وسط انقسامات ونقاشات حادة وخلافات، فشل وزراء الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي خلال اجتماعهم الطارئ الثلاثاء في لوكسمبورغ، في التوصل إلى اتفاق بشأن مواجهة أزمة أسعار الطاقة مؤخرا.
كما فشل الاجتماع في الاتفاق على مجموعة الأفكار التي طرحتها المفوضية الأوروبية في وقت سابق من الشهر الحالي، والتي ترتكز على المساهمة في حماية المستهلكين والشركات من تداعيات الارتفاع السريع لأسعار الطاقة دون الإضرار بقواعد المنافسة، في ظل الانقسامات الكثيرة بين الدول الأعضاء على كيفية مساعدة الشركات والمستهلكين في مواجهة أسعار الغاز الطبيعي المرتفعة.
وفي تصريحات إعلامية سابقة من الشهر الجاري، أشارت المفوضية الأوروبية لشؤون الطاقة كادري سيمسون إلى أن من بين الإجراءات المقترحة تقديم دعم دخل طارئ للأسر، ومساعدات حكومية للشركات وإقرار تخفيضات ضريبية موجهة.
كما تدرس المفوضية القيام بإصلاحات متوسطة المدى لجعل سوق الطاقة الأوروبية أكثر مقاومة لتقلبات الأسعار.
وقالت سيمسون “في ظل خروجنا من جائحة كورونا وبدء تعافينا الاقتصادي، من المهم حماية المستهلكين المعرضين للتأثر، ودعم الشركات الأوروبية”، قبل أن تضيف “تساعد المفوضية الدول الأعضاء في اتخاذ إجراءات فورية للحد من التأثير على المستهلكين والشركات هذا الشتاء”.
وتشمل الأفكار المطروحة أيضا إجراءات لمواجهة تقلبات الأسعار في المستقبل، حيث تدرس المفوضية مقترحا لشراء الغاز بصورة مشتركة وتخزينه، فضلا عن إنشاء سوق طاقة أوروبية.
وقبل اجتماع لوكسمبورغ، دعا عدد من الدول الأعضاء الاتحاد الأوروبي إلى تقديم أدوات تدخل جديدة للحد من تداعيات ارتفاع الأسعار، في حين أصدرت دول أخرى ومنها النمسا والدانمارك وفنلندا وهولندا بيانا مشتركا ترفض فيه أي تدخل، على أساس أن الارتفاع الحالي للأسعار مؤقت ولا ينبغي أن يؤدي إلى تغييرات متسرعة في قوانين الطاقة والإصلاحات الطموحة لمواجهة ظاهرة التغير المناخي في الاتحاد الأوروبي.
وبحسب البيان المشترك الذي وقعت عليه أيضا ألمانيا وإستونيا وأيرلندا ولوكسمبورغ ولاتفيا فإنه “إذا كان ارتفاع الأسعار ناتجا عن محركات عالمية، فيجب أن نتحلى بالحرص الشديد قبل التدخل في تصميم أسواق الطاقة الداخلية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ككل”.
وتواصل الموقف نفسه إبان اجتماع وزراء الطاقة بلكسمبورغ، حيث احتفظت 11 دولة بموقفها الرافض لإصلاح سوق الطاقة الداخلية الأوروبية.
وهي الدول نفسها التي تعتقد أن سوق الغاز سوف تنظم نفسها بنفسها، وأن الأسعار ستنخفض من تلقاء نفسها بعد الشتاء، ومن بينها ألمانيا والدانمارك والسويد وهولندا التي تعارض بشدة فكرة فصل أسعار الغاز عن أسعار الكهرباء، وفي مقابل ذلك ضغطت إسبانيا، مدعومة من اليونان وفرنسا، من أجل إجراء إصلاحات واسعة النطاق لسوق الطاقة في الاتحاد الأوروبي.
وفي هذا الاتجاه اقترحت إسبانيا رسميا السماح للدول التي ترغب في ذلك بالخروج مؤقتا على الأقل من قاعدة فصل أسعار الغاز عن أسعار الكهرباء، وينطبق هذا بشكل خاص على فرنسا التي تعتمد بشكل شبه كلي في إنتاج الكهرباء على الطاقة النووية وبقية الطاقات البديلة المتجددة.
وقد كانت الطاقة النووية إحدى أسباب التوتر والخلافات الكبيرة التي رافقت اجتماعات وزراء الطاقة في لوكسمبورغ وخاصة بين فرنسا وألمانيا، حيث طلبت فرنسا إدراجها كمصدر طاقة خال من الكربون مما يؤهلها للحصول على التمويل الأخضر، وتدعم المفوضية الأوروبية هذا الطلب الذي ترفضه بشدة ألمانيا والنمسا ولوكسمبورغ.
وقد شهدت أسعار الطاقة في فرنسا في الفترة الأخيرة زيادة وصلت لحدود قياسية، وقد تؤدي فواتير الطاقة المرتفعة مثل الغاز والكهرباء والوقود، حسب بعض المراقبين، إلى تدهور القدرة الشرائية لدى المستهلكين، مما سيبطئ أكثر التعافي الاقتصادي من الأزمة التي تسبب بها فيروس كورونا.
لذلك طلبت الحكومة الفرنسية من الشركات تقليص نشاطها للحفاظ على الطاقة، كما حددت سقفا للأسعار يمنع المزيد من الارتفاع في أسعار الطاقة.
وفي هذا الإطار تعهد رئيس الحكومة في مقابلة تلفزيونية خلال أكتوبر/تشرين الأول، بمنح كل الأسر الفقيرة والمتوسطة التي يقل دخلها عن 2000 يورو، مبلغ 100 يورو “120 دولارا” كمساعدة لمواجهة الأسعار المرتفعة للطاقة، في حين أعربت إيطاليا عن رغبتها في تخفيف عبء أسعار الطاقة من خلال خفض بعض الضرائب، بالإضافة إلى إجراءات أخرى.
رأي الخبراء
وفي قراءة لأزمة الطاقة في أوروبا ونتائج اجتماع وزراء الطاقة الأوروبيين وانقساماتهم، يرى خبير الطاقة الدولي والمدير العام السابق للاتحاد العالمي للكهرباء جورج لوسينيت، أنه بعد الأزمة الصحية ومخلفات فيروس كورونا، ومع عودة الاقتصاد العالمي إلى سالف نشاطه، من الطبيعي جدا أن ترتفع أسعار الطاقة من نفط وغاز.
وأضاف في تصريح للجزيرة نت، أن المشكلة الحقيقية تكمن في كون البلدان الأوروبية لا تعيش أزمة الطاقة اليوم بالحدة نفسها، لأن كل دولة لها وضعها الخاص وإمكانياتها الطاقية.
فألمانيا مثلا التي تولد الكهرباء عن طريق الفحم والغاز ليست موافقة على التخفيض في أسعار الكهرباء، وهذا ينطبق على بولندا أيضا، في حين نجد دولة مثل فرنسا التي تولد 90% من الكهرباء عن طريق مصادر الطاقات المتجددة مثل الطاقة النووية والهيدروجين، ضد الترفيع في أسعار الكهرباء، فارتفاع أسعار الغاز والنفط ليس له علاقة بالكهرباء من وجهة نظر الفرنسيين.
وتابع “من هذا المنظور ليس مستغربا أن نجد هذا التباين في المواقف بين وزراء الطاقة وبين الدول الأوروبية، وخاصة بين فرنسا وألمانيا، لأن كل دولة تقيّم الأزمة حسب إمكانياتها الطاقية، وحسب قدرتها على التصرف والتحرك”.
وبخصوص تداعيات أزمة الطاقة المستقبلية على أوروبا، أكد لوسينيت أن التداعيات ستكون كبيرة وعميقة على أوروبا، مع عدم وجود حلول واضحة وعملية على المدى القصير والمتوسط.
وأضاف “المستقبل سيكون بطاقة مرتفعة جدا، لأن قارة أوروبا ليس لها مصادر طاقة وليس لها نفط أو غاز، ولكن فقط بعض الفحم في بولندا وألمانيا، والفحم لا تستطيع الاعتماد عليه كثيرا لأنه مصدر طاقة ملوث للبيئة ومساهم في التغيرات المناخية”.
وتابع “لذلك على الأوروبيين إذا أرادوا تحقيق استقلاليتهم في المجال الطاقي أن يستثمروا في إنتاج الطاقات البديلة المتجددة، والتعويل على الطاقة النووية والشمسية والهيدروجين، إنها قضية استقلال حقيقية، فإما أن تحاول إنتاج طاقتك الخاصة وتتحكم في التكاليف وفي أسعار الكهرباء والغاز والبنزين، وإما أن تعول على استيراد الطاقة من الدول الأخرى وتخصص ميزانية ضخمة للاستيراد وتفقد استقلاليتك وقدرتك على التحكم في الأسعار”.
غياب إستراتيجية أوروبية للطاقة
وإجابة عن سؤال هل تعكس هذه الانقسامات في المواقف غياب إستراتيجية أوروبية موحدة في مجال الطاقة، قال المسؤول السابق عن الكهرباء في فرنسا والمدير العام السابق للاتحاد العالمي للكهرباء، للجزيرة نت “أعتقد أن أزمة كورونا كشفت لنا أنه ليس لأوروبا استقلالية صحية وكشفت أنه لا توجد إستراتيجية صحية أوروبية واضحة وموحدة.. وفي السياق نفسه كشفت أزمة الطاقة الحالية أنه لا توجد سياسة وإستراتيجية أوروبية موحدة في مجال الطاقة”.
وختم تصريحه مشددا على أنه “عوض اهتمام السياسيين الأوروبيين بالقضايا الجانبية كالهجرة وإلى غير ذلك، عليهم أن يعوا خطورة هذه الوضعية ويناقشوا مثل هذه القضايا الجادة والمهمة من طاقة وصحة ودفاع، ليجدوا لها حلولا عاجلة لأن المستقبل غامض في هذا المجال”.
وقال “شيء مؤسف أنه بالنسبة لكل هذه القضايا المهمة ليس هناك سياسة أوروبية واضحة ونقاش جاد، وبالتالي من الطبيعي أن تضمحل مكانة القارة الأوروبية بين بقية الأمم لأنها لا تملك سياسة وإستراتيجية ذكية وعملية في القضايا المهمة والآنية مثل قضية الطاقة”.
المصدر : الجزيرة