لم يوفر رئيس تحالف الفتح، هادي العامري، أي فرصة للظهور خلال دعايته الانتخابية، دون الدفاع المستميت عن نموذج «الحشد الشعبي» الحالي. في آخر مناسبة ظهر فيها الأسبوع الماضي في مدينة بعقوبة (شرق بغداد)، قال العامري: «سندفع دماءنا لمنع حل الحشد».
ما يقوله العامري، يمثل خطاباً شاملاً للقوى الشيعية القريبة من إيران التي يبدو أن حملاتها الانتخابية تقوم بشكل أساسي على ابتكار استقطاب شيعي أساسه مصير الحشد. «هذه انتخابات الحشد»، يقول قيس الخزعلي، زعيم «عصائب أهل الحق» في مقابلة متلفزة حاول فيها مراراً حصر أهمية الاقتراع المقبل بحماية الحشد من الحل أو الدمج مع القوات الأمنية العراقية، ضمن وزارتي الدفاع والداخلية.
الحشد الذي تأسس بناء على فتوى المرجع الديني علي السيستاني، لمحاربة تنظيم «داعش»، وبعد انتهاء معارك التحرير، تحول تدريجياً إلى سلاح وظيفته حماية النفوذ السياسي للقوى الشيعية. ومن نتائج انتخابات عام 2018 التي شهدت صعود الأذرع السياسية للحشد، فإن الأخيرة تحاول في الاقتراع المقبل تتويج المسار المتصاعد للسيطرة على النطام السياسي، عن طريق تحول الحشد إلى مفتاح حصري لبناء السلطة، ورسم هوية النظام السياسي.
الخزعلي جمهوره، والعراقيين، إلى أن يكون مبرر تصويتهم على أساس حماية الحشد، وأن يمنحوا أصواتهم لمن «يحمي المشروع».
في الأسبوع الماضي أيضاً، أصدر رجل دين شيعي، يثير الجدل منذ سنوات، فتوى تحرم التصويت لمن يعادي الحشد، ومن «يؤيد التطبيع». هذه لم تكن المرة الأولى التي يتصاعد فيها نشاط المرجعيات الدينية للتأثير على مزاج الجمهور الانتخابي.
في غالبية الجولات الانتخابية السابقة، تصوغ المؤسسات الشيعية، الحزبية والدينية، محركات «عصبية» لهندسة الجمهور، تصنف المعارضين لها، بالضرورة، مناهضين للمكوّن، أو مشاريع بمحمول وطني شديد الاستقطاب. «هذه الانتخابات فاصلة بين محوري الحشد والتطبيع (مع إسرائيل)»، ما يقوله الخزعلي يأتي في إطار هذا التكتيك الشيعي القديم.
التحفز للدفاع عن الحشد، وحمايته من الحل، كان تعبيراً عن مخاوف الفصائل المسلحة من الشركاء الشيعة، الذين طرحوا خلال الشهور الماضية، أفكاراً عن إعادة هيكلة الحشد.
ائتلاف «النصر» بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، يذهب باتجاه سيطرة القائد العام للقوات المسلحة على عناصر الحشد، لكن ثقله السياسي لا يسمح بفرض هذا المصير التنظيمي، إلا إذا انخرط مع آخرين في تحالف يقوده زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر. في النهاية، تغيير هيكلة وقيادة الحشد يحتاج إلى رافعة سياسية قوية، بإمكانها ردع الفصائل.
ومع أن الصدر ينتهي إلى لاعب متمرس في السياسة العراقية، ويراهن على التحكم بالسلطة في السنوات الأربع المقبلة، فإن مشروعه لهيكلة الحشد لا يعني بالضرورة حله بشكل نهائي، بل جعله تحت سيطرة رئيس وزراء صدري. هنا يمكن توقع تصفية الحسابات مع خصومه، وإعادة توزيع النفوذ بين القوى الشيعية المهيمنة على الحشد.