يشهد أقصى الريف الشمالي الشرقي لمحافظة اللاذقية، المتاخم مباشرة لريف إدلب في سورية، تطورات ميدانية، في ظل الاشتباكات التي تخوضها “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) مع مجموعات أكثر تشدداً وسط تفسيرات عدة لتوقيت فتح المعركة وأهدافها. وذكرت مصادر مطلعة على ما يدور في “هيئة تحرير الشام” لـ”العربي الجديد”، أن الاشتباكات لا تزال على أشدها بين عناصر “الهيئة” وفصيل يطلق على نفسه إسم “جند الله”، بقيادة المدعو أبو فاطمة التركي. وأضافت أن التركي رفض التسليم، معتمداً على تحصيناته في منطقة اليمضية على الحدود السورية التركية، وفي مناطق أخرى في جبل التركمان بريف اللاذقية الشمالي الشرقي. وأوضحت أن “الهيئة” أرسلت أبو عبد الملك القوقازي وسيطاً للتفاوض، إلا أنه تعرض لإطلاق نار فاضطر للعودة بعد إصابته. وتقاتل مجموعة “عتبة بن فرقد”، بقيادة أبو حذيفة الأذري، مع “جند الله”.
تسعى “هيئة تحرير الشام” إلى أداء دور سياسي
وكان فصيل “جنود الشام”، بزعامة مسلم الشيشاني، قد توصل مساء أول من أمس الإثنين، إلى اتفاق مع “هيئة تحرير الشام” قضى بخروجه من جبل التركمان، وتسليم مطلوبين لها. وأكدت المصادر أن “هذه المجموعات تؤوي بشكل دائم مطلوبين بقضايا جنائية، وعناصر متشددة ارتكبوا مخالفات من تكفير واستباحة أموال وأرواح مدنيين في المناطق التي ينتشرون بها في شمال غربي سورية”. وكانت “هيئة تحرير الشام” أرسلت مساء الأحد الماضي، خمسة أرتال عسكرية مدججة بالسلاح الثقيل والرشاشات المتوسطة، إلى جبل التركمان بريف اللاذقية، وإلى محيط مدينة جسر الشغور، غربي محافظة إدلب، وذلك لقتال “جنود الشام” و”جند الله” وجماعة “السلطان عبد الحميد”. وأشارت مصادر مقرّبة من “الهيئة” إلى أن عدد عناصر “جند الله” يتراوح بين 50 و100 عنصر، وقد رفض الفصيل التنسيق مع غرفة “عمليات الفتح المبين”، التي تضم عدة تنظيمات متشددة، أو مع “هيئة تحرير الشام”، أو “الجبهة الوطنية للتحرير” التي تضم فصائل سورية معارضة. وكان الجهاز الأمني في “هيئة تحرير الشام”، قد شنّ في فبراير/شباط الماضي حملة اعتقالات طاولت كبار القياديين في تنظيم “حراس الدين” المتشدد في الشمال الغربي من سورية، في محاولة لنفي صفة التشدد عن “الهيئة”.
ويضمّ الشمال الغربي السوري تنظيمات ومجموعات متشددة تتبنى الفكر السلفي الجهادي وتدور في فلك تنظيم “القاعدة”، وينضوي مسلحون من جنسيات عدة تحت لواء التنظيمات، التي دائماً ما تتصارع لأسباب تتعلق بالنفوذ. وهو ما دفع مصادر مطلعة في محافظة إدلب، إلى طرح تساؤلات عن توقيت هذا التحرك من قبل “هيئة تحرير الشام” باتجاه هذه المجموعات “التي دافعت لوقت طويل عن تلال استراتيجية حاكمة في ريف اللاذقية أبرزها تلة الكبينة”. ولم تستبعد احتمال تبدّل خريطة السيطرة في شمال غربي سورية. وأضافت أنه ربما تغري هذه التحركات في ريف اللاذقية قوات النظام والمليشيات الإيرانية للتحرك على الأرض، للسيطرة على تلة الكبينة التي فشلت على مدى سنوات في الاقتراب منها. وأوضحت المصادر أن هذه التلة “هي خط دفاع رئيسي عن مدينة جسر الشغور، كبرى مدن الريف الغربي لإدلب، والتي تعدّ الهدف الأول لقوات النظام منذ خروجها منها بشكل مذل في عام 2015”.
ويضع الباحث في الجماعات الإسلامية عرابي عرابي ما يجري في ريف اللاذقية “في سياق محاولات هيئة تحرير الشام تنظيف منطقة نفوذها من أي مجموعات أو تنظيمات غير منضبطة وغير مضمونة الولاء”. ويكشف في حديثٍ مع “العربي الجديد” أن مسلم الشيشاني كان يؤوي عناصر متشددة في القرى الأربع التي يسيطر عليها، تحديداً من فصيل “حراس الدين”، وهو ما كان مصدر قلق لـ”هيئة تحرير الشام”. ويرى أن “الهيئة تحاول مغازلة الجانب التركي، على اعتبار أن ملف التنظيمات المتشددة من الملفات الشائكة في الشمال الغربي من سورية”، مضيفاً: ربما تحاول “الهيئة” الحصول على تسهيلات من خلال تحييد هذه المجموعات. ويقول عرابي “إن الهيئة ومن خلال القضاء على العناصر والقيادات المتشددة، تسعى للحصول على دور سياسي في المنطقة من قبل الأطراف الإقليمية والدولية”، معتبراً أنها “تريد أن تكون طرفاً في أي حل سياسي مقبل لأوضاع الشمال الغربي من سورية”.
“الهيئة قضت على غالبية الفصائل الموجودة في محافظة إدلب
وتعليقاً على التطورات، يرى الباحث في مركز “الحوار السوري” أحمد القربي في حديث مع “العربي الجديد” أن “هيئة تحرير الشام، ومنذ سيطرتها على محافظة إدلب تعمل على مقاربتين. المقاربة الأولى داخلية وتقوم على فرض السيطرة الكاملة على المحافظة، والحد من نفوذ أي جماعة يمكن أن تنافسها. وتتمثل المقاربة الثانية الخارجية في سعي الهيئة لتسويق نفسها على أنها مشروع يمكن التفاهم معه من قبل الأطراف الفاعلة في الملف السوري”.
ويشير إلى أن “الهيئة قضت على غالبية الفصائل الموجودة في محافظة إدلب، بما فيها حركة أحرار الشام التي كانت أبرز المنافسين”، مضيفاً أن “هيئة تحرير الشام” ترفض وجود أي جهة إدارية سواها حتى على مستوى التعليم، فضلاً عن محاولات قائد الهيئة أبو محمد الجولاني، التقرب من الغرب من خلال مقابلات صحافية. ويعتبر القربي أن القضاء على المجموعات الأكثر تشدداً يحقق المقاربتين الداخلية والخارجية لـ”الهيئة” حيال الأوضاع في شمال غربي سورية، لأنه يساعدها على التخلص من جهات منافسة لها داخل إدلب وفي محيطها، وبنفس الوقت تسوّق نفسها على أنها “طرف فاعل يمكن التعاون معه في القضاء على الإرهاب”.
كما يرى القربي أن تحييد مجموعات متشددة في الشمال الغربي من سورية أو القضاء عليها “يتقاطع إلى حد بعيد مع المصلحة التركية في المنطقة”، مضيفاً أن هذه الخطوة يمكن أن تثني الجانب الروسي عن أي تحرك عسكري في المنطقة. ويشير إلى أن “المجموعات التي تعاملت معها هيئة تحرير الشام أول من أمس الإثنين، كانت عائقاً كبيراً أمام تطبيق اتفاق موسكو المبرم بين الأتراك والروس في مارس/آذار 2020، والذي يطالب الروس بتطبيقه”. ويشدّد على أن التخلص من هذه المجموعات يحقق المصلحة التركية في إزالة العوائق امام تنفيذ هذا الاتفاق.
العربي الجديد