إسطنبول – تشهد قطاعات الجذب السياحي في تركيا انتعاشا لافتا في الأسابيع الأخيرة مع تجاوز البلاد عتبات المراحل الحرجة في التعامل مع جائحة كورونا، وإزالة كثير من الإجراءات المتعلقة بالسفر ومنع التجمع، وفتح المرافق الترفيهية والتاريخية والطبيعية أمام الزائرين.
فقد عادت الحركة السياحية المرتبطة بالفعاليات والأنشطة الدولية إلى جميع الولايات التركية بخاصة إسطنبول، في الوقت الذي عادت فيه المراكز الطبية والمشافي لممارسة أنشطتها في دعوة المرضى والراغبين في العلاج لزيارة البلاد.
ومن المتوقع أن يسهم قرار الحكومة التركية الصادر منتصف أكتوبر/تشرين الأول الجاري القاضي بتسهيل شروط الحصول على التأشيرة الطبية عبر تخفيف متطلباتها من الراغبين بالقدوم إلى البلاد لأغراض السياحة العلاجية في توسيع نشاط هذا القطاع والتعويض عن الخسائر التي تكبدها خلال شهور الإغلاق بسبب وباء كورونا.
ويمثل قطاع السياحة الطبية واحدا من أسرع القطاعات الاقتصادية نموا في تركيا، إذ سجل نموا بمقدار 25% في السنوات الخمس الأخيرة لتبلغ قيمته 3 مليارات دولار في عام 2019 قبل انتشار الجائحة، في حين يتوقع خبراء أن يحلّ في صدارة القطاعات المختلفة من حيث نسبة النمو في السنوات الخمس القادمة.
وقال وزير الصحة التركي ياووز سليم قيران -في تصريحات صحفية- إن بلاده تسعى للاستفادة من النمو العالمي المتسارع لقطاع السياحة العلاجية العالمي، الذي تشير إحصاءات متعددة إلى أن متوسط حجمه يبلغ قرابة 439 مليار دولار، إذ يبلغ عدد المسافرين من أنحاء العالم في رحلة البحث عن العلاج نحو 50 مليون سائح سنويا ينفق كل منهم ما يراوح بين 3 آلاف و6 آلاف دولار في المتوسط العام.
للاستخدام الداخلي فقط **** تركيا – خليل مبروك – رجل الاعمال التركي خالد دياربكرلي – مصدر الصورة من حسابه في انستاغرامدياربكرلي يرى أن الحكومة التركية كثفت برامجها التشجيعية لحث الشركات السياحية على زيادة العمل بهذا القطاع (الجزيرة)
إجراءات التحفيز
ويقول خبراء في السياحة العلاجية بتركيا إن هذا النشاط كان مقتصرا في البداية على بعض العمليات التجميلية مثل زراعة الشعر، لكن الحكومة ركزت جهودها عليه مع تطور الطب في البلاد، فارتفع حجم الزيارات من 75 ألف زائر في عام 2007 إلى 700 ألف زيارة علاجية في عام 2017، في حين تخطط الحكومة لرفع عائداته السنوية إلى 10 مليارات دولار.
وأوضح خالد دياربكرلي، مالك ومدير شركة “Avem” السياحية في إسطنبول، أن هذا التركيز يتجلى في مجموعة من الإجراءات؛ مثل تخصيص المستشفى الموجود في مطار أتاتورك للسياحة العلاجية بعد انتهاء جائحة كورونا، وتنظيم المراكز التي كانت تعمل في هذا المجال ومتابعتها.
وأضاف أن الحكومة التركية كثفت برامجها التشجيعية لحث الشركات السياحية على زيادة العمل بهذا القطاع، وذلك أدى إلى ارتفاع تقييم مكانة تركيا وسمعتها في السياحة العلاجية، إذ برز عدد من المراكز والأطباء المشهورين عالميا.
وقال دياربكرلي للجزيرة نت إن هناك عوامل متعددة تشجع الزوار على القدوم إلى تركيا بغرض العلاج، من ضمنها وجودها أساسا على خريطة السياحة العالمية، الأمر الذي يشجع المرضى على زيارتها للقيام بالاستجمام أثناء الرحلة العلاجية.
ويوضح دياربكرلي أن تسهيلات التأشيرة العلاجية ستتيح فرصة الزيارة لكثير من الزوار الذين يحملون جنسيات كان من الصعب على حامليها دخول تركيا، وذلك سيفتح سوقا جديدة في مجالات التسوق والسياحة إلى المواقع الطبيعية والتاريخية بخاصة أن التسهيلات تشمل بعض المرافقين.
وقال رجل الأعمال التركي إن السياحة العلاجية هي قطاع مهم للشركات السياحية، لأن العميل يحتاج إلى خدمات كثيرة توفرها شركات السياحة، مثل ترشيح المركز الطبية أو المستشفيات أو الأطباء وخدمات الترجمة والتنقل والإقامة والمرافقة والرحلات السياحية وغير ذلك من الأنشطة التي يمكن أن تتكفل بها الشركات السياحية، الأمر الذي يعظم منافع هذه الشركات بدرجة كبيرة بخاصة عندما يتعلق الأمر بالعمليات الكبرى مثل زراعة الكبد التي قد تستمر شهرين.
الحذر واجب
وفي الوقت الذي تتحدث فيه المؤشرات عن انعكاسات إيجابية كبيرة لقرار تسهيلات التأشيرة على قطاع السياحة العلاجية، فإن الدكتور آيدن أرسلان -صاحب ومدير مركز (A A) الطبي في منطقة بكركوي بإسطنبول- يدعو المرضى القادمين إلى تركيا إلى عدم التهاون في تحديد الجهات العلاجية.
ووفقا للدكتور أرسلان، فإن التأشيرة العلاجية كانت سابقا لا تصدر إلا بتقرير معتمد من المستشفى أو الطبيب المعالج يقدمه المريض إلى السفارات لاستصدار التأشيرة، الأمر الذي كان يخضعها للتحقق من موثوقية المركز أو الطبيب صاحب الدعوة واعتماده من قبل وزارة الصحة التركية وحيازته الرخص اللازمة للعلاج.
وأوضح الطبيب التركي للجزيرة نت أنه بموجب التسهيلات الجديدة فقد يحضر المرضى بناء على تأشيرات علاجية إلى مراكز طبية غير محددة مقدما، وهذا قد يتسبب في توجيه بعضهم إلى مراكز تجارية غير معتمدة أو غير حاصلة على شهادة السياحة الطبية الدولية التي تصدرها وزارة الصحة للمراكز والمشافي المؤهلة لذلك.
وأشار إلى أن الاختيار الخاطئ للمريض يعني حرمانه من الإدراج في سجلات وزارة الصحة التركية، وذلك سيحرمه من القدرة على متابعة تبعات الفشل العلاج، و الأخطاء الطبية التي قد تقع، باعتباره لا يحمل إثباتات وليس له اسم مدرج في النظام الصحي التركي.
ويقيّم الدكتور آيدن أرسلان مستوى جودة العلاج في تركيا بما يزيد على 85-90% قائلا إن بلاده تحولت إلى مركز جذب للأطباء المهرة الذين يأتون من دول أخرى للعمل في تركيا كالأطباء الروس والألمان والسوريين وغيرهم.
كما يشير إلى دور انخفاض التكاليف في جذب الراغبين بالسياحة العلاجية إلى تركيا دون غيرها، سواء في ما يتعلق بالتكاليف المترتبة على العلاج نفسه أو على الإقامة خلال مدة العلاج قياسًا بالدول المتقدمة الأخرى بخاصة في أميركا وأوروبا.
ويوضح الدكتور أرسلان أن عمليات التجميل بكل أنواعها تحتل حاليا المرتبة الأولى في ترتيب مقاصد السياح الراغبين بالعلاج، تليها عمليات قص المعدة والتنحيف، ثم عمليات الأنف، ثم زراعة الشعر، وبعد ذلك العلاجات المرضية كالقلب والعظام وغيرها.
المصدر : الجزيرة