د. معمر فيصل خولي
في غرة شهر تشرين الأول/ أكتوبر الحالي نشر موقع ” foreign policy” الأمريكي مقالًا لستيفن كوك يتعلق بالحالة الصحية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأن حالته الصحية ” السيئة ” قد تمنعه من الاستمرار في الحكم بعد عام 2023م، وعرض في مقاله الشخصيات الأمنية والعسكرية التركية المرشحة لمرحلة ما بعد الرئيس أردوغان وهم: وزير الداخلية سليمان صويلو، ووزير الدفاع خلوصي أكار، ورئيس جهاز الاستخبارات حاقان فيدان. ويرى كوك بعد تسريبات رجل المافيا الهارب سادات بكر، أن سليمان صويلو بات رهانا خاسرا، وأن حاقان فيدان يفضل البقاء بعيدًا عن الأضواء، مما يجعل خلوصي أكار المرشح الأبرز والأقوى لمرحلة ما بعد أردوغان.
حقيقة، أن اللافت في هذا المقال وخاصة في جزئية من يخلف أردوغان، أن كاتبه سواء اعتمد على اجتهاده الأكاديمي أو اعتمد في تحليله على معلومات استخبارية، لا يرى مرشحا قويا ل أردوغان من داخل حزب العدالة والتنمية، فخلوصي أكار وحاقان فيدان ليسا عضوين في الحزب، وسليمان صويلو انضم إليه عام 2012م، فقط ويمثل تيارا أقرب للقومي منه إلى الجذور الفكرية للحزب.
وعليه، من اللافت جدا أن حزبا إصلاحيا مثل العدالة والتنمية، الذي يُعد كواحد من أبرز الأحزاب السياسية التي حكمت الدولة التركية وغيّر من وجهها وشكلها، ونقلها إلى مراتب متقدمة على مستوى المنطقة والعالم، لا يستطيع تقديم مرشح لخلافة أردوغان!!
منطق الأشياء يقول أن الانجازات التي تحققت في عهد حزب العدالة والتنمية في تركيا، والتجربة والممارسة العميقة في العمل الحزبي والسياسي، تجعل من هذا الحزب من حيث الاستمرارية المؤثرة ذو شأن كبير في مرحلة ما بعد مؤسسيه، وهو أشبه بأن يكون على غرار حزب العمال في المملكة المتحدة والحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية وأن لا يكون حزبًا على غرار الأحزاب التي انتهت بنهاية مؤسسيها، أو نتيجة الصراعات الداخلية.
حزب كحزب العدالة والتنمية استطاع بزعامته الحالية أن يجعل من تركيا فاعل مؤثر في السياسة الإقليمية والدولية، وما أدل على ذلك، أن بعد مجيئه للحكم في الدولة التركية أصبحت الإنتخابات التركية المحلية والنيابية والرئاسية محل اهتمام داخلي وعربي وإقليمي ودولي، وهذا الإهتمام بها لم يكن بذلك الزخم قبل مجيئ حزب العدالة والتنمية.
لذلك يفترض أن لا تغيب شمسه بعد رحيل مؤسسيه أو خروج مؤسسيه من الحزب، وإنما يجب أن يستمر حتى لو خسر الانتخابات النيابية والرئاسية القادمة كحزب منافس في الحياة السياسية التركية، لكن هذا يتطلب من الحزب إنتاج قيادات حزبية قادرة على تثبيت حزب العدالة والتنمية على الخارطة الحزبية في تركيا، وأن يكون حزبًا منافسًا في جميع الاستحقاقات الدستورية في تركيا في مرحلة ما بعد الرئيس رجب طيب أردوغان.
فالسؤال الذي يطرح في هذا السياق، هل يعقل حزب كحزب العدالة والتنمية الذي قدم الكثير للدولة التركية من إنجازات داخلية وخارجية، تُكتب شهادة وفاته بوفاة مؤسسه أو اعتزاله العمل السياسي لسبب ما؟، بينما حزب آخر، كحزب الشعب الجمهوري يستمر في العمل الحزبي، علمًا أنه منذ نشأته كان يشجع المؤسسة العسكرية على القيام بالانقلابات العسكرية؛ لإحكام القبضة على النظام السياسي والمجتمع المدني التركي، ولم تشهد تركيا في عهده أي إنجازات ملموسة، ولا يزال إلى يومنا هذا ينافس في الانتخابات المحلية والنيابية والرئاسية!! ماذا يعني هذا، أن حزب الشعب الجمهورية أكثر صلابة ومناعة وقوة مبدئية وفكرية من حزب العدالة والتنمية؟
مما لاشك فيه، أن التحدي الحقيقي الذي سيواجه حزب العدالة والتنمية كحزب يجتمع حول المبادىء والأفكار وليس الأشخاص في مرحلة ما بعد أردوغان، هو هل سيقوى الحزب على الاستمرار كحزب مؤثر في الحياة الحزبية التركية؟ أم أن نهايته ستكون كنهاية حزب الوطن الأم بعد وفاة مؤسسه الرئيس التركي الأسبق تورغت أوزال. ندع الأيام تجيب على هذا السؤال.
وحدة الدراسات التركية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية