مقتدى الصدر أمام فوز بطعم الهزيمة

مقتدى الصدر أمام فوز بطعم الهزيمة

يواجه التيار الصدري وضعا صعبا، لا يملك معه الكثير من أوراق القوة لتجسيد فوزه في الانتخابات التشريعية في العراق على الأرض. ونجحت القوى المقابلة الموالية لإيران حتى الآن في حشر التيار في زاوية ضيقة لا يستطيع من خلالها سوى التنازل للبقاء داخل هيكل السلطة، أو السير في خيار المعارضة المكلف.

بغداد – تحوّل الفوز الذي حققه التيار الصدري في الانتخابات التشريعية التي جرت في العراق في وقت سابق من الشهر الجاري إلى مأزق حقيقي بالنسبة إلى زعيمه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، حيث يبدو فوزا بلا مخرج.

وعلى الرغم من أن الصدر كان يستعد لهذا الانتصار ويعلن مسبقا أنه سوف يحصل عليه، إلا أنه لا يعرف الآن ماذا يمكنه أن يفعل به. فهو لا يكفي لتشكيل أغلبية برلمانية، ويهدده صداع الجماعات الولائية، ويجد نفسه معزولا من التيارات الأخرى التي تميل إلى الرهان على تحالفها مع إيران، وفي خضم ذلك لا يبدو أن خطابه الشعبوي سيسعفه هذه المرة.

وشكل الولائيون (القوى الموالية لإيران)، مثل “حزب الدعوة” الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وتيار “الفتح” الذي يقوده هادي العامري، تنسيقية ضمنت لنفسها حتى الآن أن تكون هي “الكتلة الأكبر” في البرلمان.

ويقول مراقبون إن كل غاية الضجيج الذي تثيره الجماعات المسلحة المدعومة إيرانيا، مثل “حزب الله العراقي” و”عصائب أهل الحق”، بشأن تزوير الانتخابات والتهديد بمحاكمة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ليست إلا محاولة لإبعاد الصدر عن أن يكون اللاعب الأول.

ويشير المراقبون إلى أن الضجيج المفتعل من قبل تلك الجماعات سوف يهدأ حالما تستقر الأمور بيد نوري المالكي، فعند تلك الساعة لن تكون الانتخابات مزورة، ولن يعود من الضروري محاكمة الكاظمي بتهمة الخيانة العظمى.

وتعكس المؤشرات على الأرض أن الصدر لن يتمكن من الذهاب بعيدا بعدد المقاعد التي فاز بها تياره والبالغة 73 مقعدا، فالكتلة السنية التي يقودها رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي (37 مقعدا) تنتظر اتفاق الأطراف الشيعية لتحديد موقفها، بينما كتلة رجل الأعمال خميس الخنجر (12 مقعدا) انحازت مسبقا إلى كتلة الفتح التي تضم الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران.

وبات من المرجح أن تذهب الكتلة الكردية (58 مقعدا) هي الأخرى لدعم حلفاء إيران لاسيما مع الإغراءات الاستثمارية التي قدمتها قطر لإقليم كردستان. وهو ما يعني أن فوز التيار الصدري أصبح بالنسبة إلى الصدر مشكلة أكثر مما هو مكسب.

وأصدر الصدر قرارا بتعيين مجلس “لإدارة مشروع البنيان المرصوص” برئاسة الشيخ محمد العبودي “لكي يقوموا بوجباتهم إزاء الجميع بالعدل أو المساواة وبتفعيله من الناحية الإنسانية والشعبية والاجتماعية والعقائدية والدينية، بل وعلى كافة الأصعدة، كالعشائرية والمهنية والثقافية والنفسية”، حسب بيان صدر بتوقيعه، في إيحاء بأن هذا المجلس بمثابة تحضير لعمل حكومة ما تزال قيد الغيب والتكهنات.

مقتدى الصدر لن يتمكن من الذهاب بعيدا بعدد المقاعد التي فاز بها تياره في الانتخابات التشريعية والبالغة 73 مقعدا

وعقدت الهيئة السياسية للتيار الصدري، أولى اجتماعاتها في بغداد، وضمت عددا كبيرا من نواب الكتلة الفائزين. وقال رئيسها نصار الربيعي، إن “على الكتلة النيابية الصدرية مهام جسيمة في المرحلة المقبلة”. ويبقى الانطباع الذي تركته الهيئة هو أن اختيار رئيس الوزراء المقبل أمر مفتوح للمفاوضات.

وتقول مصادر سياسية إن الصدر لا يستطيع أن يشكل الحكومة، ولن يُسمح له بأن تكون لها اليد العليا في تشكيلها، كما أنه لا يستطيع البقاء خارجها ليخسر ما تنطوي عليه من منافع وامتيازات وحصص، عاش عليها تياره، مثلما عاشت عليها القوى الشيعية المنافسة له، عندما ظلا يتشاركان المنافع والحصص.

وتؤكد المصادر، أن المالكي لن يرضى بأقل من أن تكون يده هي العليا في تشكيل الحكومة. وبالدرجة الأولى أن يكون هو رئيس الوزراء المقبل. وإيران تبدو مطمئنة إلى أن هذا هو ما سوف يحصل، فهي لم تجند ضغوطها داخل العراق وخارجه من أن أجل تنتهي بأقل من ذلك، وأجواؤها تبدو هادئة تماما، لاسيما وأن فريق الحرس الثوري الذي يشارك في المفاوضات بين الكتل، لم تصدر عنه أي إشارات تثير القلق.

وفي ضوء المعطيات الحالية وحساباتها فإن الصدر سوف يعاني كثيرا من مشاعر المرارة، بأنه تم الطعن به من قبل إيران وحلفائها الأكثر قربا لها منه. إلا أنه لن يستطيع المبالغة في إظهار هذه المشاعر، وسوف يضطر إلى “تسويق” فكرة “وحدة البيت الشيعي” أو “الوحدة الوطنية” أو أي يشبه هذه الشعارات التي تعني القبول بأن يكون شريكا ثانويا في الحكومة، بدلا من أن يكون على رأسها.

ولا يبدو خيار الذهاب إلى المعارضة، من دون حصة في الحكومة، عمليا بالنسبة إلى التيار الصدري، لأنه يعني شيئين: إفلاس التيار ماديا بما لا يمكّنه من دفع رواتب سراياه ومنتسبيه، من جهة، وخروجهم إلى الشارع للوقوف في صدارة الاحتجاجات من جهة أخرى.

وقد يمثل خيار المعارضة إغراء لتيار الاحتجاجات الذي يريد تغيير النظام، وذلك أملا بأن يكسب إلى صفه قوة مسلحة تنقل سكاكينها وبنادقها من كتف قتل المتظاهرين إلى كتف الدفاع عنهم، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى إسقاط حكومة المالكي في غضون بضعة أشهر.

ويقول متابعون إن إيران لن تسمح بذلك، كما أن المرجعية في النجف سوف تحول دونه أيضا. ولكن الدافع الأهم هو أن الصدر ليس من دون مثالب يمكن أن تشكل تهديدا شخصيا له، كما أنه ليس منيعا أمام إغراءات الامتيازات، التي يدرك أن تياره بحاجة لها.

ولن يكون من المستبعد أن يتلقى دعوة لزيارة إيران أو قطر، فيحصل منهما على “استثمارات” لتعزيز “الوحدة الوطنية”.

ويعتقد أن الصدر سينحو في النهاية لخيار إرضاء إيران والتعايش مع نفوذ جماعاتها، حتى وإن كان الأمر يبدو صعبا من منظور خطابه الشعبوي. ولطالما أخذ الصدر بهذا الخيار على امتداد الـ18 سنة الماضية. ولن يكون كثيرا عليه أن يتعايش معه 4 سنوات أخرى، لأن باقي الخيارات الأخرى صعبة، ذلك أن “الفوز” في الانتخابات بشعبوية لا تعرف ماذا تريد أو مع مَن تقف، مشكلة.

العرب