لندن- تحاول العاصمة البريطانية لندن استعادة بريقها المالي والاقتصادي الذي سحبه منها البريكست ووباء كورونا، من خلال استضافة قمة الاستثمار العالمي، التي تضم أكبر رجال المال والأعمال في العالم، وأكثرهم تأثيرا في القرار الاقتصادي العالمي.
وبدت حالة من الرضا على رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أثناء افتتاحه قمة الاستثمار العالمي لما ستحققه لبلاده من عوائد اقتصادية وحتى سياسية، موجهة في الأساس للأوروبيين، والصين وروسيا على الطرف الآخر من العالم.
ويظهر من خلال قائمة المشاركين، الذين يتقدمهم مؤسس شركة “مايكرسوفت” (Microsoft) بيل غيتس، وحجم الاستثمار المعلن عنه؛ أن المملكة المتحدة نجحت في سحب البساط من فرنسا، التي كانت هي الأخرى تسابق الزمن لجذب الاستثمارات الخارجية.
ضيوف كبار
عادت العاصمة لندن مرة أخرى لتكون قبلة لكبار الشخصيات الاقتصادية العالمية، ومن خلال تتبع لائحة المشاركين في قمة الاستثمار العالمي يظهر استقبالها 20 اسما من الأكثر تأثيرا في القرار الاقتصادي المالي.
والهدف المعلن لهذه القمة هو منح دفعة قوية لمشروع “بريطانيا العالمية” الذي أطلقته حكومة جونسون بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي.
من بين هذه الأسماء هناك بيل غيتس، ودافيد سولومون مدير بنك “غولدمان ساكس” (Goldman Sachs)، وجيمي دايمون المدير التنفيذي لمؤسسة “جي بي مورغان” (JPMorgan)، ورئيس مؤسسة “باركلايز” (barclays) البنكية جيس ستالي، بالإضافة إلى أسماء أخرى تسيّر أكبر المؤسسات البنكية العالمية.
صراع مع فرنسا
تحضر لعبة الأرقام وصراع المال والأعمال بقوة في هذه القمة، من خلال المقارنة بين ما ستجذبه من استثمارات خارجية، وما حققته قمة مشابهة في فرنسا الصيف الماضي.
وخلال تلك القمة حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استباق قمة الاستثمار في لندن، ودعوة 120 مديرا تنفيذيا أجنبيا إلى باريس.
بالفعل حققت القمة استثمارات أجنبية بقيمة 3.5 مليارات دولار، بحضور الرؤساء التنفيذيين لأكبر المؤسسات البنكية الأميركية.
وفي رسالة موجهة لباريس، أكد بوريس جونسون أن هذه القمة تستضيف 320 من رجال الأعمال في العالم، وستحقق 12 مليار دولار كاستثمارات أجنبية، وذلك إشارة إلى تفوق قمة لندن على نظيرتها في باريس.
أرقام مغرية
الحدث الأهم في هذا المؤتمر -الذي يبعث رسالة للأوروبيين- هو نجاح بريطانيا في الظفر بوعد من بيل غيتس بالانخراط في مشروع “الاقتصاد الأخضر” الذي أطلقته الحكومة.
وأعلنت الحكومة البريطانية إطلاق مشاريع استثمارية بقيمة نصف مليار دولار في مشاريع الاقتصاد الأخضر بشراكة مع بيل غيتس، الذي وعد بمزيد من الدعم لكل التكنولوجيا المتعلقة بالاقتصاد الأخضر.
وتعول الحكومة البريطانية على هذا التمويل بشراكة مع رجل الأعمال الأميركي، من أجل تطوير البطاريات الكهربائية طويلة الأمد لاستعمالها في صناعة السيارات، وكذلك طائرات بصفر انبعاث للكاربون واستعمال الهيدروجين عوضا عنها.
ويمنح الاتفاق الجديد بين بيل غيتس والحكومة البريطانية دفعة قوية لقمة المناخ (كوب 26)، التي تستضيفها المملكة المتحدة، وتعول عليه أيضا لإظهار قدراتها الدبلوماسية بعد مرحلة البريكست.
مواجهة مع الصين
حالة الزخم الاقتصادي والتسويق لشعار “بريطانيا العالمية” الذي أطلقته الحكومة البريطانية لا يتوقف فقط على جذب رؤوس المال الأجنبية أو مزاحمة الأوروبيين على كل الاستثمارات الخارجية، بل يصل مداه إلى آسيا والصراع مع الصين.
ورفعت بريطانيا إيقاع مفاوضاتها مع دول المحيط الهادي للانضمام “لاتفاقية الشراكة الشاملة والمتقدمة للشراكة عبر المحيط الهادي” (CCTPP)، التي تضم 11 دولة في منطقة المحيط الهادي (اليابان، كندا، أستراليا، فيتنام، نيوزيلندا، سنغافورة، المكسيك، بيرو، بروني، تشيلي، ماليزيا).
وفي حال نجحت المملكة المتحدة في دخول هذه الاتفاقية سيتم حذف 95% من الرسوم الجمركية على كل الصادرات والواردات بين بريطانيا والدول الأعضاء في هذه المجموعة.
وحسب تقارير إعلامية بريطانية، فإن أغلب الدول في هذه المجموعة توافق على انضمام المملكة، وتبقى فقط تفاصيل قليلة للإعلان عن الانضمام.
وحسب النموذج الإحصائي الذي تقدمه الحكومة البريطانية، فإن عائدات الانضمام لهذه المجموعة الاقتصادية سيضيف لخزينة الدولة أكثر من 2.5 مليار دولار على المدى الطويل، قد يكون هذا الرقم متواضعا إلا أنه يفتح الباب أمام بريطانيا لدخول أسواق ضخمة، والأهم أنها أقرب من الصين.
وتراقب الصين عن كثب التحركات البريطانية قرب مناطق نفوذها الاقتصادي، مما دفعها للإعلان عن تسريع وتيرة تغيير كثير من التشريعات الاقتصادية، وكذلك العمل على ملاءمة النظام المالي الصيني مع قوانين المجموعة لتقديم الطلب في أقرب وقت.
تسويق الاقتصاد الأخضر
تقدم بريطانيا نفسها بوصفها رائدة “الاقتصاد الأخضر” في العالم، وتحاول تسويق هذه الصورة عالميا عبر خطتها لتحقيق صفر انبعاث لغاز الكربون بحلول 2050، واستثمار 50 مليار دولار من الاستثمارات الخاصة في مجال الاقتصاد الأخضر بحلول عام 2030.
وحسب أرقام الحكومة البريطانية، فإن هذه الاستثمارات ستوفر ربع مليون وظيفة أو “المناصب الخضراء” كما توصف.
وستحدد قمة المناخ (كوب 26) في غلاسكو خلال الشهر المقبل مدى نجاح المملكة المتحدة في تسويق هذا النموذج، الذي تريد أن تكون رائدة في هذا المجال، بما يمكن أن يجذبه من استثمارات مغرية.
المصدر : الجزيرة