فتح رفض الرئيس ميشال عون توقيع قانون تبكير الانتخابات النيابية في لبنان فصلا جديدا من المناوشات السياسية في بلد غارق في الأزمات، إلا أن محللين يعتقدون أنه سواء تمت الانتخابات مبكرة أو في موعدها فإن الفرص ضئيلة لإحداث تغيير سياسي.
بيروت- يناقش البرلمان اللبناني الثلاثاء رفض رئيس الجمهورية ميشال عون تبكير الانتخابات البرلمانية، ما يفاقم أزمات البلاد المتعددة، فيما تنظر المعارضة إلى الانتخابات كمنازلة جديدة ضد النظام، مع إدراكها بأن الحظوظ ضئيلة لإحداث تغيير.
وأعاد عون الجمعة قانون تبكير الانتخابات إلى البرلمان لإعادة النظر فيه مستنداً إلى “دراسات قانونية ودستورية”.
وقالت الرئاسة اللبنانية في بيان إن تبكير الانتخابات “يعرض العملية الانتخابية لإحجام الناخبين عن الاقتراع لأسباب مناخية ولوجستية عدة”.
وأوضح أنه “يمكن أن يتعذر انتقال الناخبين إلى أماكن الاقتراع خصوصا في المناطق الجبلية بسبب العوامل الطبيعية والمناخية التي غالباً ما تسود في شهر مارس كالأمطار والعواصف الرعدية والثلوج”.
ريما ماجد: واهم من يعتقد أن الدورة الانتخابية ستغير النظام
وبحسب عون أيضاً فإن “هذا القانون يحرم 10685 مواطناً من جميع الطوائف من حقهم في الانتخاب، لكونهم لن يبلغوا سن الحادية والعشرين (سنّ الاقتراع في لبنان) في حلول مارس 2022”.
وسيقوم البرلمان بإعادة النظر في تعديلات قانون الانتخابات ومن ثم إعادة التصويت عليها، ويتطلب إقرار التشريع أصوات الأغلبية المطلقة (نصف عدد الأعضاء زائدا صوتا واحدا).
وإذا أجيز القانون فسيحال إلى رئيس الجمهورية لتوقيعه، ولا يحق له رده إلى مجلس النواب مرة أخرى. وإذا مرت خمسة أيام من دون أن يوقعه الرئيس يصبح القانون ساريا تلقائيا.
ورأت مصادر سياسية لبنانية أن تبريرات رئيس الجمهورية وتعلّله باللوجستيك والمناخ غير منطقية وتعكس رغبة صهره رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في تعطيل المواعيد الانتخابية التي قد لا تخدم تياره بعد تراجع شعبيته في صفوف المسيحيين خاصة والذين أبدوا تعاطفا مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مؤخرا.
وكانت اللجان البرلمانية المشتركة أوصت في السابع من أكتوبر الماضي بوجوب إجراء الانتخابات في السابع والعشرين من مارس المقبل لأسباب تقنية واستباقا لحلول شهر رمضان.
وقال حينها رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان إنه “مراعاة لشركائنا في الوطن لا يمكن إجراء الحملات الانتخابية خلال شهر رمضان”.
وتقدم موعد الانتخابات التي كانت مقررة في مايو لتجنب إجرائها خلال شهر رمضان، إلا أن رئيس التيار الوطني الحر أعلن أنه سيطعن في تغيير موعد الانتخابات بسبب “تقاطع عدد من المهل الانتخابية مع الصوم عند الطوائف المسيحيةّ”.
وتعهد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي الذي تركز حكومته على إنعاش المحادثات مع صندوق النقد الدولي بضمان إجراء الانتخابات دون تأخير، وقد حثت حكومات غربية على ذلك.
والثلاثاء أقر البرلمان اللبناني قانوناً ينص على تبكير موعد الانتخابات النيابية إلى السابع والعشرين من مارس 2022 عوضا عن الثامن من مايو من العام ذاته.
ميشال عون أعاد قانون تبكير الانتخابات إلى البرلمان لإعادة النظر فيه مستنداً إلى “دراسات قانونية ودستورية”
وكانت جميع الكتل النيابية وافقت على القانون باستثناء تكتل “لبنان القوي” (يضم 23 نائبا من أصل 128) الذي يترأسه باسيل.
ويقول مراقبون إن اعتماد تاريخ الانتخابات عنوة دون توقيع رئيس الجمهورية قد يؤثر على شفافية ونزاهة العملية الانتخابية ويدخل البلاد في فترة تجاذبات سياسية جديدة تفاقم الأزمات المتراكمة.
وبعد عامين من اندلاع تظاهرات احتجاجية شعبية غير مسبوقة ضد الطبقة الحاكمة منذ عقود في لبنان، تنظر المعارضة الى الانتخابات التشريعية المقبلة كمنازلة جديدة ضد النظام، مع إدراكها بأن الحظوظ ضئيلة لإحداث تغيير في بلد أنهكته أزمات متراكمة.
وعلى وقع انهيار اقتصادي متسارع قلب حياة السكان رأساً على عقب وصنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، وجراء تداعيات تفشي فايروس كورونا، تراجع زخم الشارع تدريجياً. وفَقد كُثر الأمل بإمكانية إحداث تغيير ومحاسبة المرتكبين بعد انفجار مروّع في مرفأ بيروت حصد حياة أكثر من مئتي شخص وأصاب أكثر من 6500 ودمر أجزاء واسعة من العاصمة، ويرجح أن سببه أيضاً الإهمال والفساد.
لكن في المقابل حافظت المنظومة السياسية على تماسكها وصمودها رغم التداعيات الكارثية للأزمات المتلاحقة والضغوط الدولية لإجراء إصلاحات من شأنها إنعاش الاقتصاد مقابل دعمها مالياً. وحافظت أيضا على قدرتها على تحريك الشارع، وهو ما أظهرته توترات شهدتها بيروت الأسبوع الماضي خلال تظاهرة لمناصري حزب الله وحركة أمل اعتراضاً على مسار التحقيق في انفجار المرفأ وانتهت بمقتل سبعة أشخاص غالبيتهم من عناصر الحزبين.
ويقول الناشط فراس حمدان الذي شارك في التظاهرات الشعبية منذ اندلاعها وتولى ملاحقة ملفات متظاهرين تم توقيفهم “حاولنا كل شيء مع هذه الطبقة السياسية: تظاهرات مركزية وفي المناطق، اعتصامات أمام مصرف لبنان ومنازل المسؤولين، ملاحقة النواب والوزراء إلى المطاعم وقطع الطرق، لكن أُحبطت كل التحركات”.
ويرى حمدان أن على اللبنانيين أن يختاروا في الانتخابات القادمة بين فريق “يريد بناء دولة وحوار” وفريق آخر “يريد تدمير البلد ويستخدم لغة السلاح والدم”، في إشارة إلى التوترات الأخيرة.
أقر البرلمان اللبناني قانوناً ينص على تبكير موعد الانتخابات النيابية إلى السابع والعشرين من مارس 2022 عوضا عن الثامن من مايو من العام ذاته
وأفرز الحراك الشعبي مجموعات معارضة وأحزاباً ناشئة، كما جذب أحزاباً تقليدية وحركات انشقت عن المنظومة السياسية على غرار حزب الكتائب. وإن كانت جميعها تطالب بتغيير سياسي، لكنها تتباين في رؤيتها وأساليب عملها لتحقيق هذا التغيير، كما في موقفها من قضايا خلافية رئيسية على غرار سلاح حزب الله القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد.
لكن هذه المجموعات بغالبيتها تتفق على أن الانتخابات التشريعية تشكّل ساحة “لمنازلة جديدة في المواجهة المفتوحة” مع الطبقة الحاكمة، وإن كانت تعرف سلفاً أن “المواجهة صعبة والأدوات غير متكافئة” لناحية القدرة على تجييش القواعد الشعبية والإعلام والقدرات المادية، وفي ظل قانون انتخابي فصلته القوى السياسية على مقاسها.
وتقول الباحثة والأستاذة الجامعية ريما ماجد “واهم من يعتقد أن الدورة الانتخابية ستغير النظام” في بلد يتحكم بالسلطة فيه “من يملك السلاح والمال والميليشيات”.
العرب