للمرة الأولى منذ عام 2003، سيُحرم العراقيون في الخارج من حق الاقتراع، الذي كفله لهم الدستور، على الرغم من تجاوز أصواتهم المليون مواطن، بعد قرار صدر عن المفوضية العليا للانتخابات، التي نظمت في دورات سابقة مشاركتهم في التصويت عبر الممثليات الدبلوماسية.
الأمن الانتخابي
وعن حيثيات هذا الاقصاء، يشير الدكتور محمد حسين الرفاعي، أستاذ علم اجتماع الدولة والاقتصاد السياسي في الجامعة اللبنانية، إلى ما أعلنته المفوضية في قرارها بأن هذا الإجراء جاء لضمان نزاهة الانتخابات والعمل على عدم تزويرها. ويقول “هذا يفتح أمامنا مسألتَيْن أساسيَّتين للنقاش، أولهما يتجسد بألا يقع على عاتق المفوضية موضوع الأمن الانتخابي، وضمان عدم التلاعب بالأصوات”.
أما الثاني، وفق الرفاعي، فيتجسد “في حرمان أكثر من مليون شخص من التصويت، وهو بمثابة اقصاء حق من الحقوق المدنية الأساسية لدى الإنسان الحديث. ولعلَّ الحجج التي تقدمها المفوضية، والمتعلقة بمعوقات مالية وفنية وقانونية وصحية، تحجب حقيقة أن النظام السياسي قد وجد تغيُّراً في اتجاهات الناخبين المغتربين، خصوصاً أن أكثرهم يعيش في بلاد تتمتع بالديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة، وهذا ما يُسهم في إيمانهم بمبادئ سياسية واجتماعية ووطنية قد تغير من النتائج التي تريدها الأحزاب المسيطرة والمتحكمة بمفاصل البلاد”.
ويوضح أن “من يُمثِّل الشعب عند ناخبي الخارج، لا يمكن أن يكون من الأحزاب التي حالت دون الانتقال إلى مفاهيم الديمقراطية والمواطنية. وشهد العالم بأسره دور وفاعلية عراقيي الخارج في الحركة المجتمعية التي انطلقت في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) 2019”.
إجراء تعسفي
وعن استثناء العراقيين في الخارج من المشاركة في الانتخابات، تشير الإعلامية والكاتبة العراقية سعاد الجزائري، المقيمة في إنجلترا، إلى أنه في “أي بلد حر وديمقراطي لا يُسلب حق المواطن في الانتخاب، أو اختيار من يمثله. واستبعاد أي فئة هو أمر عقابي من دون ارتكاب خطأ أو جرم ما”.
وتعد الجزائري هذا الإجراء تعسفياً بحق أكثر من مليون مواطن، وينطوي على تجريدهم من مواطنتهم، بخاصة أن الغالبية العظمى منهم تركت العراق قسراً وليس اختيارياً، ولأسباب سياسية بحتة، سواء قبل عام 2003 أو بعده.
وتضيف “إن تقصّينا عن الحقيقة الكامنة خلف هذا الإجراء، نجد أنه يسهم بتعميق الفجوة بين عراقيي الداخل والخارج، ويحرم عراقيي الخارج من حقٍ دستوري”، إضافة إلى أنه يضعف عنصر الانتماء للوطن، وهذا يخدم مصالح الأحزاب والقوى السياسية التي قسّمت العراق وحولته إلى شظايا، في مسعاها لإضعاف مشاركة شرائح واعية في الانتخابات.
وتوضح أن “عراقيي الخارج لا يخضعون لترهيب الميليشيات أو ضغوط الأحزاب المتنفذة، ولا يمكن التعرض لمصالحهم الشخصية والمهنية أو حتى حياتهم. لذلك، فإن تصويتهم يكون نسبياً غير خاضع للضغوط القسرية أو التهديد وتحديداً أثناء العملية الانتخابية”.
تغيير موازين القوى
من جهته، يقول الصحافي المتخصص بقضايا البيئة وتغير المناخ خالد سليمان إنه “قرار سياسي لا يرتبط بمشكلات تقنية أو لوجستية، لأن هناك سفارات وقنصليات عراقية في جميع البلدان التي توجد فيها أعداد كبيرة من العراقيين. من جانب آخر، ليس هناك أي مانع من قبل الدول التي تعيش فيها الجاليات العراقية، ذلك أن التصويت يتم في السفارات والقنصليات وليس على أراضيها، كما حدث في انتخابات عام 2005”.
ويضيف “يمكن القول إن شبح الأحزاب السياسية وراء القرار، بخاصة أن عراقيي الخارج لا يخضعون لنفوذها”.
ويوضح “من شأن أكثر من مليون ناخب عراقي تغيير موازين القوى، الأمر الذي دفع المفوضية العليا لاتخاذ قرار مجحف بحقهم، وهو ما يقوّض شرعية الانتخابات أساساً”.
اقرأ المزيد
هل تغير الانتخابات وجه العراق؟
الشعارات الانتخابية في العراق… فوضى الوعود تتعدى على المجال العام
أما الباحث والأكاديمي ماجد الربيعي، المقيم في بلجيكا، فيعتقد أن “قرار الاقصاء في مصلحة عراقيي الخارج، لأنه سيرفع عنهم عبء المشاركة في انتخابات صورية لن تفضي إلى أي تغيير في المشهد السياسي، بسبب ما سيحدث من خروقات عديدة، سواء من حيث التزوير أو التهديد أو الرشى أو الخداع. وستبقى أحزاب الإسلام السياسي ممسكة بمقود السلطة والنفوذ، وإن اضطرت لتأكيد ذلك بقوة السلاح”.
وتصف الإعلامية شيماء عماد زبير، التي تعيش في مصر، القرار بأنه “غير سليم وفيه ظلم كبير وهو مصادرة لحقنا في التصويت. إذ كان الأولى بالمفوضية العمل على رسم سياقات أمنية تضمن سلامة التصويت”.
وتقول إن “أغلب عراقيي الخارج من الكفاءات العلمية ويمكنهم تشخيص الاختيار السليم، من خلال حرصهم على تغيير حقيقي في البلاد، وبرز ذلك خلال مساندتهم لثورة أكتوبر”.
المفوضية العليا للانتخابات
ووفق ما أفادت أحلام الجابري، عضو المفوضية العليا للانتخابات، فإن نص قرار مجلس المفوضية رقم 1 للمحضر الاستثنائي المرقم 17 والمؤرخ في 22 مارس (آذار) الماضي، تضمن توجيهاً من رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي في جلسته الاعتيادية في 16 مارس بأن تتولى المفوضية المسؤولية الكاملة بشأن اتخاذ القرار الملائم لحسم موضوع إجراء انتخابات الخارج.
وقد بررت المفوضية قرارها بعدم وجود وقت كاف لتجهيز العملية بالنسبة إلى عراقيي الخارج، بالإضافة الأوضاع الحرجة التي فرضها انتشار وباء كورونا وحماية الانتخابات من التزوير.
وعن العدد التقريبي للعراقيين الذين يعيشون خارج البلاد، أوضح المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة محمد الهنداوي أنه “لا تتوفر أي بيانات عن عددهم. وبالرغم من كل المحاولات، كان الإقبال ضعيفاً ولم يُسجَل من البيانات سوى عدد محدود، إذ لا توجد جهة يمكنها الوصول إليهم وتسجيل بياناتهم”.
من جهته، يقول الخبير القانوني حيدر الصوفي “بعد مناقشة السلبيات التي حظيت بها الانتخابات السابقة شُرِّع قانون الاكتفاء بانتخابات الداخل، إذ إن الإقبال كان ضعيفاً مقابل صرف ما لا يقل عن 200 مليون دولار في الدورة السابقة”.
ويضيف الصوفي “أدت عمليات التزوير والتواطؤ بين الموظفين والمرشحين إلى ظهور نتائج غير دقيقة”، مشيراً إلى أسباب أخرى مثل كورونا وصعوبة السفر، وعدم قدرة المفوضية على السيطرة على انتخابات الخارج، في ظل التدقيق اليدوي وإمكانية التلاعب بصناديق الإقتراع.
وعن عمليات التزوير، يقول الإعلامي نجم علي جدوع، الذي يعيش في الولايات المتحدة، أنه شارك في دورتين انتخابيتين سابقتين “وكانت الصناديق التي ترسل إلى بغداد مزورة وتختلف عن صناديق الانتخابات الحقيقية. والأحزاب هي المتحكمة في ترشيح كل العاملين في المراكز الانتخابية. ويتم ذلك مقابل مكافأة مالية تصل إلى أكثر من ألف دولار مقابل العمل لثلاثة أيام فقط”.
شذى عاملي
اندبندت العربية