يستعدّ العراق لانتخابات نيابية مبكرة تعهدت الحكومة بإجرائها إثر موجة من الاحتجاجات الشعبية العارمة كشفت مدى الغضب الشعبي من تزايد النفوذ الإيراني في الدولة العراقية، الذي أنهكته الحروب وقذفت به نحو أزمة اقتصادية حادة وانفلات أمني وفساد مزمن يتحكم بمفاصلها ويوجهها خدمة لمصالح طهران.
لذلك تترقب الأوساط العراقية والعربية تلك الانتخابات، وسط تنافس محتدم بين الأحزاب المرشحة وكذلك بين المرشحين في الانتخابات، التي سترسم الخارطة السياسية للحكومة العراقية للسنوات الأربع القادمة. حيث تحظى نتائجها الانتخابات باهتمام محلي وإقليمي ودولي واسع لما ستسفر عنه، وانعكاسات ذلك، حيث أكد الرئيس العراقي برهم صالح، في 8 أيلول/ سبتمبر 2021، أن الانتخابات المقبلة استحقاق عراقي كبير، وستكون لها تبعات وتأثيرات على كل المنطقة.
وتتفاوت التوقعات حول نتائج الانتخابات العراقية، والكتل السياسية والأحزاب التي قد تتقدم في الجولة الجديدة لتشكيل الحكومة العراقية، وتثار تساؤلات عديدة حول تأثير هذه النتائج على علاقة العراق بإيران وبدول الخليج العربي، لا سيما في حال تقدم الأحزاب المقربة من إيران.
تنظر إيران للإنتخابات المبكرة في العراق بحساسية كبيرة، وذلك في ضوء التزاحم الكبير الذي تشهده البيئة الإنتخابية الحالية، على مستوى تنافس الكتل السياسية بصورة عامة أو التنافس الإنتخابي بين الفصائل المسلحة الموالية لها، وتحديداً ذات الأجنحة السياسية المشتركة بهذه الإنتخابات، ومن ثم فإن هذا يؤشر إلى مدى التوجس الإيراني من أن تأتي هذه الإنتخابات بجديد مؤثر على النفوذ أو الدور الإيراني في العراق.
تدرك إيران أهمية الحفاظ على الإيقاع السياسي الحالي في العراق، وتحديداً عندما يتعلق الأمر بمدى تأثير حلفائها في مسارات العملية السياسية، وإمتصاص الحالة الشعبية الرافضة للدور الإيراني، وعلى هذا الأساس فإن مجيء مجلس نواب جديد لا يخضع للتأثير الإيراني، أو على الأقل غير منساق مع السياسات الإيرانية في العراق، قد يجعل إيران وحلفائها أمام حرج كبير، سواءً تعلق الأمر بالوجود الأميركي في العراق، أو الموقف من الإتفاقية الصينية، أو حتى بالتفاعل العراقي العربي المتصاعد في الآونة الأخيرة.
لذلك يرى بعض المتابعين للشأن العراقي أن إيران تواجه تحديا كبيرا في الانتخابات النيابية، بعدما تم توجيه اتهامات مباشرة لها بالمسؤولية عن اخطاء ومشاكل النظام السياسي خلال احتجاجات تشرين الاول/2019 التي تسببت في تنظيم انتخابات مبكرة، لكن المتابعون يؤكدون ان طهران تعتمد على دورها في اعادة تنظيم التحالفات بعد الانتخابات ومفاوضات تشكيل الحكومة لتثبيت مصالحها.
إذ تعد التحدي الأكبر بعد الانتخابات هو تسمية رئيس للوزراء في عملية ستكون خاضعة لمفاوضات معقدة، ويصعب تحديد من هم المرشحون المحتملون لهذا المنصب. وعادة ما تفرض القوى الشيعية في العراق شروطا مشددة في مفاوضات تشكيل الحكومات المتعاقبة، ضمانا لمصالح إيران، وقد كانت حجر عثرة أمام تشكيل رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي حكومة جديدة العام الماضي، رغم تردي الأوضاع الاقتصادية وتصاعد السخط الشعبي من الطبقة السياسية الحاكمة.
وتقول الباحثة مارسين الشمري إن “واحدةً من الأمور التي تثير قلق إيران في العراق حالياً هي الشعور العام بالاستياء” من النفوذ الإيراني، مضيفةً “لم تتوقع إيران ذلك وهذا أمر جديد عليها التعامل معه”. وبدا الاستياء من النفوذ الإيراني واضحاً خلال الاحتجاجات الشعبية في تشرين الأول 2019، للمطالبة بإصلاحات سياسية ومحاربة الفساد وتحسين الخدمات، إذ أعرب خلالها المتظاهرون عن غضبهم حيال طهران، متهمين إياها بأنها مهندسة النظام السياسي في العراق.
بينما قلّل بعض المتابعين للشأن العراقي من أهمية نتائج الانتخابات العراقية على دول الخليج، لأن الاهتمام الخليجي والعربي بالعراق جاء متأخراً جداً، حيث أصبح العراق محتلاً بالكامل من قبل إيران. وإن إيران ستبقى مهيمنة على العراق ولن تسمح لبعض الأعضاء الجدد في الحكومة العراقية أو البرلمان بتغيير ما يحدث على أرض الواقع، فمحاولة إعادة العراق من قبل الدول الخليجية والدول العربية القريبة إلى الحضن العربي “لن تتم بطريقة بسيطة مثل تغيير في الوزراء أو تغيير في النواب وغيرها”.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية