نشرت قناة «الميادين» التابعة لـ«حزب الله» اللبناني تقريرا بعنوان «إعلام إسرائيلي: خطاب نصر الله من أهم الخطابات في السنوات الأخيرة» ويعكس نشر تقريظ الإعلام الإسرائيلي لخطاب السيد حسن نصر الله، أمين عام الحزب الذي بنى كثيرا من رصيده الخطابي والايديولوجي على فكرة العداء لإسرائيل مفارقة كبيرة، فقد ساهم الحزب في صناعة تقاليد تعتبر تقريظ «العدو الصهيوني» لطرف سياسي لبناني أو عربي باعثا على الاشتباه والاتهام ودافعا للتبرؤ والاستنكار.
غير أن هذه المفارقة لا تعدّ الأكبر فيما اكتنف خطاب نصر الله الأخير، الذي أتى بعد مقتل عدد من عناصر الحزب وحركة «امل» خلال ما قال إنه مظاهرة سلمية، فيما اعتبرته قوى لبنانية أخرى، وعلى رأسها «القوات اللبنانية» محاولة تكرار مصغرة لعملية الاقتحام التي نفذها الحزب في بيروت وبعض مناطق جبل لبنان في 7 أيار/مايو 2008.
خصّص زعيم «حزب الله» خطابه الأخير، بشكل رئيسي لانتقاد حزب «القوات اللبنانية» الذي تكرّر ذكره في الخطاب 73 مرة، ولتهديد رئيس الحزب، سمير جعجع (مع تعمّد عدم ذكر اسمه استخفافا ربما) بعدم مواجهة الحزب الذي يمتلك، حسب قول نصر الله، 100 ألف مقاتل ضمن «الهيكلية العسكرية».
الرسالة الثانية التي تضمنها خطاب نصر الله هي أن حزبه «حافظ على وجود المسيحيين في سوريا» وأنه «ليس عدوا للمسيحيين» وقد لاحظ أحد كتاب «القدس العربي» تطابق هذه المقولة مع تصريحات اليمين المتطرّف الفرنسي الذي يتحدث أيضا عن «حماية مسيحيي المشرق» وهو أيضا ما تفعله أحيانا روسيا، والنتيجة أن هذه الحماية توجهت، عمليا، لحماية نظام بشار الأسد، وكانت وبالا على مجتمعات المشرق بأكملها.
المفارقة الكبرى الكامنة في هذا الخطاب هي التناقض الذي يحمله بين المحتوى «المقاوم» للعدو الإسرائيلي، وبين كونه حزبا يتصرّف من جهة، كآلة حربية بالوكالة للدفاع عن إيران والنظام السوري، ومن جهة أخرى، كعنصر تسيّد ضمن هرميّة طائفيّة، وهما أمران يحملان في داخلهما بذرة الحرب الأهلية الدائمة، ويقومان على تنشيط العنصر الطائفي لدى طائفته والطوائف الأخرى، بشكل لا يبقي أرضية لنسيج وطني مشترك أو لسلام أهلي.
يكرّس منطق «الحماية» والتفاخر بعشرات آلاف المقاتلين، بالضرورة، إعلانا عن الغلبة والتفوق والسيادة لطرف قويّ على ضعيف، أما ادعاء «التظاهر السلمي» فيسقط أيضا، لأن هذا التظاهر، المدعوم بالأسلحة، يتوجّه دائما باتجاه المناطق اللبنانية الأخرى، ولا مجال، ضمن منطق الحزب المعلوم، تصوّر تظاهرات معاكسة تتوجه فيها عناصر من «القوات اللبنانية» أو «التقدمي الاشتراكي» أو «المستقبل» باتجاه الضاحية الجنوبية.
مفيد هنا أيضا التذكير بأن السنة الأولى من الثورة السورية، التي خاض الحزب حربا ضدها، كانت مجرد تظاهرات سلميّة في مدن سوريا الرئيسية، وأن النظام، والحزب، حاولا القضاء عليها بالقوة، وهو ما دفع باتجاه انشقاقات عسكرية ومحاولات لحماية المتظاهرين والمعتصمين.
ما يحتاجه مسيحيّو سوريا ولبنان، وكذلك كل مكوّناتهما الدينية والسياسية، هي نظم سياسية ديمقراطية تقوم على العدالة والقانون وليس على نظم دكتاتورية تقصف شعوبها بالأسلحة الكيميائية والبراميل، أو على أحزاب طائفية تستقوي على الآخرين وتهددهم بهيكليتها العسكرية التي تزعم أنها موجهة ضد إسرائيل.
القدس العربي