاءت الغارات غداة تصريحات لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، زعم فيها أنه ثمة “بؤرة إرهابية واحدة متبقية في سورية، وهي إدلب، ولا مشكلة بمكافحة الإرهاب هناك”، مهدداً، في الوقت ذاته، بوقف إيصال المساعدات الأممية إلى شمال غرب سورية في حال عدم التعاون مع النظام السوري. كما زعم لافروف أن مواقع القوات الروسية، ومواقع قوات النظام السوري، “تتعرض لهجمات في منطقة وقف التصعيد ولن نسمح بذلك”، مكرراً مزاعم موسكو بأن القوات الروسية تستخدم القوة العسكرية هناك ضد “الإرهابيين” بناء على قرار من مجلس الأمن. وأضاف: “الوضع في شمال غرب سورية… نستخدم القوة هناك بناء على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 القاضي بمكافحة الإرهاب بحزم في سورية”.
ودأب الجانب الروسي على رفع وتيرة التصعيد العسكري قبيل أي قمة تجمع بوتين وأردوغان للتباحث في قضايا تخصّ الشأن السوري. ويجتمع الرئيسان مجدداً في مدينة سوتشي الروسية في 29 سبتمبر/ أيلول الحالي، ومن المتوقع أن يحضر ملف الشمال الغربي من سورية بقوة على طاولة التباحث. ومن المرجح أن يطالب الروس بـ”تنازلات” من الأتراك لصالح النظام السوري على عدة صعد، لعل أبرزها استعادة الحركة على طريق “أم 4″، الذي يربط الساحل بالشمال السوري، ويعبر ريف إدلب الجنوبي، والذي تسيطر فصائل معارضة على الجانب الأهم منه. كما يضغط الروس باتجاه فتح المعابر الداخلية بين مناطق المعارضة والنظام في ريفي حلب وإدلب، مهددين بإعطاء النظام الضوء الأخضر للتقدم على الأرض تحت غطاء ناري من الطيران الروسي للسيطرة على طريق “أم 4” بالقوة، ما يعني وقوع معارك كبرى، إذ من المتوقع أن تستميت الفصائل المعارضة بالدفاع عن مناطق نفوذها جنوب الطريق المذكور أو في محيطه، وأبرزها مدينة أريحا ومنطقة جبل الزاوية التي تضم 33 بلدة وقرية.
وتوقع العقيد مصطفى البكور، وهو قيادي في فصائل المعارضة السورية في محافظة إدلب، في حديث مع “العربي الجديد”، تصعيداً روسياً أكبر قبيل قمة سوتشي. ورأى البكور أن تركيا “وحيدة اليوم بوجه التحالف الروسي الإيراني الأسدي”، مضيفاً: “هناك تراجع غربي عن الاهتمام بالشأن السوري”. إلا أن البكور لا يتوقع عمليات عسكرية واسعة للنظام في شمال غربي سورية، مشيراً إلى أن منطقة شرقي نهر الفرات أكثر أهمية للروس من محافظة إدلب حالياً.
عبد الواحد: الروس يريدون السيطرة بشكل كامل على “أم 4”
إلى ذلك، احتفى إعلام النظام السوري بالغارات الروسية على مناطق النفوذ التركي في شمال سورية. وقالت صحيفة “الوطن”، أمس الأحد، إن “زيادة حدة القصف الجوي الروسي ضد المليشيات التابعة للنظام التركي، لا تدع مجالاً للشك بأن القيادة الروسية عازمة على فرض تغيير جوهري على سلوك أردوغان في (منطقة) خفض التصعيد (إدلب وما حولها)”. واعتبرت أن استهداف منطقة عفرين من قبل الطيران الروسي “نوع من رسائل الضغط”، في سياق ما يمكن تسميته “الحرب الدبلوماسية” التي تنتهجها موسكو إزاء أنقرة.
المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي طه عبد الواحد رأى، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الجانب الروسي “يرفع سقف المفاوضات مع الجانب التركي حول الوضع في إدلب، وحول سورية بشكل عام”، مضيفاً: “المسألة الواضحة أن الروس يريدون كامل السيطرة على أم 4 باعتباره واحداً من الشرايين الرئيسية لتحسين التبادل التجاري، وبالتالي خلق أي مقومات، مهما كانت متدنية، لمحاولة إنعاش اقتصاد النظام”. كما رأى عبد الواحد أن “روسيا تسعى إلى ما هو أكثر من ذلك. تريد ترتيبات معينة مع الأتراك، عبر الضغط العسكري تسمح باستعادة سيطرة أوسع على إدلب، أو حتى السماح بتمثيل مؤسسات النظام السوري فيها”. ولفت إلى أن الروس “سيصرون خلال القمة على موضوع استئصال هيئة تحرير الشام”، مضيفاً: “باختصار لم يتراجع الروس عن سعيهم لاستعادة كامل السيطرة على الأراضي السورية، لقناعتهم أن هذه الخطوة ستكون حاسمة في موضوع إعادة تأهيل النظام وإرغام المجتمع الدولي على التعامل معه”. وتابع: “يرون (الروس) أن الوضع السياسي والمواقف الدولية باتت أكثر استعداداً لتقبل فكرة التعاطي مع النظام السوري، على الأقل باعتباره “سلطة الأمر الواقع”.
العربي الجديد