تأمل الحكومة الليبية في أن يكون مؤتمر استقرار ليبيا فرصة تجمع الفرقاء الليبيين وتوفق بينهم بما يضمن تحقيق مخرجات مؤتمريْ برلين 1 و2 التي تتمثل في ضرورة إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من البلاد وضمان وقف إطلاق النار وإجراء الانتخابات المقررة في ديسمبر القادم، علّها تكون خطوات نحو تثبيت الأمن والاستقرار في البلاد بعد سنوات من التناحر.
طرابلس – تواصل وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش جولتها الخليجية حيث تسلّم دعوات لحكومات المنطقة لحضور مؤتمر استقرار ليبيا الذي سينعقد في الحادي والعشرين من أكتوبر الجاري، والذي سيكون أول مؤتمر دولي حول ليبيا ينتظم داخل أراضيها بمبادرة وإشراف من سلطاتها الحكومية وبدعم مباشر من الأمم المتحدة.
وتعوّل ليبيا على أن يكون المؤتمر تمهيدا إيجابيا للانتخابات التي يدفع المجتمع الدولي نحو تنظيمها في موعدها المحدد للرابع والعشرين من ديسمبر القادم، وعلى أن يجتمع مختلف الفرقاء حول توافقات تساهم في تجاوز الأزمة المستفحلة منذ عشر سنوات، وفي الوصول “بالبلاد إلى بر الأمان وحالة من الاستقرار تتيح المجال لتوافق على دستور دائم للبلاد”.
مبادرة لتحقيق الاستقرار
حملات التحريض والتجييش وبث خطاب الكراهية لا تزال متواصلة، وخاصة من قبل الأطراف المستفيدة من ديمومة النزاع
تروّج السلطات المركزية في طرابلس للملتقى على أنه مبادرة وطنية ليبية، وأنه صناعة محلية لكنها تحظى بدعم إقليمي ودولي وستتم بحضور واسع للدول دائمة العضوية بمجلس الأمن ودول الجوار وعدد من الدول العربية ومن دول الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي وكافة الدول التي سبق وأن شاركت في مؤتمري برلين 1 و2 إلى جانب الأمم المتحدة.
وسيكون هذا المؤتمر الأول من نوعه الذي تديره وتشرف عليه ليبيا منذ العام 2011.
وقالت المنقوش إن الهدف من إعلان مبادرة استقرار ليبيا هو أن تكون بقيادة وتوجّه ليبيَّيْن وطنيّيْن. وأشارت إلى أن رؤية المبادرة تتكون من مسارين؛ الأول عسكري وأمني والثاني اقتصادي، مضيفة أن المسار الأمني والعسكري يعد التحدي الأكبر الذي يواجه ليبيا اليوم، خاصة مع تقدمها نحو الانتخابات الوطنية العامة، وهو ما يتطلب -وبدعم من شركاء ليبيا وحلفائها- العمل على توحيد الجيش الليبي تحت قيادة واحدة لإعلاء السيادة الليبية، ودمج المجموعات المسلحة وتأهيلها، وكذلك سحب المرتزقة والقوات الأجنبية الذين يشكل استمرار وجودهم تهديداً ليس فقط لليبيا بل للمنطقة بأسرها.
وأكدت الوزيرة على أن الهدف من المبادرة هو وضع الآليات التنفيذية الضرورية لتحقيق الاستقرار، وتمهيد الطريق وصولاً إلى الهدف الأسمى وهو ضمان استدامة الاستقرار والسلام.
وينتظر أن تحشد ليبيا الدعم التقني بشأن تأمين الانتخابات بصورة شفافة ونزيهة، فيما كشف المجلس الرئاسي الليبي عن استعداده لطرح مبادرة يقول إنها ستساهم في حلحلة الأزمة السياسية وستساعد على تنظيم الانتخابات وتأمين القبول بنتائجها من قبل جميع الأطراف، وذلك بالتوجه نحو دعوة بعض الأطراف المعنية للتنازل من أجل الوطن، وعدم التقدم للترشح في الانتخابات القادمة.
يرى مراقبون محليون أن المؤتمر لا يمكن أن يكتفي بأن يكون لقاء استعراضيا ينفضّ على جملة من التوصيات مهما كانت أهميتها، لأن الوضع في البلاد متداخل ليس فقط بسبب التدخلات الخارجية، ولكن كذلك بسبب الصراعات الداخلية على ثالوث الثروة والسلاح والسلطة، وهو ما يعني أن أهم خطوة لإرساء الاستقرار هي التوافق بين أطراف النزاع الذين لم يتبين بعد مستوى حضورهم ليس في فعاليات المؤتمر فحسب، وإنما في الاجتماعات التمهيدية التي ستعد خلالها التوصيات والمواقف والقرارات.
ويضيف المراقبون أن “استقرار ليبيا” يحتاج إلى خطوات جريئة، منها تنفيذ كافة بنود الاتفاق العسكري المبرم في الثالث والعشرين من أكتوبر 2020، وتوصيات مؤتمري برلين وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بملف إجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة وحل الميليشيات وجمع السلاح وتوحيد الجيش والأمن، وإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين، وتدشين مشروع المصالحة الوطنية دون مساومات رخيصة لغايات سياسية قد تفرضها بعض الأطراف التي تحاول تحديد المسارات من منطلق النصر والهزيمة أو الربح والخسارة خلال سنوات الصراع الدموي بداية من العام 2011.
وستنادي ليبيا خلال الملتقى بالنظر في إمكانية تشكيل لجنة دولية لتفقد وتقييم الأوضاع الأمنية والهياكل الفنية على الأرض وتحديد مدى استعدادها لإجراء انتخابات عامة بنجاح قبل الموعد المحدد للانتخابات، وتقديم الدعم في مجال مكافحة الإرهاب والتعاون في الجهود الرامية إلى ملاحقة الأفراد والجماعات التي لها ارتباط مباشر أو غير مباشر بالأعمال الإرهابية وفقاً للالتزامات المحددة بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 1373 لعام 2001 وغيره من القرارات ذات الصلة، ودعم مسار العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، بما في ذلك عمل المفوضية العليا للمصالحة الوطنية، ونشر الوعي بحقوق الإنسان وانتهاج خطاب ديني وخطاب إعلامي يدعو إلى التسامح ونبذ العنف والتطرف والانتقام.
كما سيؤكد الملتقى على أن نجاح مبادرة تحقيق الاستقرار في ليبيا يحتاج إلى محاسبة المعرقلين من خلال التنفيذ الأمثل لنظام العقوبات الواردة في قرارات مجلس الأمن، مع دعوة المجتمع الدولي إلى إيلاء الأولوية لأن تشمل العقوبات المشاركين في أعمال تهدد السلام أو الاستقرار أو الأمن في ليبيا أو تعرقل أو تقوض نجاح عملية تحولها السياسي، أو من يقدمون الدعم لتلك الأعمال، وتشمل هذه الأعمال عرقلة أو تقويض الانتخابات، والمتورطين في نظام حظر توريد السلاح بموجب قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، والمتورطين في المتاجرة غير المشروعة بالأسلحة والمعدات العسكرية الأخرى للجماعات المسلحة.
وتنسجم هذه الرؤية مع قرارات مجلس الأمن وقانون “دعم الاستقرار في ليبيا” الذي صادق عليه الكونغرس الأميركي الأسبوع الماضي، والذي يقضي بفرض عقوبات على معرقلي الاستقرار والعملية السياسية في ليبيا. كما ينص على الطلب من الرئيس الأميركي جو بايدن معاقبة من يقوم بأفعال تهدد السلام والاستقرار في ليبيا، أو مسؤول أو متواطئ في انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا، أو سرق أصول الدولة الليبية أو مواردها الطبيعية.
كما سينظر المؤتمر في آليات توحيد كافة المؤسسات المالية وأهمها المصرف المركزي، ورفع التجميد عن الأرصدة الليبية في الخارج، للاستفادة منها في مشروعات إعادة الإعمار والتنمية، وتمكين الدولة من متابعة الأموال المجمدة وإدارتها لزيادة عوائدها خلال فترة تجميدها بما يضمن تجنب تآكلها أو التصرف فيها تصرفا غير مشروع، والأخذ في الاعتبار ما ورد في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2571، الذي يكفل فيه المجلس أن تتاح للشعب الليبي في مرحلة لاحقة الأصول المجمدة، ويؤكد استعداده للنظر في إدخال تغييرات على تدابير تجميد الأصول بناءً على طلب من الحكومة الليبية، حماية للاستثمارات والممتلكات التابعة للدولة في الخارج.
وفي تقديمها للمبادرة قالت وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش “نحن الآن في مرحلة تحتم الدفع بالقضية الليبية باعتبارنا مسؤولين عما يحدث في البلاد ونحاول الدفع بعجلة السلام والاستقرار في ليبيا”. وأبرزت أنها تحاول التواصل مع كل الأطراف الدولية سواء كان لها ضلع في النزاع الليبي أو محايدة أو إيجابية لإيصال رسالة مفادها أن ليبيا الآن تمثلها دبلوماسية معتدلة وإيجابية تفتح أذرعها لكل دول العالم التي تهدف إلى دعم السلام والاستقرار في البلاد، مشددة على أن سيادة ليبيا فوق كل اعتبار وأن وزارة الخارجية تقف على مسافة واحدة من كل الدول وتتعامل معها بما يخدم مصلحة ليبيا.
وكان الممثل الأعلى للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أكد، خلال زيارة قصيرة إلى طرابلس في سبتمبر الماضي، استعداد الاتحاد لمساعدة ليبيا في إعادة هيكلة قواتها الأمنية وإدارة حدودها ودعم استقرارها.
وأوضح أن تحقيق الاستقرار في هذه الدولة من شأنه تسهيل إيجاد حلول إنسانية لقضية الهجرة، و”مع تحقيق الاستقرار في ليبيا، سيكون من الأسهل إيجاد حلول أكثر إنسانية للمهاجرين”.
ورغم أن الطموحات المتعلقة بمؤتمر استقرار ليبيا تبدو كبيرة، ورهانات حكومة عبدالحميد الدبيبة على الحدث المنتظر واضحة لتلميع صورة المرحلة الحالية، إلا أن التحديات تبدو أكبر بكثير، وحالة العداء بين الفرقاء لا تزال تتفاقم وتستفحل، كما أن هناك رغبات معلنة في الإقصاء المتبادل، وتكفي الإشارة هنا إلى تجمع ميليشيات “بركان الغضب” الموالية للحكومة الأحد، حيث هددت علنا بإغلاق صناديق الاقتراع في حال ترشح الرجل القوي في شرق البلاد المشير خليفة حفتر أو ابن الزعيم الليبي الراحل سيف الإسلام القذافي، كما حذرت المفوضية العليا للانتخابات من عدم ترشح حفتر، وهو ما يعني سعيا لتوجيه خيارات المفوضية من مقرها الرئيسي في العاصمة التي لا تزال تحت سيطرة تلك الميليشيات.
وترجح أوساط ليبية أن يتزامن موعد المؤتمر مع فتح باب الترشحات للانتخابات الرئاسية والبرلمانية وأن يكون غطاء سياسيا للانتخابات، لكنها تشير بالمقابل إلى أن تحديات كبيرة لا تزال تواجه المشهد السياسي والأمني لاسيما في ظل استمرار العجز الأممي والدولي عن الجمع بين القيادات الفعلية للصراع في غرفة واحدة، إذ أن الحاجز النفسي لا يزال عميقا بين الفرقاء، كما أن حملات التحريض والتجييش وبث خطاب الكراهية لا تزال متواصلة وخاصة من قبل الأطراف المستفيدة من ديمومة النزاع.
العرب