من المحزن أن تهتز العلاقات المصرية السعودية لجملة أو عبارة فى مقال لأى كاتب سعودى قد يكون إخوانيا، أو لكلمة عابرة على لسان أى إعلامى مصرى قد لا يحب سياسة المملكة.
ومن أجل ذلك ولأسباب كثيرة أخرى فقد حان الوقت لكى يسعى البلدان لوضع أسس حقيقية راسخة لعلاقتهما، تحدد الثوابت، وتترك هامشا للحركة أمام حكومتى البلدين.
إذا كانت الخلافات تنشأ داخل الحكومة الواحدة، فهل نتوقع تطابقا فى علاقات أى بلدين؟!.
إحدى مشاكل علاقة البلدين أن المسئولين يؤكدون دائما أن العلاقات متطابقة، وبالتالى وعند حدوث أى مشكلة ولو بسيطة بسبب تجاوز عامل مصرى فى المملكة أو تصرف أرعن لسعودى بمصر، يتكهرب الجو، وتكبر المشكلة.
الوضع الراهن لا يتحمل هذا العبث، فالنظام الاقليمى العربى يتعرض لضربات متتالية، تهدد بانهياره التام، وهناك دول مهددة بالاندثار والتلاشى والتفكك، وبالتالى فوجود علاقات صحية سليمة بين مصر والسعودية يجب أن يكون أولوية قصوى حتى لا يتفاقم الانهيار العربى، خصوصا أن البلدين يعتبران ركيزتين أساسيتين فى هذا النظام.
علاقات البلدين تعرضت للشد والجذب الكثير، ووصلت لأسوأ مراحلها فى حقبة الستينيات فى القرن الماضى، ثم تحسنت نسبيا بعد حرب أكتوبر 1973، واستقرت فى عهد مبارك، وساد اعتقاد أن علاقة البلدين تقوم فقط على المنح والمساعدات السعودية، واستضافة المملكة للملايين من العمالة المصرية، ساءت العلاقات مرة أخرى بعد ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ وتنحى مبارك، الذى حزنت عليه المملكة كثيرا، لكن العلاقة شهدت أفضل مراحلها بعد ٣٠ يونيه ٢٠١٣، خلال عهد الملك الراحل عبدالله الذى دخل فى صراع وخلاف علنى مع الولايات المتحدة دعما للثورة المصرية التى أقصت جماعة الإخوان من الحكم، لكن بعد وفاة الملك عبدالله شهدت العلاقات نوعا من الفتور، يحاول الطرفان إنكاره بكل السبل الممكنة دون جدوى.
هناك تباينات بين البلدين بشأن الأزمات فى سوريا، واليمن وليبيا، وهناك أطراف إقليمية كثيرة لا تود أن ترى علاقات البلدين مستقرة وفى مقدمتهم إسرائيل المستفيد الأول من أى خلاف عربى عربى.
مرة أخرى ليس عيبا أن تختلف رؤية البلدين بشأن طريقة معالجة بعض الأزمات، لكن العيب الأكبر أن يؤدى هذا الخلاف البسيط إلى انتكاس العلاقة وتدهورها.
تقديرى المتواضع أنه حان الوقت أن يتخذ البلدان قرارا عاجلا بوضع أسس استراتيجية لعلاقتهما لا يكون من بينها العوامل الشخصية.واقترح تشكيل لجنة مشتركة تضم خبراء فى جميع المجالات تضع هذا الأسس.
مطلوب مثلا أن يدرك البلدان أنه من العبث ترك علاقتهما تهتز لهذا الملف أو ذاك، قد يكون ذلك ممكنا ومفهوما فى أوضاع مستقرة عادية، لكن ونحن الآن نشهد تفكيكا منظما وممنهجا للمنطقة بأكملها، وحروبا أهلية وطائفية توشك على تدمير كل البلدان أو تفكيكها، فإن هذا السلوك يعد صبيانيا ومراهقا.
من بين الثوابت مثلا أن يحترم كل طرف إرادة ورأى الطرف الآخر، وأن يقر بوجود مصلحة قومية عربية عليا، وبجانبها مصالح وطنية يفترض أن تتكامل ولا تتصارع.
من بين الثوابت أيضا ألا يتحول موضوع المساعدات السعودية لمصر أحيانا إلى نوع من المن الذى يتبعه أذى، فقد كشفت أحداث السنوات الأربع الماضية أن مصر المستقرة القوية هى أفضل استثمار لأمن واستقرار منطقة الخليج.
من بين الثوابت أيضا عدم الرهان على الأجنبى، فكل التجارب السابقة أثبتت أنه لا يهمه إلا مصلحته الخاصة، التى ــ للأسف ــ تتصادم دائما مع المصالح العربية.
من بين الثوابت أيضا الإيمان بأن الجماعات الدينية المتطرفة خطر داهم يهدد المنطقة بكاملها، وأن مواجهة إيران أو بشار الأسد أو الحوثيين لا تكون بتأجيج أو إشعال حرب سنية شيعية، بل بمحاربة هذا التوجه، بل بالتركيز على المصالح القومية العربية، وصهر كل الطوائف والأعراق فى بوتقة الدولة العربية المستنيرة.يراد للوطن العربى العودة للوراء كثيرا، والحل أن نؤدى دورنا وواجبنا وبعدها نلوم على المؤامرة اذا وجدت. مرة أخرى حان الوقت لإصلاح جذرى لمسار العلاقات المصرية السعودية وبنائها على أسس ثابتة لا تتأثر بأى مشكلة عابرة.
عماد الدين حسين