شهد العراق أمس حدثين بارزين، الأول سياسيّ وتمثل بمحاولة «ائتلاف دولة القانون» الذي يتزعمه رئيس حكومة العراق الأسبق نوري المالكي، لبناء كتلة برلمانية كبرى لتأليف الحكومة الجديدة، والثاني اقتصادي ـ اجتماعي، ويتعلق بتصنيف برنامج الأغذية العالمي، العراق، ضمن الدول الأكثر جوعا حول العالم.
يهدف الاجتماع السياسي، كما هو معلوم، لتأمين كتلة برلمانية تفوق التكتل الذي يحاول الزعيم السياسي الشيعي مقتدى الصدر، الذي فاز تيّاره بسبعين مقعدا في البرلمان، حاصدا العدد الأكبر من بين الكتل السياسية الأخرى، وهو ما حصل سابقا في انتخابات عام 2010، حين فازت كتلة «القائمة العراقية» التي يقودها إياد علاوي بـ91 مقعدا، فتمكنت القوائم الشيعية الأخرى من تشكيل تحالف أكبر بـ128 مقعدا مما سمح للمالكي حينها بالحصول على رئاسة الحكومة.
المفارقة حاليا، هي أن «الكتلة الصدرية» التي هي موضوع مناهضة القوائم الشيعية الأخرى لاستلامها رئاسة الحكومة، انضمّت حينها لتكتل المالكي، ومنعت العلاوي من الرئاسة، رغم أن المالكي، في رئاسته السابقة التي بدأت عام 2006، كان قد أطلق خطة «صولة الفرسان» ضد ميليشيا «جيش المهدي» التابعة للصدر.
كتلة الصدر هي الآن في الموقع نفسه الذي تعرّضت له كتلة علاوي عام 2010، والمالكي الذي قد يمنعها من تشكيل الحكومة الحالية، رغم أن سياسات المالكي ساهمت، بشكل كبير، في جملة كوارث سياسية (واجتماعية واقتصادية) هائلة سيحصد العراق آثارها السيئة لعقود مقبلة.
من تلك الكوارث التي يتحمل المالكي مسؤوليتها كانت قمع التظاهرات والاعتصامات العراقية التي تزامنت مع صعود الربيع العربي، وتحالفه مع نظام بشار الأسد ودعمه المتظاهرين والمناهضين لحكمه، كما حصلت خلال عهده عمليات فرار «منسّقة» للكثير من المحسوبين على تنظيم «القاعدة» الأمر الذي أسهم في نشوء تنظيم «الدولة الإسلامية» مرورا بانهيار القوات العسكرية العراقية أمام التنظيم وسيطرته على الموصل ثم على منطقة شاسعة امتدت من العراق إلى سوريا، كما اتهم بالمسؤولية عن مجزرة سبايكر، وفي عهده احتل العراق المرتبة الثالثة في الفساد بين دول العالم، وذلك بعد الصومال والسودان، ويتذكر كثيرون أيضا دوره في قرار إعدام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في أول أيام عيد الأضحى عام 2006.
تقرير برنامج الأغذية العالمي الذي يضع العراق ضمن الدول الأكثر جوعا في العالم، ويقول إن نسبة الجوع لدى السكان تبلغ أكثر من 35٪، وهو ما يعني أن ثلث العراقيين ينام جائعا، والذي رفضته الحكومة العراقية، سبقه تقرير لمنظمة «فاو» قبل أشهر، يقول إن العراق من بين 10 دول عربية تحتاج إلى مساعدة غذائية خارجية. رد الحكومة العراقية يعترف بأن نسبة الفقر في البلاد ارتفعت إلى 31٪، لكن ذلك، لا يعني، في رأيها، «أن هذه النسبة تمثل السكان الجائعين مطلقا»!
يذكر تقرير برنامج الأغذية بالشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب، الذي قال في إحدى قصائده الأشهر: ما مرّ يوم والعراق ليس فيه جوع، وواضح أن الأمر لا يتعلق فحسب بهطول المطر بل بالمنظومة السياسية البائسة التي خلّفها الاستبداد والاحتلال والتبعية الأجنبية والتي تحكم العراق الآن.
القدس العربي