لا تزال الأسئلة والتخمينات تغلب على الإجابات القاطعة عن الأهداف الروسية واندفاعتها في الغرق في الحرب السورية. إذا كانت السياسة الإيرانية معلنة الأهداف منذ تدخّلها في سورية وبعض الأقطار العربية، لجهة إثارة حروب مذهبية واستنفار أحقاد تاريخية بكل ما يعنيه من تأجيج الاستنفار الطائفي والمذهبي، تراه إيران ضرورياً لاستقطاب القوى المحلية حولها، فإن التساؤل عن الأهداف الروسية مشروع جداً: فهل اعتبرت روسيا أن الانحياز الى معسكر مذهبي في المنطقة ضد معسكر آخر ذي صفة مذهبية أيضاً، هو الممر اللازم لتثبيت مواقعها على الأرض وتأمين مصالحها على شاطئ المتوسط؟ وهل ترى روسيا أن هذا التدخل وتثبيت الموقع يساعدانها في تخفيف العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب الأزمة الأوكرانية كما يذهب الى ذلك بعض المحللين الغربيين؟
الثابت أن روسيا دخلت في حلف سياسي ذي طابع مذهبي، والثابت أيضاً والمعلن أن هدفها الرئيسي حماية النظام السوري بقيادة بشار الأسد، والثابت كما أعلن الرئيس الروسي أن الذهاب الى محاربة الإرهاب في سورية هو دفاع مسبق عن الأمن القومي الروسي قبل أن ينتقل الإرهاب الى بلاد القياصرة، وهي النظرية نفسها لجورج بوش حول الذهاب الى محاربة الإرهاب في عقر داره قبل أن يأتي الى الأرض الأميركية. يتطلب الأمر بعض الوقت لتنجلي المواقف الروسية الحقيقية من «غزوها» الأراضي السورية، ثم الانتقال بعدها الى العراق كما بدأت التصريحات تتوالى.
في المعلن والبادي للعيان حتى الآن، أن روسيا بدأت الحرب على «داعش» في سورية. المعلومات شبه المؤكدة أن الطيران الروسي نفذ حوالى ستين طلعة قصف فيها أهدافاً سورية، لم تكن حصة مواقع «داعش» سوى موقعين فقط، فيما تركزت سائر الضربات على مواقع بعض القوى المعارضة المصنّفة معتدلة وعلى مواقع للجيش الحر. لم يحصل ذلك مصادفة، فروسيا أتت لدعم بشار الأسد، والأخير يعتبر أن الخطر على نظامه ليس مصدره «داعش» الذي أطلقه ورعاه واستثمره الى النهاية، بل الخطر هو من هذه المعارضة التي يمكن أن تشكل بديلاً مقبولاً في حكم سورية إذا ما حانت تسوية ما سيدفع النظام كلفة لتمريرها. أما محصلة العمليات العسكرية الروسية، فلم تكن سوى دمار مضاعف يصيب الشعب السوري، بشراً وحجراً، وتبدو أكلافه كبيرة جداً بالنظر الى الاستراتيجية الروسية في الأرض المحروقة، بحيث تبدو البراميل المتفجرة لبشار الأسد كألعاب أمام الصورايخ المدمرة لطائرات السوخوي.
إذا كانت أهداف الحلف الرباعي تتجه الى تسعير الصراع المذهبي تمهيداً لتقسيم سورية، بإقامة مركز عنوانه الدولة العلوية التي لم يعد الحديث عنها يدور في الهمس، بل بات معلناً، وأن يترك لـ «داعش» مناطق يحكمها في أراض سورية ويكرّس فيها دولته، وفي المقابل أن يتم تقسيم العراق بتثبيت الهيمنة المذهبية الشيعية، وترك الفوضى تسود في المناطق الأخرى، فإن هذا المخطط يؤشر الى حرب بعيدة المدى، لا يمكن الحسم فيها في وقت قريب. وهو ما يعيد طرح علامات الاستفهام حول الحقيقي وغير الحقيقي في محاربة «داعش»، سواء من التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة أو التحالف الجديد بقيادة روسيا. بل الأخطر توسّع الحرب المذهبية لتطاول الأرض الروسية نفسها، والبلاد الإيرانية غير المحصنة على اندلاع حروب مذهبية داخلها.
الانتصار على الإرهاب المتمثّل بـ «داعش» وأخواته، أو الإرهاب المقابل من الحكمين العراقي والسوري والمتّسمين بطابع مذهبي، لن يكون بغير تسوية سياسية، تنهي حكم بشار الأسد الراعي الأول للإرهاب في سورية، والذي يشكل دعامة سلطته، وكذلك بتسوية سياسية في العراق تسمح بإلغاء التمييز المذهبي في إدارة شؤون الحكم والتوقف عن قهر سائر المكونات الطائفية. من دون هذه الحلول، ستبقى الحرب المذهبية قائمة الى أمد غير محدود. ما يجري تنفيذه راهناً لا يصب في تسوية سياسية في البلدين، بل يصب في تكريس مشاريع استعمارية، روسية وإيرانية، ليست بعيدة من أهدافها إعادة قولبة أقطار عربية واللعب في كياناتها ومقوماتها الوطنية، بما يتيح تكريس هذه الهيمنة الاستعمارية.
أخيراً، وبرسم معسكر الممانعة، أن الحلف الرباعي الجديد، لم يكن ليندفع بهذه السهولة من دون تغطية أميركية باتت واضحة وجلية. كما أن الحلف يحظى بمباركة إسرائيلية لأنه في نظرها سيزيد من تدمير بنى الدول التي يمكن أن تشكل خطراً على كيانها في يوم من الأيام.