تدخل العاصمة العراقية بغداد، اليوم الثلاثاء، أسبوعها الثاني من التشديد الأمني الذي فرضته السلطات، خصوصاً في مناطق وسط العاصمة وفي محيط المنطقة الخضراء، عبر وحدات من الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب، في وقت تواصل فيه القوى الرافضة لنتائج الانتخابات مساعيها لإلغاء النتائج، وكذلك تحشيد أنصارها حول المنطقة الخضراء منذ يوم الثلاثاء الماضي، بعدما كان نصب عدد من هؤلاء أخيراً خياماً كبيرة على بعد 200 متر فقط من البوابة الرئيسة المخصصة لكبار الشخصيات والدبلوماسيين الغربيين. وعلى خلاف التوقعات، انتهى الاجتماع الذي عقد في ساعة متأخرة من مساء أول من أمس الأحد، للقوى الخاسرة في الانتخابات، والتي تجتمع ضمن ما يعرف بـ”الإطار التنسيقي للقوى السياسية الشيعية”، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، والذي عقد الاجتماع في منزله، بالتأكيد على رفض نتائج الانتخابات بالكامل وعدم الاعتراف بها. ودعا المجتمعون في بيان مشترك مجدداً إلى إعادة عد وفرز نتائج الانتخابات بعموم مدن العراق، أي في أكثر من 55 ألف محطة انتخابية، فضلاً عن دعوتهم الرئيس العراقي برهم صالح للتدخل للضغط على مفوضية الانتخابات بشأن هذا المطلب. وتضم جبهة الرافضين لنتائج الانتخابات كل من تحالف “دولة القانون”، بزعامة المالكي، وتحالف “الفتح”، بزعامة هادي العامري، والذي يضم نحو 7 كتل وأحزاب جميعها تمثل فصائل مسلحة ضمن “الحشد الشعبي”، أبرزها “بدر”، و”صادقون” التابعة لمليشيا “عصائب أهل الحق”، و”حقوق” التابعة لمليشيا “كتائب حزب الله”، و”سند” التابعة لمليشيا جند الإمام، إضافة إلى قوى أخرى مماثلة.
اجتماعات بين الرافضين للنتائج مع قوى سنية وكردية اليوم
كما يشارك هؤلاء الرفض، “تحالف قوى الدولة” بزعامة عمار الحكيم وحيدر العبادي، وتحالف “العقد الوطني” بزعامة فالح الفياض، وحزب “الفضيلة”. ولا يتجاوز مجموع ما حصلت عليه تلك الكتل بالمجمل الستين مقعداً إلى الآن، وهي تعتبر أن النتائج تم التلاعب بها عبر أجهزة العد، وتُصر على إعادة العد والفرز، لكن خبراء القانون العراقي يؤكدون أن الخطوة لا تتم إلا بأمر قضائي مبني على وجود أدلة بالتزوير، وهو ما يعني اتهام مفوضية الانتخابات وكذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بالتقصير، باعتبار أن الجهتين الأخيرتين شاركتا بمراقبة الانتخابات وأعلنتا عن نجاح العملية. في السياق، كشفت مصادر رفيعة في بغداد، لـ”العربي الجديد”، أن لقاءات جديدة ستعقد اليوم الثلاثاء، بين قادة الجبهة الرافضة لنتائج الانتخابات مع قوى أخرى من العرب السنة والأكراد، بغية إقناعهم بالتوجه نحو رفض النتائج أيضاً واعتبار أنه تم التلاعب بها، في مسعى لتوسيع جبهة الرافضين لهذه النتائج. وأكدت المصادر أنّ كلّاً من تحالف “تقدم” بزعامة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، والحزب “الديمقراطي الكردستاني” بزعامة مسعود البارزاني، وحركة “امتداد” المدنية بزعامة علاء الركابي، رفضوا هذا التوجه مبكراً. وبحسب نائب بارز تحدث لـ”العربي الجديد”، فإنّ “كلّاً من نوري المالكي وهادي العامري وعمار الحكيم يرفضون التصعيد ولغة التهديد في الشارع التي تعتمدها أجنحة الفصائل المسلحة ووسائل إعلام تابعة لها، خاصة مهاجمة بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهناك خلافات داخل التكتل الرافض لنتائج الانتخابات في هذا الشأن تحديداً”. وأشار النائب الذي طلب عدم ذكر اسمه، إلى أن “الإيرانيين غير راضين أيضاً عن التصعيد في الشارع من قبل فصائل مسلحة، وهو ما قد يجعل من وصول زعيم فيلق القدس إسماعيل قاآني إلى بغداد متوقعاً في أي لحظة، بناءً على طلب من زعماء وساسة عراقيين”. في الأثناء، وعقب البيان الذي أصدرته القوى الرافضة لنتائج الانتخابات بعد اجتماعها مساء الأحد، أصدرت مفوضية الانتخابات العراقية بياناً قالت فيه إنها قبلت طعوناً انتخابية جديدة في عدد من المحطات، وستباشر العد والفرز اليدوي يوم غد الأربعاء تحت إشراف ممثلي القوى السياسية المتنافسة، وذلك بعد يومين من انتهاء إعادة عدّ أصوات 8 آلاف محطة، من دون أن يغيّر ذلك من نتائج الانتخابات الحالية، إذ ظلّ التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر متصدراً بفارق كبير عن أقرب منافسيه. وتكتفي مفوضية الانتخابات بإصدار بيانات رسمية حيال استمرار عملية فحص وتدقيق الشكاوى الواردة إليها، لكن عضواً في المفوضية طلب عدم ذكر اسمه، قال لـ”العربي الجديد”، إن “شكاوى وطعون القوى الخاسرة لن تحدث فرقاً كبيراً، وهم يعلمون ذلك، وهناك خشية من أن يكون إصرارهم على رفض النتائج مقدمة لخلق فوضى كبيرة”. ووفقاً للمسؤول ذاته، فإن “القوى الخاسرة تدرك أن بيان مجلس الأمن الدولي المرحب بالانتخابات والداعي لاحترام النتائج، وكذلك ما صدر عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في الإطار ذاته، ضيّق من مساحة تحركها، لذا هي تسعى الآن للدفع نحو إعادة عد وفرز الأصوات عامة، وهذا قد يستغرق ما بين 3 أسابيع وشهر، أملاً منها في إحداث فارق، أو محاولة منها لإقناع الآخرين بجدوى إلغاء الانتخابات وتنظيم غيرها”. وأكد المتحدث نفسه أن “التيار الصدري لا يمانع العد والفرز اليدوي، لكنه يخشى أن يخسر عدداً من مقاعده، وبالتالي قد يتحول الأخير إلى رافض للنتائج هو الآخر، وتدخل الحكومة والمفوضية في دوامة جديدة، تؤدي إلى إلغاء الانتخابات بالكامل”.
المالكي والعامري والحكيم يرفضون لغة التهديد في الشارع
من جهته، قال سعد السعدي، القيادي في حركة “عصائب أهل الحق”، وهي عضو في “الإطار التنسيقي”، إن “الإعلان السابق عن تطابق نتائج العد والفرز اليدوي مع نتائج الأجهزة الإلكترونية، لم يكن يمثل إلا نموذجاً لبعض مراكز الاقتراع المطعون بها، ولا يعد نتيجة كلية للانتخابات العراقية، لذلك ننتظر استكمال العد والفرز اليدوي في جميع المراكز المطعون بها، وبعدها لكل حادث حديث”. وعن الخيارات المستقبلية لـ”الإطار التنسيقي” والفصائل المسلحة، أكد السعدي في اتصال مع “العربي الجديد”، أن “القوى السياسية المعترضة على نتائج الانتخابات، ذاهبة إلى كل الخيارات وطرق الاعتراض، بما في ذلك الشعبية، وقد نذهب إلى المحكمة الاتحادية ومجلس القضاء الأعلى لحل هذه الأزمة، ووضع حد للسرقة الواضحة لأصوات جمهورنا. ويمكن القول إن الأحزاب حالياً مسيطرة على الجماهير الغاضبة، لكن استمرار استغفال العراقيين بهذا الشكل، قد يؤدي إلى انفجار تصعب السيطرة عليه، وعلى المفوضية أن تعي هذا الأمر”. بدوره، قال السياسي العراقي أحمد الأبيض، إن “الوضع الحالي يحتاج إلى حل وسط يرضي الطرفين، لكن هذا الحل غير متوفر إلى الآن”. وأضاف في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الأزمة تتجه نحو مسارين؛ الأول يتلخص بالتوافق حول تسوية بين الكيانات السياسية الشيعية الخاسرة مع التيار الصدري الفائز بالمركز الأول وفق نتائج الانتخابات، والثاني توجه الصدر نحو تشكيل الحكومة عبر أغلبيته البرلمانية”. وتابع أن “الاحتدام (بين الصدريين والقوى الخاسرة) قد يحصل كنتيجة حتمية لهذه العملية السياسية المبنية على أسس التحاصص الطائفي، ناهيك عن كون الأطراف التي كانت تؤثر على الأحزاب الشيعية قلّ تأثيرها”، في إشارة إلى زعيم فيلق القدس السابق قاسم سليماني. أما الباحث والمحلل السياسي العراقي عبد الله الركابي، فقد اعتبر في اتصال مع “العربي الجديد”، أن “الفصائل المسلحة هي التي تمثل الصوت الأقوى حالياً داخل الإطار التنسيقي، وتقود معظم توجهات الأحزاب المعترضة على نتائج الانتخابات، وبالتالي، فإن صوت العقل قد خفت خلال الأيام الماضية، وتراجع دور هادي العامري في قيادة الحوارات والتفاهمات مع التيار الصدري، كما حصل في الحكومتين الماضيتين (حكومتي عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي)”.
العربي الجديد