تحت عنوان: “أردوغان يعزز نفوذه الافريقي”، توقف الصحافي والجيوسياسي الفرنسي رينو جيرار، في مقال بصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية عند جولة الثلاثة أيام التي بدأها الرئيس التركي يوم السابع عشر من الشهر الجاري إلى أنغولا ونيجيريا وتوغو؛ متسائلاً ما الذي سيفعله رجب طيب أردوغان في خليج غينيا بعيدًا عن وطنه؟ ولماذا تهمه هذه البلدان الثلاثة الخاضعة للنفوذ البرتغالي والبريطاني والفرنسي؟ وهل هدفه اقتصادي فقط، عبر دعم شركات الأشغال العامة التركية الكبيرة، القادرة على بناء بنية تحتية أرخص من منافساتها الأوروبية، والأعلى جودة من منافساتها الصينية؟ أم أنه يريد تشجيع الانتشار الأفريقي للخطوط الجوية التركية (58 وجهة مختلفة في إفريقيا)؟
واعتبر الكاتب أن رحلة أردوغان هذه هي في الواقع جزء من استراتيجية أفريقية طويلة الأمد للرئيس التركي. إنها سياسة عمرها عشرين عامًا تقريبًا، وتتبع تقليدًا قديمًا جدًا للإمبراطورية العثمانية. فيجب ألا ننسى أن مدينة مصوع (الإريترية حاليا) كانت، مثل عدن، مدينة عثمانية.
وأضاف رينو جيرار القول إنه في وقت مبكر من أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، رأى أردوغان أن القوى الاستعمارية الغربية السابقة تفقد اهتمامها بأفريقيا واستفاد من المكاسب المفاجئة. بدأ بتعزيز وجود بلده في دول إفريقية إسلامية، مثل الصومال وبعد ذلك ليبيا. ولم يخفه عدم استقرار هذه البلدان.
أردوغان واللعب مع الكبار
فالخطوط الجوية التركية تعد شركة الطيران الرئيسية الوحيدة التي تقوم برحلات من وإلى مقديشو. ومن خلال بناء دبلوماسية طويلة الأمد، لم يتعب أردوغان أبدًا من الصومال، حتى أنه افتتح قاعدة عسكرية في عام 2017 في مقديشو على طول البحر، ومن هناك نافذة تطل على بحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر، وهو الطريق البحري الرئيسي للتجارة بين آسيا وأوروبا، يوضح الكاتب.
ويضيف رينو جيرار أن تركيا لا تنوي حصر مجال عملها في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، بل تريد أن توسعه ليشمل منطقتي شرق إفريقيا والمحيط الهندي.. إنها تريد أن تلعب هناك مع الكبار (أمريكا والصين وفرنسا)، الذين يمتلك كل منهم قاعدة بحرية غير بعيدة عن جيبوتي. ومثل هؤلاء الكبار، تريد تركيا أردوغان أن تكون قادرة على اصطياد القراصنة هناك، يقول الكاتب.
الطائرات التركية بدون طيار: سلاح الحلم في العالم الثالث
في أنغولا ونيجيريا، وهما دولتان نفطيتان -يتابع رينو جيرار- ستكون مهمة أردوغان الرئيسية هي بيع الأسلحة التركية، ومع علمه أن تركيا لا تملك الوسائل التكنولوجية والمالية لتطوير طائرات مقاتلة حديثة، ركز الرئيس التركي على المحصلة النهائية، أي طائرات الهجوم العسكري بدون طيار، لا سيما طائرة Bayraktar TB2.
من المرجح أن يتم بيع هذه الطائرة المسلحة بدون طيار بشكل جيد في إفريقيا، حيث سبق لها أن أشرقت على أربع جبهات. في سنجار، شمال غرب العراق، نجحت في أغسطس 2018 في قتل إسماعيل أوزدن، وهو زعيم بارز جدًا في حزب العمال الكردستاني.
وفي ليبيا، صدت هجوم قوات الجنرال خليفة حفتر والمرتزقة الروس من مجموعة فاغنر للسيطرة على طرابلس. وفي جيب إدلب (شمال غرب سوريا) تسببت في عكس اتجاه جيش بشار الأسد. وفي القوقاز، كان لها الدور الحاسم في انتصار أذربيجان على أرمينيا في نزاع ناغورنو كاراباخ، يُذكِّر الكاتب.
أردوغان لا يتردد في تحدي فرنسا
فهذه الطائرات بدون طيار هي سلاح الحلم للنزاعات المحلية في العالم الثالث -يوضح الكاتب- كونها أرخص بعشرين مرة من الطائرات المقاتلة ولا تعرض أي طيار للخطر.
وقد أصحبت ناقلًا للنفوذ التركي في إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى. وهو نفوذ يطوره أردوغان بذكاء دون أن يصطدم أبدًا بدول أقوى منه كأمريكا والصين وروسيا. لكنه لا يتردد في تحدي القوى مثل فرنسا، التي فاز ضدها في مواجهة بحرية في يونيو 2020، قبالة ليبيا.
تراجع الصناعة الفرنسية
ومضى الصحافي والجيوسياسي الفرنسي رينو جيرار، إلى القول، في مقاله هذا بصحيفة “لوفيغارو”؛ إن تراجع الصناعة الفرنسية أمام نظيرتها الأمريكية الإسرائيلية وحتى تركيا في صناعة الطائرات بدون طيار، يبقى لغزاً، مشيرا إلى أن التخلي عن أول مشروع EuroMale الذي كان من المفترض أن يرى النور في عام 2008 ولم يولد من جديد إلا في عام 2014 تحت اسم EuroDrone.
وبعد مغامرات مختلفة، تم إطلاقه في عام 2018 من قبل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا برحلة أولى مقررة في عام 2028، بعد أربعة عشر عامًا من رحلة Bayraktar TB2.
وقد أدى هذا الاتحاد، بسبب ثقله، إلى تأخير تسليم طائرة بدون طيار عملياتية إلى الجيش الفرنسي، كان من الممكن أن تكون مفيدة جدًا في عمليات مكافحة الإرهاب، لا سيما في إفريقيا.
القدس العربي