أعلنت المفوضية العليا للانتخابات العراقية، ليلة أول من أمس السبت، النتائج الكاملة للانتخابات التشريعية الخامسة في البلاد، والتي أجريت في 10 من الشهر الحالي، بمشاركة أكثر من 9 ملايين عراقي من أصل 24 مليوناً يحق لهم التصويت لاختيار ممثليهم في البرلمان.
وحافظ التيار الصدري، بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر، على صدارة الكتل الفائزة في الانتخابات، بفارق كبير عن أبرز منافسيه من القوى السياسية، بواقع 73 مقعداً، أي ما يقرب من ربع مقاعد البرلمان البالغة 329. في وقت حصلت القوى السياسية، التي توصف عادة بأنها مدعومة من إيران، وأبرزها ائتلاف “دولة القانون”، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، على 34 مقعداً، وتحالف “الفتح”، الذي يمثل الجناح السياسي لـ”الحشد الشعبي”، ويضم ست كتل وأجنحة سياسية لفصائل مسلحة، أبرزها “بدر”، و”حقوق”، و”سند”، وصادقون”، على 17 مقعداً فقط. وحصد تحالف “العقد الوطني”، بزعامة رئيس “الحشد الشعبي” فالح الفياض، والذي دخل في تحالف مع الحزب الإسلامي العراقي، الذي يمثل الجناح السياسي للإخوان المسلمين في العراق، على خمسة مقاعد فقط.
حصد المدنيون والمستقلون 40 مقعداً بينها 9 لحركة “امتداد”
وبينما تصدّر تحالف “تقدم”، الذي يتزعمه رئيس البرلمان المنحل محمد الحلبوسي نتائج انتخابات شمال وغرب البلاد بواقع 37 مقعداً، وهو ثاني التحالفات على مستوى العراق من حيث النتائج المتحققة بعد تحالف الصدر، حافظ الحزب الديمقراطي الحاكم في أربيل، بزعامة مسعود البارزاني، على المرتبة الأولى في الانتخابات الثالثة على التوالي، رغم النزيف في عدد مقاعده البرلمانية، الذي تسبب به المستقلون والحركات الكردية المعارضة في الإقليم، التي حققت نتائج لافتة بواقع 15 مقعداً، منها 9 لحركة “جيل جديد”. وحصد المدنيون والمستقلون في بغداد وجنوب العراق نحو 40 مقعداً، بينها 9 لحركة “امتداد” بزعامة الناشط علاء الركابي، والذي أعلن عن سعيه لتكوين تحالف مدني داخل البرلمان ليأخذ دور “المعارضة الحقيقية”.
ووفقاً لرئيس مجلس المفوضين في مفوضية الانتخابات، القاضي جليل عدنان خلف، فإن النتائج المعلنة مكتملة، وبإمكان القوى المعترضة الطعن فيها خلال ثلاثة أيام من إعلان النتائج التي بثها التلفزيون الحكومي وموقع المفوضية قبل الساعة 12 من ليلة السبت الماضي، ما يعني أن النتائج ستكون نافذة للتصديق من قبل السلطة القضائية العليا في البلاد يوم الأربعاء المقبل.
وحتى أمس الأحد، بلغ عدد القوى السياسية الرافضة لنتائج الانتخابات 6 كتل، أبرزها “دولة القانون” وتحالف “الفتح” بزعامة هادي العامري، و”العقد الوطني”، و”النهج الوطني” بزعامة عمار الطعمة، وتحالف “النصر” بزعامة حيدر العبادي، و”تيار الحكمة” بزعامة عمار الحكيم، وهي ذات القوى المنضوية ضمن ما يعرف بـ”الإطار التنسيقي للقوى السياسية الشيعية”، التي أعلنت ليلة أمس الأول رفضها الكامل لنتائج الانتخابات واعتبرتها مطعونا بصحتها. لكن هذه التحالفات تضم بطبيعة الحال كتلاً وأجنحة سياسية لفصائل مسلحة نافذة في البلاد، أبرزها “صادقون” الجناح السياسي لمليشيا “عصائب أهل الحق”، و”حقوق” التابعة لمليشيا “كتائب حزب الله”، و”سند” التابعة لمليشيا “جند الإمام”، و”عطاء” التابعة إلى الفياض، و”بدر”، بزعامة العامري، إضافة إلى قوى أخرى مماثلة لم تحقق نتائج تذكر في هذه الانتخابات.
تقارير عربية
ما بعد الانتخابات العراقية: معركة الكتلة الكبرى تحتدم
وتواصل قوات الأمن العراقية حالة الاستنفار الأمني في بغداد ومدن عدة جنوبي البلاد، لكن مسؤولاً في قيادة العمليات المشتركة قال، لـ”العربي الجديد”، إنه “يتوقع رفع حالة الاستنفار خلال الساعات المقبلة، مع الإبقاء على الإجراءات الأمنية الحالية في محيط المنطقة الخضراء، التي ستبقى مغلقة في الوقت الحالي، إلا للذين يملكون ترخيصاً بالدخول، مثل الموظفين الحكوميين والعاملين مع السفارات والبعثات الأجنبية من المواطنين العراقيين، إلى جانب أفراد الأمن”.
ومن أبرز ما يُطرح في بغداد خلال الساعات الماضية هي الخطوة المقبلة، لما بعد رفض قوى “الإطار التنسيقي” لنتائج الانتخابات، والخيارات المتاحة أمامهم حالياً في هذا الشأن تحديداً، خاصة بعد بيانها الأخير الذي اعتبر النتائج “مرفوضة بالكامل”، وأنها مطعون بصحتها، أعقبه بيان آخر لما يعرف بـ”الهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة الإسلامية”، التي تضم عدة مليشيات حليفة لإيران، أبرزها “كتائب حزب الله” و”عصائب أهل الحق” و”النجباء” و”بدر”، قالت فيه إن نتائج الانتخابات تم التلاعب بها من قبل أيدٍ أجنبية، متهمة حكومة مصطفى الكاظمي بالتورط في التلاعب بها، كما لوحت بالنزول إلى الشارع.
لكن مصادر سياسية في العاصمة بغداد تتحدث عن أن تلك القوى لا تملك خيارات ما بعد مرحلة الرفض، وستبقى ضمن دائرة التصريحات الإعلامية، أو حتى تنظيم وقفات احتجاج مؤقتة، إذ من غير الممكن إعادة الانتخابات، أو ذهاب تلك القوى لخيار المعارضة السياسية في الحكومة المقبلة. ووصف مصدر مقرب من الكاظمي القوى المعترضة بأنها “تُصعّد من أجل الحوار والحصول على ما تريد”، مضيفاً أنه “لا يوجد طرف، بمن فيهم الإيرانيون، مستعد لدعم خيارات فوضى في العراق، أو حتى العودة إلى خيار إجراء انتخابات جديدة”. وبين المصدر، في اتصال هاتفي مع “العربي الجديد”، أن “المعترضين لا يملكون أدلة على مزاعم التزوير، وما يحدث رد فعل بديل عن إقرارهم بالخسارة”.
في المقابل، أكد عضو المكتب السياسي لحركة “صادقون” سعد السعدي، لـ”العربي الجديد”، أن “القوى السياسية الشيعية، ضمن الإطار التنسيقي، لم تناقش موضوع اللجوء إلى المعارضة السياسية أو البرلمانية، لكنها تحدثت عن رفض ما طرحته المفوضية من نتائج تجدها غير حقيقية. ومع ذلك، فإن قوى الإطار لن تذهب باتجاه المعارضة، لأنها تريد أن تحصل على منصب رئيس الحكومة، الذي يمثل استحقاقاً شيعياً”. وكشف عن “نية لتحشيد جماهير القوى المعترضة للخروج بتظاهرات منددة بالنتائج”. لكنه أكد، في الوقت ذاته، أن حراك “التحالفات بين القوى الشيعية وصل إلى مرحلة متقدمة”، في إشارة منه لتكوين الكتلة الأكثر عدداً وسحب البساط من تحت التيار الصدري لتشكيل الحكومة. أما القيادي في حركة “حقوق” عباس العرداوي فقد أوضح، في اتصال هاتفي مع “العربي الجديد”، أن “عدم استجابة المفوضية لمطالب القوى السياسية المعترضة، يعني الانتقال إلى مرحلة ثانية من أشكال الرفض، ومنها الاعتصامات والتظاهرات، لمنع كسر إرادة الشعب العراقي”.
السعدي: القوى الشيعية لم تناقش موضوع اللجوء للمعارضة
بدوره، لفت رئيس مركز “التفكير السياسي للأبحاث”، إحسان الشمري، إلى أن القوى الرافضة لنتائج الانتخابات اعتمدت “سياسة حافة الهاوية”، مستبعداً أن يؤدي التوتر الحالي إلى “الاحتكام للسلاح، ويمكن أن تكون خطوات الرفض من أجل الضغط لمحاولة استمرار عُرف التوافق. وحتى إن تم استخدام الشارع في الاحتجاجات فلن يستمر بشكل طويل، وقد تحل عبر مبادرة للحوار الوطني بغرض تثبيت الاستقرار”. وأكد، لـ”العربي الجديد”، أن “القوى السياسية الخاسرة تتحدث عن تزوير وتلاعب بالأصوات، لكن في الحقيقة فإن الانتخابات متقدمة جداً في عدم التلاعب بالأصوات، وما حدث من خسارة هو موقف عراقي تمثل في التصويت العقابي، أي أن العراقيين عاقبوا هذه الكيانات. وقد كانت هذه الخسارة متوقعة، بسبب فشل هذه الكيانات في المراحل الماضية بكل الملفات التي أوكلت إليها. كما أن هناك نفوراً شعبياً من الإسلام السياسي خارج إطار الدولة”.
(شارك في التغطية من بغداد زيد سالم)
العربي الجديد