اتسعت الآفاق السياسية في التعامل الدولي والإقليمي مع حكومة طالبان بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان واخذت ابعادا ميدانية تمثلت في الاتصالات واللقاءات السياسية بين الحكومة الانتقالية برئاسة(محترم الحاج ملا حسن ) التي شكلت بتاريخ ١١أيلول ٢٠٢١ وعدد من البلدان المجاورة لافغانستان ومحور بلدان آسيا الوسطى وتوسيع دائرة العلاقات لتشمل الصين وروسيا بعد المواقف الميدانية لحركة طالبان باحترام حقوق الإنسان ومشاركة المجموعات العرقية داخل المجتمع الأفغاني في إدارة البلاد، وأهمية هذه اللقاءات تندرج وفق الرؤية الإقليمية لهذه المنطقة الحيوية المهمة والمتعلقة بتأمين الأمن الإقليمي لدول آسيا الوسطى المجاورة لدولة أفغانستان وتدعيم حالة الأمن والاستقرار فيها ومنع أي تواجد لأي حركة إرهابية تعمل على استخدام الأراضي الأفغانية منطلقا لتنفيذ مأربها الإرهابية مع الحفاظ على المصالح المشتركة لجميع بلدان المنطقة بما يعزز آفاق التعاون المستقبلي بينهم .
تأتي الدعوة الروسية التي انبثق عنها اجتماع موسع في العاصمة موسكو صباح الأربعاء العشرين من تشرين الاول ٢٠٢١ ضم وزراء خارجية دول (إيران وباكستان والهند والصين وأوزبكستان وتركمستان وقيزغستان كازاخستان ) إضافة إلى حكومة طالبان والدولة المضيفة روسيا الاتحادية، وتعتبر هذه الدعوة جزءا مهما من جولات جديدة لبحث مستقبل الأوضاع السياسية في أفغانستان ، ولاعطاء الأهمية السياسية لحضور هذا المؤتمر فقد مثل حركة طالبان نائب رئيس الوزراء عبد السلام حنفي وهو من الشخصيات السياسية البارزة التي شاركت في الاجتماعات التي عقدت بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي قبل أيام في العاصمة القطرية والتي تعتبر الأولى من نوعها بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والتي أشارت إليها الإدارة الأمريكية واعتبرها مباحثات ميدانية مفيدة وعملية .
جاءت الدعوة الروسية انطلاقا من الحرص الذي أكده الرئيس بوتين قبل أسبوع عندما أشار إلى(ان حوالي ألفي مسلح موالين لتنظيم داعش قد قدموا إلى شمال أفغانستان وان قادتهم يخططون لارسالهم إلى دول آسيا الوسطى كلاجئين ) ، وهذا يشكل اهتماما واسعا لدى القيادة الروسية الحفاظ على أمنها الحدودي وطبيعة الأوضاع الميدانية في الدول المجاورة لأفغانستان.
تابع مركز الروابط للدراسات الإستراتيجية والسياسية باهتمام الأبعاد الحقيقية لانعقاد هذا المؤتمر الذي أطلق عليه تسمية (صيغة موسكو) ويرى المركز أن النتائج التي خرج بها المؤتمرون أكدت بشكل غير مباشر على الاعتراف الرسمي بحركة طالبان وسيطرتها على الأوضاع العامة في أفغانستان ومنحتها الأهمية السياسية والاقتصادية في التعامل الدولي والإقليمي وفتحت أمامها آفاق التعاون المستقبلي بما يحقق الأمن والاستقرار في منطقة آسيا الوسطى عبر العديد من المقررات التي اكدها ممثلي الدول المشاركة في المؤتمر وأهمها التأكيد على احترام سيادة أفغانستان واستقلالها وسلامة أراضيها والتزام الجميع بإقامة دولة مسالمة غير قابلة للتجزئة وبعيدة عن أدوات الإرهاب الدولي والجرائم المتعلقة بتجارة وتهريب المخدرات وهذا ما أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من أن الجميع يسعى لتعزيز الجهود في استقرار الوضع في أفغانستان لأنهم يرون أن الخطر الإرهابي القادم من البلاد يهدد المنطقة بأسرها وضرورة تدعيم الأمن بمنع تجارة المخدرات ومكافحتها إقليميا ودوليا.
وبغية الحفاظ على وحدة الأراضي الأفغانية والحفاظ على السلم الأهلي فإن جميع الحاضرين أشاروا إلى حتمية تحقيق المصالحة الوطنية وقيام حركة طالبان بتعزيز الدور الشعبي في إدارة البلاد واحترام جميع أطياف الشعب الأفغاني وفق سياسة داخلية وخارجية تتصف بالحكمة والعلاقة الودية بين دول الحوار المتمثلة بالمصالح والأهداف المشتركة التي تحقق الأمن والازدهار وبناء علاقات اقتصادية متينة تحقق آفاق مستقبلية لجميع شعوب المنطقة وهو الهدف الرئيسي الذي تسعى إليه دول آسيا الوسطى في الحفاظ على علاقتها مع حركة طالبان التي تاتي امتداد لعلاقتها مع النظام السياسي السابق ولحماية حدودها من أي اضطرابات أمنية تؤثر على طبيعة العلاقات السياسية بين الجميع وتعزيز الأمن الإقليمي بتقديم الدعم والمساعدة لحكومة طالبان الحالية لضمان الأمن داخل الأراضي الأفغانية بما ينعكس إيجابيا على المصالح الأمنية الدولية والإقليمية، وهذا يتطلب اتخاذ مواقف دولية تتمثل في تقديم المساعدات الإنسانية والاقتصادية والمباشرة بعقد مؤتمر للمانحين تحت رعاية الأمم المتحدة ، وهذا ما أكده المبعوث الرسمي الرئيس بوتين إلى أفغانستان(زامير كابو لوف ) في ضرورة إعادة أعمال البناء والأعمار وتأهيل الأوضاع الميدانية في أفغانستان ليستعيد الشعب الأفغاني عافيته ورفع الأعباء عنه .
تؤكد هذه التحركات واللقاءات السياسية الأهمية الاقتصادية والأمنية الإستراتيجية التي تشكلها الدولة الأفغانية وطبيعة الادوار الدولية والإقليمية التي ستشهدها هذه المنطقة الحيوية من العالم والكل يعمل على الحفاظ على مصالحة ومنافعه وادواره ومخططاته ومشاريعه السياسية والاقتصادية وتحديدا الصين وروسيا لمواجهة التطورات و الميدانية القادمة في منطقتي المحيط الهادي والهندي.